أثار تدمير الجيش الإسرائيلي لنحو 11 قرية في جنوب لبنان محاذية للحدود بينهما، مخاوف من مساع إسرائيلية لإنشاء منطقة عازلة خالية من السكان، وهي استراتيجية طبقتها بالفعل على حدودها مع غزة، وفق ما أوردته “أسوشيتد برس”.
وحلل خبراء صوراً التقطت بواسطة الأقمار الاصطناعية وبيانات تم جمعها من قبل خبراء رسم الخرائط، والتي تظهر مدى الدمار الذي يحيط بنحو 11 قرية بجوار الحدود الإسرائيلية، بينها رامية وعيتا الشعب وبليدا ومحيبيب، إذ أن بعض الملامح الجغرافية الموجودة بالفعل مهيأة لإنشاء منطقة عازلة.
وأحدثت الطائرات الحربية الإسرائيلية والقوات البرية دماراً هائلاً في جنوب لبنان خلال الشهر الماضي، إذ تقول إسرائيل إن الهدف هو إضعاف جماعة “حزب الله” اللبنانية، ودفعها بعيداً عن الحدود وإنهاء التصعيد بين الجانبين، الذي اندلع منذ أكثر من عام.
11 قرية لبنانية
وباستخدام صور الأقمار الاصطناعية التي قدمتها Planet Labs PBC، حددت “أسوشيتد برس” خطاً من 11 قرية، تقع جميعها ضمن مسافة 4 أميال (6.5 كيلومترات) من حدود لبنان مع إسرائيل وتضررت بشدة الشهر الماضي، إما بسبب الضربات أو التفجيرات الإسرائيلية.
ووجد التحليل أن الضرر الأكثر شدة في الجنوب جاء في القرى الأقرب إلى الحدود، حيث من المحتمل أن يكون ما بين 100 و500 مبنى قد دُمر أو تضرر في كل منها.
وقال خبيرا تقييم الأضرار كوري شير من مركز الدراسات العليا في جامعة مدينة نيويورك، وجامون فان دير هوك من جامعة ولاية أوريجون، إن “مبنى واحد بالكاد قائم على قمة التل المركزي لقرية رامية، بعد تفجير متحكم فيه أظهر جنود إسرائيليون أنفسهم وهم ينفذونه في مقاطع فيديو نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي”.
وأضاف الخبيران: “وفي قرية عيتا الشعب المجاورة لرامية، والتي تعد ذات نفوذ قوي لحزب الله، حول القصف قمة التل التي تضم أعلى تركيز من المباني إلى أرض قاحلة رمادية من الأنقاض”.
وأشار الخبيران إلى أن الضرر في قرى أخرى كان أكثر انتقائية، ففي بعضها، مزق القصف ندوباً في كتل من المنازل وفي قرى أخرى، سحقت بعض المنازل في حين بقيت أخرى على حالها، إذ سوى انفجار آخر جزءاً كبيراً من قرية عديسة في قضاء مرجعيون بالأرض، وكان الانفجار قوياً إلى الحد الذي أثار إنذارات بحدوث زلزال في إسرائيل.
وتُظهر مقاطع الفيديو التي نشرها الجيش الإسرائيلي والجنود الأفراد على الإنترنت قوات إسرائيلية تزرع أعلاماً على الأراضي اللبنانية.
ومع ذلك، لم تبن إسرائيل أي قواعد أو تمكنت من الاحتفاظ بوجود دائم في جنوب لبنان، لكن يبدو أن القوات تتحرك عبر الحدود، وأحياناً تحت نيران كثيفة من “حزب الله”.
ما هي المنطقة العازلة؟
وتعرف المنطقة العازلة بأنها منطقة محايدة تقع بين منطقتين أو أكثر من الأراضي، وعادة ما تكون تابعة لدولتين، اعتماداً على نوع المنطقة العازلة، فقد تعمل على فصل المناطق أو ربطها.
ومن الأنواع الشائعة للمناطق العازلة المناطق منزوعة السلاح والمناطق الحدودية وبعض مناطق الأحزمة الخضراء، وقد تتألف هذه المناطق من دولة ذات سيادة، لتشكل دولة عازلة.
وتتمتع المناطق العازلة بأغراض مختلفة، سياسية أو غير سياسية، إذ يمكن إنشاؤها لأسباب متعددة، مثل منع العنف، وحماية البيئة، وحماية المناطق السكنية والتجارية من الحوادث الصناعية أو الكوارث الطبيعية، أو حتى عزل السجون، لكن غالباً ما تؤدي المناطق العازلة إلى ظهور مناطق كبيرة غير مأهولة بالسكان، وهي نفسها جديرة بالملاحظة في العديد من المناطق المتقدمة أو المزدحمة على نحو متزايد في العالم.
وعندما سُئل الجيش الإسرائيلي عما إذا كان ينوي إنشاء منطقة عازلة، قال إنه “ينفذ غارات محلية محدودة ومستهدفة بناءً على معلومات استخباراتية دقيقة ضد أهداف حزب الله، الذي دس أسلحة عمداً في المنازل والقرى”.
وقال الجيش إن القصف “ضروري لتدمير أنفاق حزب الله والبنية التحتية الأخرى”، إذ يسعى إلى دفع “حزب الله” بما يكفي حتى يتمكن الإسرائيليون من العودة إلى منازلهم في الشمال.
بدورها، قالت أورنا مزراحي، الباحثة البارزة في معهد “إسرائيل لدراسات الأمن القومي”، إن “الهدف المباشر لإسرائيل ليس إنشاء منطقة عازلة، لكن هذا قد يتغير”.
وأضافت: “ربما لن يكون لدينا خيار آخر سوى البقاء هناك حتى نتوصل إلى ترتيب يعدنا بأن حزب الله لن يعود إلى المنطقة”.
هجمات تهدد بزوال “اليونيفيل”
وتخلل القصف هجمات إسرائيلية على قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان “اليونيفيل” والجيش اللبناني، إذ لطالما اشتكت إسرائيل من أن وجودها “لم يمنع حزب الله من بناء بنيته التحتية في جميع أنحاء الجنوب”، لكن إسرائيل تنفي استهداف أي من القوتين.
وقال الجيش اللبناني إن 11 جندياً على الأقل سقطوا في ثماني ضربات إسرائيلية، إما في مواقعهم أو أثناء المساعدة في عمليات الإجلاء، في حين أبلغت “اليونيفيل” أن قواتها وبنيتها التحتية تضررت 30 مرة على الأقل منذ أواخر سبتمبر، وألقت باللوم على الإجراءات العسكرية الإسرائيلية في حوالي 20 منها.
ورفضت “اليونيفيل” مغادرة جنوب لبنان، رغم دعوات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لها بالمغادرة، في وقت حذر خبراء من أن هذا قد يتغير، إذا تعرضت قوات حفظ السلام لهجمات أو إطلاق نار أكبر، كما فرّ أكثر من مليون شخص من القصف، مما أدّى إلى إفراغ معظم الجنوب اللبناني.
وكانت “اليونيفيل”، حذّرت في وقت سابق، من أن التصعيد الأخير على طول الخط الأزرق، سيخلف “دماراً واسع النطاق على المدن والقرى في جنوب لبنان”، لافتةً إلى أن الصواريخ الإسرائيلية لم تتوقف، بما في ذلك نحو المناطق المدنية.