تسعى حكومة لبنان الجديدة إلى تعزيز سيادة البلاد وحمايتها من التهديدات الإسرائيلية، من خلال مناقشة “استراتيجية دفاعية شاملة” على المستويات العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية، تشمل تحديث قدرات الجيش والالتزام بالقرارات الدولية مثل القرار 1701، وتطبيق خطط إبعاد القوات الإسرائيلية، واسترجاع الأراضي التي تسيطر عليها.
ويتزامن هذا الأمر مع دعوات لتعزيز التعاون بين مختلف القوى السياسية والأمنية في لبنان، من أجل تحقيق الاستقرار ومنع التصعيد الداخلي، وسط تحديات سياسية وعسكرية معقدة.
وتعهد رئيس الجمهورية جوزاف عون، أثناء خطاب القسم، بـ”الاستثمار في الجيش لضبط الحدود وتثبيتها جنوباً وترسيمها شرقاً وشمالاً ومحاربة الإرهاب”، و”تطبيق القرارات الدولية”، و”منع الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان”.
وأضاف عون: “سنناقش استراتيجية دفاعية كاملة على المستويات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية، بما يمكن الدولة اللبنانية من إزالة الاحتلال الإسرائيلي وردع عدوانه”.
كما شددت الحكومة اللبنانية الجديدة، على “اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي، وبسط سيادتها على أراضيها بواسطة قواها الذاتية، ونشر الجيش اللبناني في مناطق الحدود المعترف بها دولياً”.
ودعت الحكومة إلى مشاورات سياسة دفاعية متكاملة، كجزء من استراتيجية أمن وطني على المستويات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية، وهو المصطلح الذي استخدم بدلاً من “الاستراتيجية الدفاعية”.
نزع سلاح كافة التنظيمات
وأشارت عضوة الكتلة “الجمهورية القوية” النائبة البرلمانية، غادة أيوب، إلى أن رئيس الجمهورية، شدد في خطاب القسم على “احتكار الدولة للسلاح، وبسط السيادة على كافة الأراضي اللبنانية”.
وقالت في تصريحات لـ”الشرق”: “بمجرد استناد الخطاب على اتفاق الطائف، وكافة القرارات الدولية، وخصوصاً القرار 1701، جرى حصر عملية السلاح بيد الدولة، وفُرض على الحكومة نزع السلاح من كافة التنظيمات اللبنانية وغير اللبنانية”.
وأضافت: “البيان الوزاري يجب أن يكون انعكاساً للقرارات الدولية، التي وافقت عليها الحكومة السابقة، ويوجد فيها ممثلون عن (حزب الله)، وبالتالي التوجه نحو سياسة أمن وطني يندرج تحتها العمليات الأخرى، تحددها الدولة بقواها الشرعية، وليس التنظيمات التي تكون مشاركة بقرار الحرب والسلم”.
وبشأن نزع السلاح من “حزب الله”، قالت أيوب إنه “بناء على القرار الدولي 1701 والترتيبات التي رافقته، فيتوجب على الحكومة وضع جدول زمني لتفكيك كافة ترسانته العسكرية، وقطع طرق الإمداد سواء عبر سوريا أو غيرها، إذ نلاحظ أن هناك صعوبة في تمويله أو إرسال الأسلحة من الخارج، كون سوريا أغلقت الحدود، إلا أن هناك بعض المعابر غير الشرعية”.
وأضافت: “بمجرد أن تنال الحكومة الثقة، يجب عليها الاهتمام بموضوع السلاح؛ لأنه دون استعادة السيادة وقرار الحرب والسلم، لن يكون لدينا إصلاح ولا إعادة إعمار”.
موقف “حزب الله”
بدوره، اعتبر المحلل السياسي قاسم قصير، المقرب من جماعة “حزب الله” اللبنانية، أن هناك معلومات تشير إلى اتجاه رئيس الجمهورية، للدعوة إلى حوار وطني، بعد أن تنال الحكومة الثقة، الأسبوع المقبل، مشيراً إلى أن أحد موضوعات الحوار سيكون “الاستراتيجية الدفاعية”.
وقال قصير في تصريحات لـ”الشرق”، إنه بحسب المعطيات، فإن “حزب الله مستعد للمشاركة في أي حوار وطني حول الاستراتيجية الدفاعية”.
وأضاف: “أي استراتيجية دفاعية يجب أن تأخذ في الاعتبار استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية، واستمرار التهديدات الإسرائيلية”.
وتابع في تصريحاته لـ”الشرق”: “هذه الاستراتيجية يجب أن توضح كيفية مواجهة كل ما سبق، في ظل التخوف من قيام العدو الإسرائيلي بتهجير المزيد من الفلسطينيين، وكذلك ما يجري في سوريا من تطورات”.
التوصيف القانوني
واعتبر أستاذ القانون الدستوري طارق ملاعب، أنه “يجب التمسك باتفاق الهدنة الموقع في عام 1949، واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلة”، مشدداً على ضرورة تثبيت الحدود الدولية البرية للبنان، وفقاً للقرار 1701 في جنوب لبنان، وفي مرحلة لاحقة مع سوريا.
