خسر المستشار الألماني أولاف شولتز اقتراعاً على الثقة في البرلمان، الاثنين، ما يمهّد الطريق لإجراء انتخابات مبكرة في فبراير؛ بهدف إخراج برلين من الأزمة السياسية الناجمة عن انهيار ائتلافه.
وهُزم شولتز بأغلبية 394 صوتاً مقابل 207 أصوات، مع امتناع 116 عن التصويت، ما ينهي فعلياً الحكومة غير الشعبية التي قادها منذ عام 2021.
ويعني التصويت أن ألمانيا ستعقد انتخابات فيدرالية جديدة في 23 فبراير، أي قبل حوالي 7 أشهر من الموعد المخطط له في الأصل.
لماذا سقطت حكومة شولتز؟
فاز الديمقراطيون الاجتماعيون من يسار الوسط بزعامة شولتز، في انتخابات عام 2021، بأكبر عدد من المقاعد، لكنهم لم يحققوا الأغلبية، وفقاً لصحيفة “نيويورك تايمز”.
وإثر ذلك، شكل شولتز حكومة ائتلافية مكونة من ثلاثة أحزاب، هي الأولى في ألمانيا منذ عقود عدة، مع حزبين أصغر، هما “الخضر” و”الديمقراطيون الأحرار”.
وكان هذا التحالف سبباً مهماً لعدم استقرار الحكومة، إذ أن المواقف الاقتصادية المحافظة للديمقراطيين الأحرار تضعهم في بعض الأحيان على خلاف مع شركائهم في الائتلاف، كما حظيت الحكومة سابقاً بشعبية نسبية في البداية، لكن حظوظها بدأت تتحول عندما قضت المحكمة الدستورية الألمانية بعدم قدرتها على استخدام نحو 60 مليار يورو مخصصة لجائحة كورونا لأغراض أخرى.
وأدت الخلافات داخل الائتلاف والتسريبات المتكررة للصحافة إلى خسارة الحكومة لدعم الناخبين بسرعة، وبعد سلسلة من الانتخابات المحلية هذا الصيف عانت فيها الأحزاب الحاكمة الثلاثة، بدت النهاية المبكرة أمراً لا مفر منه. وجاء الانفصال الأخير في نوفمبر، عندما أقال شولتز وزير ماليته، كريستيان ليندنر، زعيم الديمقراطيين الأحرار.
ما سبب الدعوة للتصويت؟
لم يكن أمام شولتز خيار يذكر، إذ لم يعد يرأس الأغلبية البرلمانية، بعد الانقسام مع الديمقراطيين الأحرار، وأصبح الضغط السياسي عليه للدعوة إلى التصويت ساحقاً، ولو انتظر لفترة أطول، لكان حزبه قد عانى أكثر في الانتخابات المقبلة.
ماذا سيحدث لاحقاً؟
بعد التصويت على الثقة، طلب شولتز من الرئيس فرانك فالتر شتاينماير حلّ البرلمان رسمياً، إذ يملك شتاينماير، الذي يعتبر دوره شرفياً إلى حد كبير، 21 يوماً للقيام بذلك وتحديد موعد للانتخابات المبكرة.
ومن المتوقع أن يجري محادثات سريعة مع المجموعات المختلفة في البرلمان قبل إرسال نواب البرلمان إلى ديارهم، ما يجعل حكومة شولتز بمثابة حكومة تصريف أعمال.
وتعتبر هذه العملية منظمة، وقد وافقت جميع الأحزاب الرئيسية في ألمانيا على الخطوات الرسمية وتاريخ الانتخابات، كما استخدمت الأحزاب الوقت منذ نوفمبر، لبدء الاستعداد للانتخابات الجديدة.
هل الأمر عادي؟
لا يعتبر الأمر عادياً، إذ اشتهرت ألمانيا بالائتلافات الدائمة المبنية على الإجماع المتعثر، ولن تكون هذه سوى الانتخابات المبكرة الثانية منذ إعادة توحيد ألمانيا الغربية والشرقية قبل أكثر من ثلاثة عقود.
وشهدت البلاد 20 حكومة خلال الأعوام الـ14 الماضية، بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، ما يمثل حالة من عدم الاستقرار ساعد في إفساح الطريق أمام النازيين للسيطرة الكاملة على الحكومة.
ولهذا السبب فإن الدستور الذي تبنته ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية يجعل حل الحكومة أمراً صعباً، ولكن الأوقات تتغير مرة أخرى، فالأحزاب الرئيسية تحصل على حصة أقل من الأصوات الإجمالية، ويتجه المزيد من الناخبين إلى أقصى اليمين واليسار، وربما يكون الائتلاف غير المستقر المكون من ثلاثة أحزاب تحت قيادة شولتز علامة على ما قد يحدث مستقبلاً.
من المتنافسون؟
تدخل 7 أحزاب حملة الانتخابات البرلمانية بفرصة واقعية للحصول على مقاعد، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أن بعض الأحزاب على الهامش السياسي، خاصة اليمين، على استعداد لتحقيق نتائج قوية.
والأحزاب السبعة هي: البديل من أجل ألمانيا، الخضر، اليسار الألماني، الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني، الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني، الحزب الديمقراطي الحر، تحالف سارا فاجنكنيخت.
وإلى جانب شولتز، هناك 3 أحزاب رئيسية أخرى يقودها سياسيون معروفون، اثنان منهم شغلا مناصب مهمة في الحكومة، وهما كريستيان ليندنر، زعيم الديمقراطيين الأحرار المؤيدين للأعمال التجارية والذي ساعد خلافه مع المستشارة في التعجيل بانهيار الائتلاف؛ وروبرت هابيك، وزير الاقتصاد والمرشح الرئيسي لحزب الخضر ذي الميول اليسارية.
ويُعَد المرشح الرئيسي الرابع، فريدريش ميرز، من “الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ”، الأوفر حظاً للفوز بأكبر عدد من الأصوات، ومعه منصب المستشار.
وأعلنت كافة الأحزاب الرئيسية أنها سترفض الشراكة مع حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف، ومع ذلك، يبدو أن الحزب الذي تبلغ نسبة شعبيته في استطلاعات الرأي حوالي 18%، يكتسب أرضية.
ومن المرجح أن تهيمن على الحملة عدة قضايا أزعجت جزءاً كبيراً من أوروبا، بينها إحياء الاقتصادات المتعثرة، وسد الفجوات الاجتماعية المتنامية، وتخفيف مخاوف الناخبين بشأن الهجرة، ودعم الدفاع الوطني.
يشار إلى أن شولتز سيبقى في المنصب لتصريف الأعمال لحين تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات المخطط أن يتم إجراؤها في 23 فبراير 2025، وبدأ الجدال يحتدم بالفعل بشأن الإجراءات العاجلة التي يجب أن يمررها بدعم من المعارضة قبل ذلك الحين.