أثارت المساعي الأخيرة للرئيس الأميركي دونالد ترمب لإنهاء الحرب في أوكرانيا، مخاوف حلفاء كييف وواشنطن على حدّ سواء، فخطة السلام التي عرضها ترمب تتضمن “تنازلات كبيرة” لصالح موسكو، بما فيها التخلي عن الأراضي التي استولت عليها روسيا، واستبعاد انضمام كييف إلى حلف الشمال الأطلسي (الناتو).
وذكرت مجلة “بوليتيكو” الأميركية، أن خطة السلام، التي وضعها ترمب كانت “مفاجئة” وتركت حلفاء أوكرانيا في حالة صدمة، إذ تنهي فعلياً دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا في مقاومتها للغزو الروسي، بعد إعلان ترمب عن مفاوضات فورية مع الرئيس فلاديمير بوتين، وطلبه من زعيم أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي التخلي عن الأمل في استعادة كل الأراضي التي استولت عليها روسيا.
وكان وزير الدفاع الأميركي بيت هيجسيث أول من كشف عن الموقف الأميركي الجديد، في اجتماع عقد الأربعاء، في مقر حلف شمال الأطلسي (الناتو) في بروكسل.
وأبلغ هيجسيث نظراءه المجتمعين في العاصمة البلجيكية أن زيلينسكي، لا يملك أي فرصة لتحقيق هدفه المتمثل في طرد القوات الروسية من شبه جزيرة القرم وشرق البلاد، وإعادة أوكرانيا إلى حدودها قبل عام 2014.
وقال هيجسيث: “إن ملاحقة هذا الهدف غير الواقعي، لن تؤدي إلا إلى إطالة أمد الحرب والتسبب في المزيد من المعاناة”.
كما حذّر من أن أميركا ستتراجع عن التزاماتها تجاه الأمن الأوروبي، وتتخلى عن الدور التاريخي الذي لعبته منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وتضع رؤية واضحة تتحمل فيها الحكومات الأوروبية المسؤولية الأساسية عن دفاعها عن نفسها، وكذلك عن أوكرانيا.
وذكرت “بوليتيكو” أنه بعد فترة وجيزة من هذه التصريحات، كشف ترمب عن إجرائه مكالمة هاتفية “طويلة ومثمرة للغاية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين”.
وقال ترمب على منصته Truth Social، إنه اتفق مع نظيره الروسي على “وقف ملايين الوفيات التي تحدث في الحرب مع الروسية-الأوكرانية”، والعمل معاً “عن كثب”، بما يشمل تبادل زيارات البلدين.
وتابع: “لقد اتفقنا أيضاً على أن تبدأ فرقنا المعنية المفاوضات على الفور، وسنبدأ بالاتصال بالرئيس (الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي، لإبلاغه بالمحادثة، وهو ما سأفعله الآن”.
وتوقع ترمب أن يتبادل هو وبوتين الزيارات، مضيفاً: “سنلتقي في نهاية المطاف، من المتوقع أن يكون أول لقاء في السعودية” التي اعتبرها “مكاناً جيداً لعقده”.
وأوضح أن الموعد لم يتم تحديده بعد، ولكنه توقع أن يكون “في المستقبل القريب”.
أنجزوا الأمر
وبعد ساعات، رد الرئيس الأوكراني على إعلان ترمب، وقال “شارك الرئيس ترمب معي تفاصيل محادثته مع بوتين. لا أحد يريد السلام أكثر من أوكرانيا. بالتعاون مع الولايات المتحدة، نخطط لخطواتنا التالية لوقف العدوان الروسي وضمان سلام دائم وموثوق. وكما قال الرئيس ترمب، فلننجز الأمر”.
وأشارت “بوليتيكو” إلى أن الدبلوماسيين الأوروبيين، بدوا غير متأكدين من كيفية الرد، وهم يحاولون معالجة تفاصيل إعلانات هيجسيث وترمب، مضيفة أن العلاقات مع البيت الأبيض الجديد سيئة للغاية؛ لدرجة أنها غير موجودة تقريباً.