وأشار ملاعب في تصريحات لـ”الشرق”، إلى أنه وفقاً للقانون، فإن “المجلس الأعلى للدفاع الذي يضم رئيسي الجمهورية والحكومة ووزراء الدفاع والاقتصاد والداخلية والمالية، تتبع له المديرية العامة لأمن الدولة، التي تتولى جمع المعلومات المتعلقة بأمن الدولة الداخلي، بواسطة شبكات خاصة بها تغطي الأراضي اللبنانية، واستقصاء المعلومات الخارجية من الأجهزة القائمة”.
وأضاف: “بحال وضع استراتيجية دفاعية، من الواجب القانوني، إشراك هذه الجهات السياسية والأمنية، كونها تملك المعطيات الفعلية، التي تضاف إلى رؤى الأحزاب والكتل النيابية، حتى لا تكون الاستراتيجية قائمة على حسابات سياسية، ضمن الصراع بين الفرقاء، بينما المطلوب واقعية قانونية وعسكرية لصياغتها”.
وشدد على أن مسار نجاح الاستراتيجية العسكرية يحتم “ضرورة إلزام إسرائيل بتطبيق القرار 1701 بشكل كامل، بما يتضمن نشر الجيش اللبناني في مناطق الحدود، وتعزيز دور قوات الأمم المتحدة في الجنوب، على أهمية تنفيذ المراجعة الاستراتيجية للجيش اللبناني بالتعاون مع الأمم المتحدة، وتزويد الجيش بالمعدات الحديثة، وإنشاء مركز تدريب، وتعزيز الدبلوماسية اللبنانية في المنظمات الدولية لحماية السيادة واسترجاع الأراضي المحتلة”.
كما أكد ضرورة إقرار قانون لتسليح الجيش وتدريبه وتخصيص الموارد اللازمة له، مضيفاً “فيما يتعلق بسلاح حزب الله، يجب التوافق على آليات لاستخدام سلاحه ضمن إطار الجيش، الذي يتولى حصراً مهمة الدفاع عن البلاد بعد التحرير”.
وشدد مصدر عسكري لبناني في تصريحات لـ”الشرق”، على أن كل حديث أو محاولة لوضع القوات العسكرية في مواجهة “حزب الله” لنزع سلاحه بالقوة “لن تسير بها القيادات الأمنية لإدراكها أنها ستؤدي إلى اقتتال داخلي”.
وقال المصدر، إن “الاستراتيجية العسكرية الدفاعية يجب أن تأخذ في الحسبان الفرق بين إمكانيات الجيشين اللبناني والإسرائيلي”، مشيراً إلى أن الجيش الإسرائيلي “يتمتع بتقدم تكنولوجي، وتقني يفوق ما نمتلكه، إضافة إلى أن عدد جنوده يزيد على 150 ألفاً، بينما عدد الجنود اللبنانيين النظاميين في الميدان لا يتجاوز 60 ألفاً من أصل حوالي 130 ألفاً بينهم موظفون في المكاتب والاحتياط”.
وتابع: “الجيش اللبناني يواجه نقصاً حاداً في تحديث أسلحته، إذ يعتمد على معدات قديمة، خاصة في الدفاع الجوي والقوات البحرية، فهناك صعوبة في الحصول على أنظمة دفاع جوي بسبب اعتراضات إسرائيل، في حين أن القوات البحرية غير قادرة على تأمين سوى 5% من الشواطئ اللبنانية، كما أن القوات البرية بحاجة إلى مدرعات تناسب التضاريس الجغرافية، وخاصة أن معظم حدودنا جبلية ووعرة في طرقاتها”.
عقبات دمج “حزب الله” في الجيش
وأشار المصدر العسكري، إلى أنه جرى في السابق طرح دمج الجناح العسكري لجماعة “حزب الله” تحت قيادة الجيش، ليكون فصيلاً يضاف إلى باقي الفرق، لكن هذا الطرح يواجه عقبات.
ولفت إلى أن العقبات تتمثل في “الخوف من أن يحدث انقساماً في المستقبل، كون هذه المجموعة ستبقى تابعة سياسياً للحزب، دون أن ننسى أن لها ارتباط إقليمي مع إيران، إضافة إلى أن أحد أهم الجهات المانحة للجيش اللبناني هي أميركا، فكيف ستقبل الأطراف بهذه الصيغة؟”.
واعتبر المصدر العسكري أن “المعطيات السياسية والعسكرية اختلفت عن جلسات الحوار السابقة التي انعقدت قبل سنوات في عهد الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان، وقال “المحور الإيراني تراجع بشكل كبير، وخطوط الإمداد لحزب الله من سوريا أصبحت مغلقة نتيجة سقوط النظام السابق”.
وأضاف: “في لبنان، عانى الحزب من خسائر على مستوى القيادات، وظهر أن الانكشاف الأمني كبير لصالح إسرائيل”.
وأردف قائلاً “هذه المعطيات تدفع كافة الأطراف إلى وضع استراتيجية دفاعية كون مصلحة الجميع حماية المؤسسة العسكرية التي تشكل مصدر ثقة بين اللبنانيين ومع المجتمع الدولي”.
وكان المجلس الأوروبي أعلن الشهر الماضي، تقديم حزمة مساعدات بقيمة 60 مليون يورو، في إطار آلية السلام الأوروبية، بهدف تعزيز قدرات الجيش اللبناني.
كما أعلنت الولايات المتحدة في 18 يناير الماضي، تقديم مساعدات أمنية موسعة للجيش اللبناني، وقوى الأمن الداخلي بأكثر من 117 مليون دولار، وذلك في إطار دعم سيادة لبنان على أراضيه، وتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 1701.