على عكس مجلس الشيوخ الذي يسهل توقع حسمه لصالح الجمهوريين، فإن التكهن بشأن السيطرة على مجلس النواب من قبل أي من الحزبين الأميركيين الرئيسيين، الجمهوري أو الديمقراطي، أشبه برمي عملة معدنية.
وبخلاف دورهم الهجومي في انتخابات مجلس الشيوخ هذا العام، يلعب الجمهورييون دور الدفاع في مجلس النواب، على أمل حماية أغلبيتهم البسيطة، إذ يستحوذون على 220 مقعداً، مقابل 212 للديمقراطيين، مع وجود 3 مقاعد شاغرة، وهو الفارق الأضيق في تاريخ المجلس.
ويبلغ إجمالي عدد مقاعد مجلس النواب 435 مقعداً، ويُعاد الاقتراع عليها كل عامين، ما يعني أن جميع مقاعده مطروحة في الدورة الانتخابية الحالية، لكن خبراء قالوا لـ”الشرق”، إن هناك أقل من 30 مقعداً شديد التنافسية في مجلس النواب، لافتين إلى أن الفارق الحقيقي في النتيجة يمكن أن تحدده مقاعد نيويورك وكاليفورنيا.
ويُقلل الانتماء الحزبي الواضح في معظم الولايات، من تنافسية انتخابات النواب، فمن الصعب مثلاً أن يفوز ديمقراطي بمقعد في ولاية يوتا ذات الأغلبية الجمهورية، أو أن يفوز جمهوري بمقعد في ولاية ماساتشوستس ذات الأغلبية الديمقراطية. بالإضافة إلى ذلك، حرصت الإدارات المتعاقبة على تخطيط الدوائر الانتخابية، بما يؤمّن مقاعد حزبها.
يرى الباحث السياسي ومستطلع الآراء الانتخابية زاك مكيري، أن حوالي 10% فقط، من سباقات مجلس النواب تُعتبر تنافسية حقاً.
وقال لـ”الشرق”، إن التوقعات تشير إلى عدم وجود أغلبية واضحة لأي من الحزبين في مجلس النواب حتى الآن، إذ يعتمد الأمر على السباقات غير المحسومة.
وأوضح أنه يوجد 14 سباقاً غير محسوم، ما يعني أنها “تنافسية جداً ويمكن أن تذهب لصالح أي من الحزبين”. وفي المقابل، هناك عدداً قليلاً من المقاعد (18) تميل نحو الديمقراطيين بشكل طفيف، و11 مقعداً تميل نحو الجمهوريين، ما يجعل المجال المتبقي للسيطرة ضيقاً وغير تنافسي.
من جانبه، كان أستاذ السياسة العامة بمركز الدراسات العليا في جامعة نيويورك، براون هيث، أكثر تحديداً، معتبراً أن السباقات التنافسية في نيويورك وكاليفورنيا ستكون حاسمة للسيطرة على الكونجرس خلال انتخابات 2024.
نيويورك وكاليفورنيا.. مفتاح السيطرة
يرى الديمقراطيون أن هناك فرصة لاستعادة الأغلبية في مجلس النواب، خاصة بعد الأداء الجيد الذي حققوه في انتخابات 2022 بشكل فاق التوقعات، فعادةً، ما تواجه الأحزاب الحاكمة خسائر كبيرة في الانتخابات النصفية، خصوصاً في ظل ظروف اقتصادية صعبة، كما كانت قبل عامين، لكن الديمقراطيين تمكنوا من تقليص خسائرهم إلى 7 مقاعد فقط.
ومع وجود حوالي 25 مقعداً يصفها معظم المراقبين بأنها “متقاربة للغاية”، يلفت أستاذ الشؤون الحكومية في جامعة كورنيل، ريتشارد بنسل، إلى أن ما يقارب ثلث هذه المقاعد إما في كاليفورنيا أو نيويورك، ما يُحوّل الإنفاق على الحملات إلى ولايتين، صديقتين للديمقراطيين، ومن المؤكد أن مرشحتهم لانتخابات الرئاسة كامالا هاريس ستفوز بهما.
وقال بنسل، الذي تُركز أبحاثه على التطور السياسي في الولايات المتحدة والأحزاب والانتخابات، لـ”الشرق”، إنه على الرغم من أن نتيجة التصويت الرئاسي محسومة لصالح الديمقراطيين في هذه الولايات، فإن الإنفاق الكبير على سباقات مجلس النواب هناك يؤكد الأهمية البالغة للسيطرة على المجلس في السنوات المقبلة.
وأوضح أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى تركيز الجهود في الولايات التي توجد بها فرص قوية لتحصيل مقاعد إضافية بغض النظر عن التوقعات الرئاسية، ما يبرز التحدي الذي يواجهه كلا الحزبين لتحقيق الأغلبية في الكونجرس، والتحكم في توجيه السياسات.
بدوره، يتفق أستاذ العلوم السياسية بجامعة ميسوري، بيفرلي سكواير، مع بنسل في أنه بالولايات التقليدية، مثل كاليفورنيا ونيويورك، يُواجه بعض الجمهوريين تحديات في دوائر انتخابية فاز بها الرئيس جو بايدن خلال انتخابات 2020، ما يزيد من صعوبة محافظتهم على مقاعدهم إذا حصلت هاريس على دعم قوي في هذه المناطق.
ورجّح سكواير، الذي تهتم أبحاثه بشؤون الكونجرس والسياسة التشريعية، أن يُسيطر الديمقراطيون على مجلس النواب، وإن لم يكن ذلك بهامش كبير.
