بعدما طرح رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان وحكومته “خارطة طريق” لمرحلة ما بعد الحرب، بدأت التساؤلات بشأن قدرة هذه الخطة على استئناف العملية السياسية وتذليل العقبات أمام وقف الحرب المستمرة منذ 15 أبريل 2023، والوصول بالبلاد إلى مرحلة انتقالية، تتوج بإجراء تعديلات دستورية وانتخابات عامة.
تضمنت خطة البرهان إطلاق حوار وطني شامل ومشاورات موسعة مع كافة القوى السياسية والمجتمعية، وتشكيل حكومة من الكفاءات الوطنية المستقلة لاستئناف مهام الفترة الانتقالية، وإعانة الدولة على تجاوز تبعات الحرب، وإجراء التعديلات اللازمة في الوثيقة الدستورية، وإجازتها من القوى الوطنية والمجتمعية، ومن ثم اختيار رئيس وزراء مدني.
القوى السياسية في بورتسودان، عقدت اجتماعات عدة، خلال اليومين الماضيين، لبحث خطة البرهان لمرحلة ما بعد الحرب.
وقال الأمين السياسي للحزب الاتحادي الديمقراطي، معتز الفحل، إن موقف البرهان “كان واضحاً من محاولة سرقة مجهود السودانيين لصالح قوى بعينها”.
وأضاف الفحل لـ”الشرق”: “أرى أن ترحيبه بأن يكون كل السودانيين جزءاً من أي تحوّل سياسي في البلاد إيجابي، ويعبر عن وعي وإدراك بكل الطموحات وآمال السودانيين، وبإمكان القوى السياسية أن تتحد وتتفق، وتعمل معاً، خاصة بعدما أفرزته الحرب”.
وقال رئيس الحراك الوطني في إقليم دارفور، التيجاني السيسي، إن الحراك شارك في العمل على خارطة الطريق.
وأضاف لـ”الشرق”: “كل ما يحدث الآن هو نتيجة الاستقطاب الذي صاحب الحركة السياسية بعد الثورة (الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير)، لكن أعتقد أنه يجب علينا إذا أردنا أن يكون هناك سودان مستقر آمن، النأي بأنفسنا عن هذه الاستقطابات، وأن نؤمن بشعار واحد أن هذا الوطن يسع الجميع”.
في المقابل، اعتبرت قوى سياسية أخرى أن رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان “يطمع في الحكم”، واتهم المتحدث الرسمي باسم تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية “تقدم”، بكري الجاك، البرهان، بأنه “يسعى للسلطة”.
كما اتهم المتحدث باسم تنسيقية “تقدم” التي يرأسها رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، البرهان، بـ”الفشل السياسي والانقلاب على حكومة الثورة، وإدخال البلاد في حرب دمرتها وشردت العباد”، بحسب تعبيره، وطالبه بـ”التعهّد بإيقاف الحرب وإجراء مصالحة وطنية شاملة تنهي الاحتقان العرقي والقبلي للتمهيد لمشروع تعاف اجتماعي”.
إشكالية الإسلاميين
خارطة الطريق التي أعلنها البرهان، استثنت الإسلاميين، وقال إنه “لا يمكن لهم العودة مجدداً إلى الحكم”.
وعلق الأمين السياسي لحركة المستقبل للإصلاح والتنمية والمنتمي للتيار الإسلامي، هشام الشواني، على تلك التصريحات بقوله إن “مسألة الإسلاميين، إشكالية متوهمة ومضخمة.. هل هناك مشكلة أخرى تسمى العلمانيين أو الليبراليين؟”.
واعتبر الشواني، في تصريحات لـ”الشرق”، أن هذه الرؤية للإسلاميين تُمثل “دعاية سلبية تقف خلفها وسائل إعلام خارجية”، مشدداً على ضرورة الحوار السياسي بين جميع التيارات الوطنية، بما في ذلك الإسلاميين، وغيرهم، أما “منهج تمييز البعض فهو مناقض للواقع”.
ورأى أن “الفترة الانتقالية شأن سياسي يجب أن نعيد التفكير فيه، ونتجاوز الأخطاء الكارثية التي وقعت في الفترة السابقة وقادت للحرب”، مطالباً بإجراء الحوار السياسي داخل السودان بهدف تحقيق التوافق الوطني العام على ثوابت تقود للاستقرار في البلاد.
شراكة جديدة وطريق شائك
فريق آخر يرى أن الأوضاع في السودان تتجه نحو شراكة، لكنها مختلفة عن السابق، وفق رئيس تحرير صحيفة التيار السودانية، عثمان ميرغني، الذي يرى أن البرهان “يحظى في الوضع الجديد بسلطة حقيقية مرجعية، وليست رمزية كما كانت تنص عليه الوثيقة الدستورية السابقة”.
وأضاف في تصريحات لـ “الشرق”: “يساعد على ذلك أن غالبية القوى السياسية متلهفة للحكم دون اعتداد بالمهام والتفويض ومساحة القرار المتاح لها، ومع ذلك، ثمة عوامل تساعد وأخرى ربما تعيق تحقيق حكم قابض يحتكر القرار باسم المؤسسة العسكرية”.
وأضاف ميرغني، أن العوامل المساعدة، تتمثل في “انتصارات الجيش الميدانية والالتفاف الجماهيري الكبير حوله، ما يعني تفويضاً غير مباشر للمضي قدماً في حكم البلاد عسكرياً، أو بتنازل طفيف في السلطة لمجموعات حزبية ضعيفة، أما العوامل المعيقة للانفراد بالحكم، فهي التيار الإسلامي الذي حظي أيضاً بشعبية ناتجة عن مشاركته في العمل العسكري بصورة واضحة ومؤثرة”.
و”بموجب القوة السياسية والتنظيمية لهذا التيار، ربما يضغط لإنتاج شراكة له فيها وجود مؤثر في القرار القومي”، بحسب ميرغني.
أستاذة القانون الدولي، زحل الأمين، ترى أن أي تعديل على الوثيقة الدستورية لصالح خارطة البرهان “ربما يكون شائكاً”، لأن الوثيقة وتعديلها اعتمد على مكونين رئيسيين هما الجيش والمكون المدني، ممثلاً في قوى إعلان الحرية والتغيير “تقدم” الآن.
وقالت الأمين، إن “أي تقدم في هذا الملف ربما يتسبب في انقسام القوى المدنية السياسية”، داعيةً إلى ضرورة التروي وانتظار أن تتسع دعوة البرهان للمزيد من القوى السياسية وإحداث توازن معقول.