يتوقع أن يشهد مستقبل الدبلوماسية المناخية للولايات المتحدة تحولاً كبيراً، حال عودة المرشح الجمهوري دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في انتخابات 2024، ما يثير مخاوف بشأن تأثير ذلك على الالتزامات المناخية العالمية، بحسب “بلومبرغ”.
وبات الدبلوماسيون والخبراء في مجال المناخ في جميع أنحاء العالم باتوا يستعدون لتجاوز الدور التقليدي للولايات المتحدة في المحادثات المناخية، إذ يعملون على تطوير استراتيجيات بديلة لضمان استمرار الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ، حتى في ظل وجود إدارة أميركية قد تكون معارضة لهذه الجهود.
ولطالما كان ترمب واضحاً في أنه يخطط لقيادة انسحاب آخر للولايات المتحدة من دبلوماسية المناخ العالمية، حال فوزه بولاية ثانية، متعهداً بالتخلي مرة أخرى عن “اتفاق باريس” التاريخي للمناخ، الذي يصفه بأنه”غير عادل بشكل مروع”.
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن وقع، في يناير 2021، أمراً تنفيذياً يقضي بعودة الولايات المتحدة إلى اتفاق باريس للمناخ، في نقض لقرار ترمب بالانسحاب منه في العام 2017.
ومع بقاء أيام قليلة فقط على بدء قمة المناخ العالمية التي تستضيفها أذربيجان، بعد أيام من ظهور نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية، فإن أصحاب المصلحة “القلقين” يعملون على تأمين قنوات جديدة للدبلوماسية المناخية التي تربط الولايات المتحدة بمؤسسات أخرى، لكنها لا تمر بالضرورة عبر واشنطن العاصمة.
وحذرت “بلومبرغ” من أن انسحاب واشنطن من دبلوماسية المناخ سيؤدي إلى العديد من العواقب، ما سيغير حتماً من طبيعة مفاوضات المناخ السنوية التي تعقدها الأمم المتحدة، كما أن انسحاب ثاني أكبر مصدر للغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي سيوفر غطاءً سياسياً للدول المتخلفة عن الركب لتعطيل أي تحرك جديد في مجال المناخ، فضلاً عن أنه قد يفتح المجال للصين، التي توصف بأنها أكبر ملوث للبيئة في العالم، لتعزيز قيادتها في هذا المجال.
قمة COP 29 واستعدادات لأزمات مناخية
بحسب “بلومبرغ”، بدأ علماء البيئة والمسؤولون الحكوميون والدبلوماسيون السابقون في الاستعداد بالفعل لهذه الاحتمالية وابتكار طرق جديدة لتحصين التعاون العالمي بشأن تغير المناخ ضد أي جهود محتملة من جانب ترمب.
وإثر ذلك، جرت سلسلة من المحادثات ومحاكاة للأزمات في جميع أنحاء العالم، وصفها أشخاص مطلعون بأنها كانت مدفوعة برغبة في إحراز تقدم كبير بمجال المناخ، حتى حال وجود رئيس أميركي “عدائي”.
كما التقى مسؤولون من ولايتي ماريلاند وكاليفورنيا مع نظرائهم الصينيين، لمناقشة استمرار التعاون في مجال المناخ، لكن ليس على المستوى الوطني، ما يسمح لحكومات الولايات والحكومات المحلية بتعويض أي نقص.
حتى أن بعض مفاوضي المناخ أجروا محاكاة استعداداً لعودة ترمب المحتملة، ووضعوا استراتيجيات لكيفية تأثير ذلك على محادثات COP 29 التي ستعقد في أذربيجان في الفترة من 11 إلى 22 من نوفمبر الجاري.
كما أجرى النشطاء، الأسبوع الماضي، محاكاة للاتصالات في حالات الأزمات لضمان استعدادهم لفوز الرئيس السابق المحتمل في الانتخابات وتأثيره على محادثات المناخ.
وقالت “بلومبرغ” إن بعض ممثلي الولايات كانوا مشاركين بالعديد من الاجتماعات التي عُقدت في بكين، في سبتمبر، بينما انخرط كبير المفاوضين الأميركيين في مجال المناخ، جون بوديستا، في محادثات مع نظيره الصيني، كما يستعد المسؤولون لاستخدام أفكار بديلة لمواصلة السعي إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة، في إعادة لتلك الاستراتيجية التي تم تبنيها في عام 2017، عندما توقف ترمب آنذاك عن استضافة منتدى كان يجمع قادة الاقتصادات الكبرى لمناقشة الطاقة والمناخ، ورداً على ذلك، أطلقت هذه الدول اجتماعاً سنوياً منفصلاً يستمر حتى اليوم.
ونقلت “بلومبرغ” عن جيك شميت، وهو مستشار لمجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية، قوله: “هذه المناقشات تعد مثالاً على أن قادة العالم تعلموا الدرس من تجربتهم الأولى مع ترمب، فالدول الأخرى التي تعمل بجد بشأن قضية المناخ لن تسمح بأن تتعرض للأذى مرة أخرى من قبل إدارة تعمل نيابةً عن مصالح الوقود الأحفوري”.