وقال لـ”الشرق”، إنه من المحتمل أن يحصلوا على ما يكفي من المقاعد في نيويورك وكاليفورنيا التي خسروها عام 2022 لإحداث الفارق، مضيفاً: “إذا حافظ الديمقراطيون على مقاعدهم البالغة 214، وأضافوا لها 4 مقاعد فقط، سيحصلون على الأغلبية”.
وتشهد الدائرة الرابعة للكونجرس في نيويورك، الواقعة في لونج آيلاند، منافسة شرسة، حيث يواجه المرشح الجمهوري الحالي، أنتوني دي إسبوزيتو، تحدياً من الديمقراطية لورا جيلين التي تتقدم عليه بفارق كبير.
ويتفوق الديمقراطي، جوش رايلي، بفارق 4% فقط على منافسه الجمهوري، مارك مولينارو، في الدائرة 19 في نيويورك.
أما الدائرة 27 في كاليفورنيا، والتي قد تكون مفتاح السيطرة على مجلس النواب، كما يتوقع الخبراء، ويضخ فيها كلا الحزبين ملايين الدولارات، فتشهد منافسة قوية بين الجمهوري الحالي مايك جارسيا مع رجل الأعمال جورج وايتسايدز، لصالح الأخير بهامش ضيق.
ويتنافس الديمقراطي، ديريك تران، مع الجمهورية، ميشيل ستيل، بقوة في الدائرة 45 في كاليفورنيا دون أفضلية واضحة.
ولا تختلف حدة المنافسة وتقاربها في الدائرة 22 في كاليفورنيا عن سابقيها، بين الجمهوري، ديفيد فالاداو، والديمقراطي، رودي سالاس.
السباقات الأقرب
في المقابل، يواجه الجمهوريون تحدياً أكبر في الدفاع عن مقاعدهم بالمناطق التي تشهد منافسة شديدة، مقارنة بالديمقراطيين، وهذا متوقع إلى حد كبير، نظراً لنجاحهم في قلب عدد من هذه المقاعد خلال انتخابات التجديد النصفي في عام 2022.
ومن بين 17 مقعداً جمهورياً ضمن قائمة المقاعد المتنافسة، تم انتخاب 9 من شاغلي هذه المقاعد لأول مرة في تلك الانتخابات. وإضافة إلى ذلك، يقع عدد من المقاعد الأكثر تنافسية للجمهوريين في مناطق “متقاطعة”، حيث الحزب الذي يشغل المقعد يختلف عن الحزب الذي كان قد فاز به في الانتخابات الرئاسية لعام 2020.
واعتبر عميد كلية “شار للسياسة” في جامعة جورج ماسون، مارك روزيل لـ”الشرق”، أن نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020 قد لا تعكس تماماً ما قد يحدث في 2024، إلا أن المناطق المتقاطعة تظل مؤشراً مهماً، لأن التصويت للرئاسة غالباً ما يقدم دلالة قوية على التوجهات السياسية لتلك المنطقة.
ورغم تركز المعارك الانتخابية في كاليفورنيا ونيويورك، فإن هناك عدداً من السباقات الرئيسية الأقرب قد تساعد في حسم السيطرة على مجلس النواب الأميركي.
وتشهد الدائرة الثالثة في واشنطن، مباراة العودة بين النائبة الديمقراطية، ماري جلوسينكامب بيريز، ومنافسها من الدورة الماضية 2022 الجمهوري، جو كينت، حيث يحظى التنافس بينهما بتقارب كبير للغاية.
وفي الدائرة الثامنة في ميشيجان، يتنافس الجمهوري، بول جونج، والديمقراطية، كريستين ماكدونالد ريفيت، على مقعد النائب الديمقراطي المتقاعد، دان كيلدي.
وكان جونج خسر أمام كيلدي عام 2022 بأكثر من 10%. وفي هذه الدورة أيضاً من المتوقع فوز الديمقراطية ريفيت، على جونج بهامش ضيق لا يتجاوز نقطة مئوية واحدة.
أما الدائرة الخامسة في ولاية أوريجون، والتي تشهد سباقاً متقارب للغاية يمكن أن يُحدد السيطرة على مجلس النواب، بين النائبة الجمهورية، لوري تشافيز دي ريمير، ومنافستها الديمقراطية، جانيل باينوم، تتقدم الأخيرة بهامش يصل إلى نقطتين مئويتين.
ورغم أن توقعات الخبراء تصبُّ بشكل حذر في صالح الديمقراطيين، إلا أن روزيل أشار إلى أن الكثير سيعتمد على ما يحدث في الانتخابات الرئاسية، قائلاً: “إذا أظهر أحد المرشحين أداءً أفضل بكثير مما تشير إليه استطلاعات الرأي، فقد ينتج عن ذلك (تأثير المعطف)، حيث يصوت الناخبون لمرشحين من نفس حزب المرشح الرئاسي الذي يتمتع بالشعبية، ما قد يساعد في تحقيق مكاسب غير متوقعة للحزب في مجلسي النواب والشيوخ”.
ويتفق الباحث السياسي مكيري مع روزيل، في أن الحزب الذي يفوز بالرئاسة سيفوز أيضاً بمجلس النواب، معتبراً أن مجلس النواب بشكل عام “متأرجح حقاً”، لكنه رأى أن السيناريو الأكثر ترجيحاً يتمثل في أن “مجلس النواب سيذهب إلى الديمقراطيين بسبب انتصاراتهم في مقاعد كاليفورنيا ونيويورك”.
وأضاف: “أود أيضاً أن أشير إلى أنني أعتقد أن هذه ستكون المرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة التي يتبادل فيها مجلسي النواب والشيوخ السيطرة الحزبية، لكن في اتجاهين متعاكسين”.