أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الجمعة، في الذكرى الـ70 لثورة التحرير الجزائرية، اعتراف فرنسا رسمياً بمسؤوليتها عن اغتيال القيادي الجزائري الكبير العربي بن مهيدي في مارس 1957، وهو من القادة التاريخيين الستة الذين أطلقوا ثورة الأول من نوفمبر 1954.
وقال بيان للإليزيه، إن “ماكرون يعترف اليوم بأن العربي بن مهيدي، البطل الوطني للجزائر وأحد القادة الستة لجبهة التحرير الوطني الذي أطلق انتفاضة الأول من نوفمبر 1954، اغتيل على يد جنود فرنسيين وضعوا تحت قيادة الجنرال بول أوسارس”.
وكانت الرواية الفرنسية الأولى هي أن العربي بن مهيدي انتحر في زلزالته بعد إلقاء القبض عليه، خلال معركة الجزائر، ولكن الجنرال بول أوسارس نفسه اعترف في عام 2001 بأن جنوداً فرنسيين قاموا بشنق بن مهيدي.
ويعتبر العربي بن مهيدي رمزاً وطنياً في الجزائر، بسبب مقاومته للاستعمار الفرنسي، وأيضاً بسبب ثباته أمام آلة التعذيب، كما يعتبر شخصية بالغة التقدير من قبل النخب الفرنسية، وحتى العسكرية منها، وفق صحيفة “لوموند”.
وكتب الكاتب الفرنسي الشهير إيف كوريير في كتابه “زمن الفهود” عام 1969″: “كان ثورياً مثالياً، السياسي والمنظر(..) كان مقتنعاً بأن العمل السياسي سيحقق النصر”.
“أهم زعيم لثورة الاستقلال الجزائرية”
بنجامين ستورا، المؤرخ الفرنسي من أصل جزائري، والذي يرأس ملف الذاكرة بشأن حرب الجزائر من الجانب الفرنسي، هو من اقترح على إيمانويل ماكرون إعادة ترسيخ الحقيقة التاريخية حول اغتيال العربي بن مهيدي عندما كان يبلغ 34 عاماً.
وقال ستورا لصحيفة “لوموند”، إنه “أهم زعيم لثورة الاستقلال الجزائرية الذي اغتالته الأجهزة الخاصة الفرنسية”، معتبراً أن لفتة ماكرون “تعترف بالشرعية السياسية لنضال الوطنيين الجزائريين”.
وحتى الأعداء اللدودين مثل الجنرال مارسيل بيجار (عقيد خلال حرب الجزائر)، الذي كان على رأس الفوج الثالث من المظليين خلال معركة الجزائر، قال عن بن مهيدي إنه “حقاً كان هو الأعظم”.
وفي 23 فبراير 1957، نجحت قوة كوماندوز فرنسية في اعتقال العربي بن مهيدي، في العاصمة الجزائر.
وبحسب الرواية التي قدمتها السلطات الفرنسية آنذاك، فإن العربي بن مهيدي انتحر في زنزانته ليلة 3 إلى 4 مارس بشنق نفسه بقميصه، الذي ربطه في نافذة الزلزالة.
وفي الواقع، تم اغتيال بن مهيدي على يد “القائد O” العقيد بول أوسارس، المسؤول عن تنسيق عمل ضباط المخابرات والشرطة والعدالة، خلال معركة الجزائر العاصمة.
ابتسامة بن مهيدي.. رمز للمقاومة
وولد العربي بن مهيدي في مدينة قسنطينة سنة 1923، وبدأ نضاله سراً وهو في 17 من عمره.
وبعدما شغل عضوية حزب “الشعب الجزائري”، شارك في بداية عام 1954 بتأسيس اللجنة الثورية لوحدة العمل، وهي الهيئة التي أصبحت بعد بضعة أشهر جبهة التحرير الوطني.
وبن مهيدي أحد القادة التاريخيين الذين خططوا وأطلقوا ثورة التحرير الجزائرية في 1 نوفمبر 1954.
وبعد اندلاع ثورة التحرير، أصبح العربي بن مهيدي مسؤولاً عن الولاية الخامسة التاريخية (وهران)، قبل أن يتم تعيينه رئيساً لمنطقة الجزائر العاصمة.
وقام بتنظيم المقاومة خلال معركة العاصمة الجزائر، والخطط التي أطلقها الحاكم العام للجزائر حينها روبرت لاكوست، والتي كانت تستهدف توقيف مسؤولين في جبهة التحرير الوطني بسبب زيادة عدد الهجمات.
وفي يوم اعتقاله، ظهر العربي بن مهيدي بابتسامة مليئة بالحياة، وأصبحت “رمزاً للمقاومة والحرية”.
ولم تصدق عائلته أبداً رواية انتحاره، إذ قالت في القضية التي رفعتها أمام محكمة في باريس عام 1984 بشأن ظروف وفاته، بأن ” شخصاً مؤمناً مثله لا يمكنه أن ينهي حياته”.
وسبق للجنرال بيجار أن قال في إحدى مقابلاته، إنه “بالنسبة لي لم ينتحر، ليس من النوع الذي ينتحر، لا أظن ذلك، لم يعط أبداً انطباعاً عن ذلك، كان يملك دائماً الأمل”.
تفاصيل اغتيال بن مهيدي
وخلال أيام من الاستجواب، حاول بيجار الحصول على معلومات من بن مهيدي، وبعد فشله حوّل قضيته إلى أوسارس، الذي اغتاله في وقت لاحق.
وفي عام 2001، اعترف أوسارس، الضابط العجوز معصوب العينين في كتابه “الأجهزة الخاصة، الجزائر 1955-1957” بأنه شنق العربي بن مهيدي.
وفي عام 2007، عاد بالتفصيل في مقابلة مع “لوموند” إلى هذا الاغتيال المروع.
وذكر أنه بعدما قامت مجموعة من الكوماندوز بتوقيفه، وعرضه على وسائل إعلام دولية، تم نقل بن مهيدي إلى منطقة متيجة، في ضواحي الجزائر العاصمة، وبالضبط إلى مزرعة مهجورة لأحد المستوطنين المتطرفين.
وقال أوسارس، إنه “بعد تجهيز الحبل، قام أحد رجالي بلعب دور بن مهيدي للتأكد من أن كل شيء على ما يرام، وأدخل رأسه في العقدة ونظر إلينا، وبدأنا في الضحك”.
وأضاف أوسارس: “بعد منتصف الليل بقليل، كان الحبل يلتف حول رقبة بن مهيدي، كنا نريد أن نعصب عينيه وقلنا له هذه أوامر، ولكنه رفض، وقال لنا: أنا عقيد في جيش التحرير الوطني، وأعرف ما هي الأوامر”.
وأشار إلى أن الجنود الفرنسيين قاموا بشنقه مرتين، لأن الحبل انقطع في المحاولة الأولى.
وقبل وفاته عام 2010، كان الجنرال بيجار يرغب في زيارة قبر بن مهيدي الواقع في “مربع الشهداء” بمقبرة العالية بالجزائر العاصمة. وقال حينهاً: “عندما نقاتل ضد عدو جدير بالاحترام، غالباً ما تكون هناك صداقة أقوى بكثير من تلك الموجودة مع الحمقى من حولنا”.
وذكر أيضاً أنها قالم بمراسلة ظريفة حساني، إحدى شقيقات العربي بن مهيدي الثلاث.