أصدرت منظمة العفو الدولية، الخميس، تقريراً شديد اللهجة، اتهمت فيه إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين خلال حربها المستمرة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر العام الماضي، وهو ما نفته تل أبيب قائلة إنه “تقرير كاذب”.
وقال التقرير الذي يستند إلى أبحاث ميدانية مكثفة وشهادات ناجين، إن أفعال إسرائيل ترقى إلى الإبادة الجماعية بموجب القانون الدولي، ويكشف عن حصيلة مدمرة على مستوى الأرواح والبنية التحتية في القطاع المحاصر.
كما يوثق التقرير، الذي جاء بعنوان “تشعر وكأنك أقل من إنسان”، صورة قاتمة من الدمار واليأس، إذ سقط منذ بداية الحرب، أكثر من 44 ألف فلسطيني، و105 آلاف و739 مصاباً وفقاً لوزارة الصحة في غزة، مع آلاف الأشخاص الذين يعانون إعاقات دائمة.
ويتهم التقرير إسرائيل باستهداف المناطق المكتظة بالسكان بأسلحة متفجرة ضخمة، ما أدى إلى مسح أحياء كاملة، كما يشير إلى أن الحكومة الإسرائيلية فرضت ظروفاً “مصممة لتدمير الفلسطينيين جسدياً”.
وقالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أنييس كالامار، خلال مؤتمر صحافي: “إن هذا النزاع أثر بشكل غير متناسب على المدنيين… التدمير المتعمد للبنية التحتية الأساسية والتهجير المنهجي لما يقرب من مليوني شخص لا يمكن تبريره بموجب القانون الدولي”.
“سلوك ينتزع إنسانية الضحايا”
وسلط التقرير الضوء على الدمار الهائل للبنية التحتية في غزة، خصوصاً مع تعرض حوالي 62% من المباني لأضرار أو دمار، بما في ذلك 57% من مرافق المياه و84% من المنشآت الصحية، فضلاً عن تدمير المدارس وحرمان 625 ألف طالب من حقهم في التعليم لمدة عام كامل.
وافتقد معظم السكان القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية، إذ قضى 95% من سكان غزة فترات طويلة بدون مياه نظيفة، بينما بلغ انعدام الأمن الغذائي مستويات وصفها تقرير الأمم المتحدة بأنها “كارثية”.
وبالنسبة للعائلات التي شردتها الغارات الإسرائيلية، أصبح البقاء على قيد الحياة صراعاً يومياً، فقد أجبر الكثيرون على العيش في مخيمات مكتظة دون مأوى مناسب أو خدمات صحية، مع تحذير المنظمات الإنسانية من كارثة صحية وشيكة.
وتتجاوز نتائج التقرير الأثر المادي للنزاع، حيث يشير إلى خطاب تحريضي استخدمه مسؤولون إسرائيليون كدليل على نوايا الإبادة الجماعية.
ومن بين الأمثلة البارزة، تصريح وزير الطاقة الإسرائيلي آنذاك يسرائيل كاتس (وزير دفاع حالياً) في أكتوبر 2023 الذي وصف الحصار على غزة بأنه إجراء ضد “أمة من القتلة وجزارين الأطفال”.
ويشير التقرير إلى أن هذه اللغة، إلى جانب الأفعال التي تعيق المساعدات الإنسانية عمداً، تعكس سياسة تهدف إلى تفكيك المجتمعات الفلسطينية.
ووفقاً لمنظمة العفو الدولية، فقد تم تهجير 90% من سكان غزة، أي حوالي 1.9 مليون شخص، قسراً، عدة مرات في كثير من الحالات، مع إعادة رسم حدود المناطق الآمنة باستمرار.
دعوة للمساءلة
وخلصت المنظمة إلى أن أفعال إسرائيل تلبي التعريف القانوني للإبادة الجماعية بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948، داعية إلى تدخل دولي فوري، بما في ذلك رفع الحصار عن غزة، وملاحقة المسؤولين عن جرائم الحرب، وضمان تعويض الضحايا الفلسطينيين.
وقالت كالامار: “حجم المعاناة في غزة يتطلب تحركاً عاجلاً. بدون المساءلة، لن تكون هناك عدالة ولن يكون هناك نهاية لدائرة العنف”.
ومع استمرار تصاعد الخسائر البشرية، تُعد نتائج منظمة العفو تذكيراً صارخاً بالثمن الذي يدفعه المدنيون في الفصل الأكثر دموية في هذا النزاع المستمر منذ عقود.
وأعاد التقرير إشعال النقاش بشأن سياسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية والاستجابة الدولية للأزمة، وبينما تؤكد الحكومة الإسرائيلية أن عملياتها العسكرية جاءت رداً على هجمات حركة “حماس”، ترى المنظمة وجماعات حقوقية أخرى أن نطاق الدمار في غزة يعكس استراتيجية عقاب جماعي.
يأتي التقرير في وقت تكثف فيه المحاكم الدولية تدقيقها في أفعال إسرائيل، فقد أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
وفي الوقت نفسه، دعت محكمة العدل الدولية إلى الوقف الفوري للأفعال التي تنتهك اتفاقية منع الإبادة الجماعية، ورغم هذه التحركات القانونية، فإن التدخلات ذات التأثير الكبير لا تزال محدودة.
وفشلت سلسلة من اتفاقيات وقف إطلاق النار التي تم التوسط فيها في أواخر عام 2023 في معالجة الأزمة الأوسع، حيث انتقدت منظمة العفو تقاعس المجتمع الدولي، مشيرة إلى أن “الفشل في محاسبة إسرائيل شجع على استمرار أفعالها”.