بدأت إيران إجلاء قادة وأفراد عسكريين من سوريا، الجمعة، حسبما ذكر مسؤولون إقليميون و3 مسؤولين إيرانيين لصحيفة “نيويورك تايمز”، في مؤشر على “عدم قدرة” طهران على دعم بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة، مع تصاعد هجمات فصائل المعارضة المسلحة وسيطرتها على مدن وبلدات عدة.
وأوضح المسؤولون، أن عمليات الإجلاء إلى العراق ولبنان المجاورين شملت قادة كبار من فيلق “القدس”، الذي يشرف على أنشطة الحرس الثوري الإيراني في الخارج.
واعتبرت الصحيفة الأميركية، أن هذه الخطوة تمثل “تحوّلاً لافتاً” بالنسبة للأسد، الذي دعمت إيران حكومته طوال الحرب السورية الممتدة منذ 13 عاماً، وبالنسبة لطهران التي استخدمت سوريا كطريق رئيسي لتزويد “حزب الله” في لبنان بالأسلحة.
كما شمل الإجلاء أفراد “الحرس الثوري”، وبعض الدبلوماسيين الإيرانيين وعائلاتهم ومدنيين إيرانيين، بحسب المسؤولين الإيرانيين، ومنهم اثنان من أعضاء “الحرس الثوري”، بالإضافة إلى مسؤولين إقليميين.
وأوضح المسؤولون الذين طلبوا عدم كشف هوياتهم، أن الإيرانيين بدأوا مغادرة سوريا، صباح الجمعة. وأفاد مسؤولون إيرانيون وإقليميون بأن أوامر صدرت بإخلاء السفارة الإيرانية في دمشق، وقواعد الحرس الثوري الإيراني، مؤكدين أن بعض أفراد طاقم السفارة غادروا بالفعل.
وأشار المسؤولون إلى أن بعض المغادرين يتوجهون بالطائرات إلى طهران، بينما يستخدم آخرون الطرق البرية للانتقال إلى لبنان والعراق وميناء اللاذقية السوري.
وزار وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، هذا الأسبوع، دمشق، حيث التقى الرئيس بشار الأسد، وأكد دعم إيران الكامل له.
لكنه أدلى بتصريح بدا أكثر غموضاً، الجمعة، في بغداد، إذ قال في مقابلة على التلفزيون العراقي: “نحن لسنا منجمين. ما شاء الله سيحدث، ولكن المقاومة ستقوم بواجبها”.
جيش “لا يرغب في القتال”
وفي تعليق على الأمر، قال مهدي رحمتي، وهو محلل إيراني بارز ومستشار في استراتيجيات المنطقة، في مقابلة هاتفية مع الصحيفة: “بدأت إيران بإجلاء قواتها وأفرادها العسكريين لأننا لا نستطيع العمل كقوة استشارية وداعمة إذا كان جيش سوريا نفسه لا يرغب في القتال”.
وأضاف: “الخلاصة هي أن إيران أدركت أنها لا تستطيع إدارة الوضع في سوريا حالياً من خلال أي عملية عسكرية، وأن هذا الخيار لم يعد مطروحاً”.
وذكرت الصحيفة، أنه إلى جانب روسيا، كانت إيران الداعم الأقوى لحكومة الأسد، حيث أرسلت مستشارين وقادة إلى القواعد وخطوط الجبهات، وقدمت الدعم لجماعات مسلحة.
كما نشرت عشرات الآلاف من المقاتلين المتطوعين، وبينهم إيرانيون وأفغان وباكستانيون شيعة، للدفاع عن الحكومة واستعادة الأراضي من تنظيم “داعش” في ذروة الحرب السورية.
وقال مسؤولون إيرانيون، إن بعض قوات إيران، مثل لواء “فاطميون” الأفغاني، الذي كان متمركزاً في قواعد عسكرية تديرها إيران، بدأ نقله، الجمعة، إلى دمشق واللاذقية، معقل حكومة الأسد.
وأظهر مقطع فيديو نشرته حسابات تابعة لـ”الحرس الثوري” أفراداً من لواء “فاطميون” يرتدون زيهم العسكري، ويأخذون ملجأً في مقام السيدة زينب بالقرب من دمشق.
ووفق الصحيفة، غيّر الهجوم المفاجئ الذي شنته فصائل المعارضة المسلحة، المشهد العام للحرب في سوريا، التي أوصلها الرئيس بشار الأسد إلى حالة من الجمود.
تراجع نفوذ إيران
كما أثّر الهجوم على سيطرة إيران على بعض الأراضي السورية، فخلال نحو أسبوع، اجتاحت الجماعات المسلحة مدناً رئيسية مثل حلب وحماة، وسيطرت على مساحات شاسعة من الأراضي في أربع محافظات، واقتربت من العاصمة دمشق.
وذكر مسؤولون إيرانيون، أن اثنين من كبار جنرالات فيلق “القدس”، الذين كانوا في سوريا لتقديم المشورة للجيش السوري، فرا إلى العراق بعد أن سيطرت جماعات مسلحة على حمص ودير الزور، الجمعة.
وكتب أحمد نادري، عضو البرلمان الإيراني، في منشور على منصات التواصل الاجتماعي، الجمعة: “سوريا على وشك الانهيار ونحن نشاهد بهدوء”.
وحذّر نادري، من أنه إذا سقطت دمشق، “ستفقد إيران أيضاً نفوذها في العراق ولبنان”، قائلاً: “لا أفهم سبب هذا التقاعس، ولكن مهما كان، فهو ليس جيداً لبلدنا”.
ويأتي هجوم الفصائل المسلحة في لحظة ضعف نسبي لثلاثة من أهم داعمي سوريا، إذ تأثرت قدرة إيران على تقديم الدعم بسبب صراعها مع إسرائيل، كما أنهك الغزو الروسي لأوكرانيا القوة العسكرية الروسية، وتعرض “حزب الله”، الذي كان يمد الحكومة السورية بمقاتلين، لضربات قاسية في حربه مع إسرائيل.
ويهدد سقوط المزيد من الأراضي في يد الفصائل المسلحة، التي تقودها “هيئة تحرير الشام”، قدرة إيران على تزويد حكومة الأسد، أو “حزب الله” بالأسلحة والمستشارين، وفق “نيويورك تايمز”.
وحققت الفصائل المسلحة في سوريا، أكبر مكاسبها في الصراع منذ اندلاع الحرب قبل 13 عاماً، في ضربة قوية لحكومة الأسد.
وبعد سنوات من الجمود على خطوط المواجهة، انطلقت الفصائل المسلحة من معقلها في إدلب شمال غربي سوريا في 27 نوفمبر الماضي، وفي غضون أسبوع واحد فقط، سيطروا على مدن رئيسية، في ظل تراجع القوات الحكومية بسرعة.
وسيطروا على مساحة كبيرة من الأراضي تمتد على أجزاء من أربع محافظات في شمال غرب وغرب سوريا، بحسب مشروع “موقع النزاع المسلح وبيانات الأحداث” ACLED، وهي منظمة لرصد الأزمات.