ولم يصدر تعليق فوري من رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين على إعلان ترمب، فيما نشرت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، في وقت لاحق على “إكس” أن “أوروبا يجب أن يكون لها دور مركزي في أي مفاوضات”، مضيفة: “استقلال أوكرانيا وسلامة أراضيها غير مشروطة. يجب أن تكون أولويتنا الآن تعزيز أوكرانيا وتوفير ضمانات أمنية قوية”.
كما قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك للصحافيين: “لقد أكدنا دائماً أنه… لن يتم اتخاذ قرار بشأن أوكرانيا بدون أوكرانيا، وأنه لا يمكن تحقيق السلام إلا معاً. وهذا يعني: مع أوكرانيا ومع الأوروبيين”.
عضوية الناتو
وفي حديثها إلى “بوليتيكو”، قالت وزيرة خارجية لاتفيا بايبا برازي: “إن وجود أوكرانيا في أي محادثات سلام مهمة للغاية”.
بدوره، قال وزير خارجية بولندا رادوسلاف سيكورسكي إن أوكرانيا بحاجة إلى مزيد من الدعم العسكري قبل بدء المحادثات مع بوتين. وتابع: “ستسعى بولندا من دون تردد إلى تكثيف الدعم العسكري لأوكرانيا، لأن تعزيز قدرات أوكرانيا قبل المناقشات المحتملة مع روسيا أمر بالغ الأهمية لقارتنا”.
وكانت فرنسا على خلاف مع الموقف الأميركي أيضاً، حيث أصرت على أن تظل أوكرانيا على مسار الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. وفي وقت سابق، استبعد هيجسيث ذلك فعلياً، على الأقل كجزء من أي ضمانة أمنية تصاحب اتفاق السلام. كما استبعد مشاركة القوات الأميركية في أي مهمة لحفظ السلام، وقال إن حلف شمال الأطلسي كمنظمة لا ينبغي أن يشارك.
وقال جان نويل بارو، وزير الخارجية الفرنسي: “نحن متمسكون بشدة بانضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي. وإذا كان هناك سلام، فنحن بحاجة إلى ضمانات أمنية، حتى يكون عادلاً ودائماً”. وأضاف: “إن الأمن الأوروبي هو على المحك مع هذه الحرب العدوانية، التي أزعجت النظام العالمي”.
وفي إعلانه، قال ترمب إن فريقا سيبدأ على الفور في الحديث مع ممثلي بوتين. ويضم الفريق التفاوضي الأميركي كل من وزير الخارجية ماركو روبيو، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية جون راتكليف، ومستشار الأمن القومي مايكل والتز، والمبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف.
وقال ترمب: “أعتقد أن هذا الجهد سيؤدي إلى نتيجة ناجحة، ونأمل أن يكون ذلك قريباً!”.
واعتبر أوليكساندر ميريزكو، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الأوكراني، أن تعليقات هيجسيث “غير منطقية”.
وأضاف ميريزكو: “يجب على وزير الدفاع الأميركي الجديد أن يسافر إلى أوكرانيا، ويتعرف على القوات المسلحة الأوكرانية”.
وتابع قائلاً: “يمكن لأوكرانيا إعادة جميع أراضيها، هذا حقيقي تماماً. ولكن لكي يحدث هذا، هناك حاجة إلى المزيد من المساعدة العسكرية الفنية من الولايات المتحدة وعقوبات أقوى، وخاصة العقوبات المالية الأميركية ضد الاقتصاد الروسي”.
وقال مسؤولون بريطانيون إنهم يتفقون على أن أوروبا يجب أن تفعل المزيد. وقال وزير الدفاع البريطاني جون هيلي رداً على تعليقات هيجسيث: “نحن نسمعك. فيما يتعلق بتعزيز الجهود من أجل أوكرانيا، فإننا سنفعل ذلك. وفي ما يتعلق بتعزيز الجهود من أجل الأمن الأوروبي، فإننا سنفعل ذلك”.