وذكرت “بلومبرغ” أن هذه الاستعدادات تهدف إلى المساعدة في تجنب تكرار الصدمة التي أصابت المفاوضين في عام 2016، عندما وصلت أنباء فوز ترمب في الانتخابات إلى محادثات المناخ الجارية للأمم المتحدة في المغرب، إذ يتذكر أحد المراقبين في مؤتمر الأطراف في ذلك الوقت أن العديد من المشاركين فوجئوا بخبر فوزه، قائلاً: “لا أحد يريد أن يكون في ذلك الموقف مرة أخرى”، ولذلك قام بعض المشاركين في القمة بمراجعة السيناريوهات والاستعداد في حالة تكرار التاريخ نفسه.
وتشجع إدارة ترمب المحتملة على الانسحاب من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ و”اتفاق باريس”، زاعمة أن مثل هذه المعاهدات “تُضعف الاقتصاد الأميركي دون تحقيق أي فوائد مجتمعية”.
وقال مطلعون على الأمر إن مؤيدي هذا النهج صاغوا لغة يمكن إدراجها في أمر تنفيذي لبدء التغيير في حال فوز ترمب.
الانسحاب ليس سهلاً
ورأت “بلومبرغ” أن من السهل نسبياً على رئيس الولايات المتحدة الانسحاب من “اتفاق باريس”، الذي يعد اتفاقية تنفيذية تعتمد على السلطة القانونية الأميركية القائمة، وليست معاهدة جديدة.
ويرى أستاذ الحقوق في كلية بوسطن والمستشار السابق بوزارة الخارجية الأميركية ديفيد ويرث أنه “يمكن إنهاء اتفاق باريس بشكل أحادي من قبل الرئيس دون التعرض لأي تساؤلات دستورية”.
ويزعم المحافظون أن الانسحاب من الاتفاقية مرة أخرى يعد أمراً ضرورياً، إذ قال مايرون إيبيل، وهو رئيس مجموعة مجلس الأراضي الأميركية، والذي لطالما شكك في الإجماع العلمي حول مساهمة البشرية في تغير المناخ: “هذه الاتفاقية تشكل عبئاً كبيراً على الاقتصاد الأميركي، ومن خلال المشاركة فيها، تعطي الولايات المتحدة مصداقية لمؤسسة لا تلتزم معظم البلدان بأهدافها”.
ووفق “بلومبرغ”، سيؤدي الانسحاب من هذه الاتفاقيات إلى تخلي الولايات المتحدة عن اثنين من أكبر التزاماتها المناخية، إذ ستصبح غير ملزمة بتقديم المساهمات المحددة وطنياً، وهي خطط العمل المناخية لخفض الانبعاثات والتكيف مع تأثيرات تغير المناخ.
كما ستتخلى الولايات المتحدة عن مسؤوليتها الحالية في جمع مليارات الدولارات لمساعدة الدول النامية على مواجهة أزمة تغير المناخ، وقد يجعل هذا الاحتمال من الصعب على المفاوضين التوصل إلى اتفاق بشأن أي تعهد جديد للتمويل المناخي، وهي المهمة الرئيسية التي تواجههم في مؤتمر المناخ COP29.
لكن “بلومبرغ” قالت إن الخروج من الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة “لن يكون بهذه السهولة”، ناقلة عن هارولد كوه، الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة ييل والمستشار القانوني السابق لوزارة الخارجية الأميركية، قوله إنه “إذا اتخذ ترمب الخطوة الأكثر تطرفاً بالانسحاب من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، ستكون هذه الخطوة محل نزاع قانوني في اللحظة التي يتخذها فيها، وسيستمر الجدل بشأنها لبضع سنوات”، مشيراً إلى أن دستور الولايات المتحدة ينُص على أنه “يجب على الرئيس إبرام المعاهدات، لكنه لا يحدد مَن يمكنه إلغاءها”.
وفي حين أن أي انسحاب أميركي آخر سيؤدي حتماً إلى تغيير شكل محادثات المناخ، فإن المفاوضين المخضرمين يقولون إنه لن يُنهي هذه المحادثات، إذ سيظل بإمكان الولايات المتحدة المشاركة كمراقب في العملية، وليس طرفاً فيها، حيث يمكن للقادة البارزين، من المشرعين إلى المحافظين ورؤساء البلديات، استخدام دور المراقب لدفع العمل في المفاوضات السنوية بشأن المناخ.
ويتوقع جوناثان بيرشينج، وهو مفاوض أميركي مخضرم في مجال المناخ ويشغل الآن منصب مدير برنامج البيئة في مؤسسة “ويليام وفلورا هيوليت”، أن تتباطأ وتيرة وحجم العمل في قضية المناخ، حال فوز ترمب، وذلك بالنظر إلى الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في دفع الطموح.
وأضاف: “من غير المرجح أن تحذو الكثير من الدول حذو الولايات المتحدة”، فبعد إعلان ترمب في عام 2017، لم تحذو دول أخرى حذوه، وذلك رغم أن اتفاقية باريس كانت في ذلك الوقت في وضع أكثر هشاشة.