أكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون استعداد بلاده للاعتراف بإسرائيل في “نفس اليوم الذي تكون هناك دولة فلسطينية”، لافتاً إلى أنه “لا يوجد أي مشكل للجزائر مع إسرائيل”.
وقال تبون في مقابلة مع صحيفة “لوبينيون” الفرنسية، رداً على سؤال بشأن إمكانية اعتراف الجزائر بإسرائيل في المستقبل: “بكل تأكيد، في نفس اليوم الذي تكون فيه دولة فلسطينية”.
وأضاف تبون: “هذا يسير في اتجاه التاريخ، لقد أوضح الرئيسان السابقان الشاذلي بن جديد وعبد العزيز بوتفليقة، أنه ليس لدينا أي مشكلة مع إسرائيل، همنا الوحيد هو إقامة الدولة الفلسطينية”.
ولا تقيم الجزائر علاقات مع إسرائيل، كما أن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أعلن في 15 نوفمبر 1988، من الجزائر العاصمة، وثيقة إعلان قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس.
“التواصل السياسي متوقف مع فرنسا”
وتحدث تبون مطولاً عن العلاقات الجزائرية الفرنسية، التي تمر بأحد “أخطر أزماتها”، منذ استقلال الجزائر في 1962.
وقال تبون إن التواصل السياسي بين البلدين “متوقف تماماً” باستثناء “التبادل التجاري”، مشيراً إلى “التصريحات العدائية التي نسمعها يومياً من سياسيين فرنسيين، مثل تصريحات النائب البرلماني عن مدينة نيس إريك سيوتي (رئيس حزب الجمهوريين) الذي يصف الجزائر بالدولة المارقة، أو الشاب من التجمع الوطني (رئيس الحزب جوردان بارديلا) الذي يتحدث عن نظام معادي واستفزازي”.
وتحدث تبون أيضاً عن المؤثر “دوالمن”، الذي تسبب ترحيله الفاشل إلى الجزائر في 9 يناير الماضي، في تفاقم الأزمة بين البلدين.
وقال تبون إنه “لا يريد فرض الجزائريين الموجودين في وضع غير قانوني على فرنسا”. وأضاف: “قدّمنا نحو 1800 تصريح قنصلي (لترحيل جزائريين) العام الماضي، ولكن يجب احترام الإجراءات القانونية”، متهماً وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتيلو بأنه “كان يريد تحقيق هدف سياسي من خلال عملية ترحيل هذا المؤثر”، وذكّر بأن المحاكم الفرنسية ألغت قرار ترحيله الطارئ.
واعتبر تبون أن “كل شيء يأتي من روتايو مشكوك فيه، بالنظر إلى تصريحاته العدائية والمثيرة للفتنة تجاه بلادنا”.
وأوضح تبون أن التعاون بين أجهزة الأمن الجزائرية، والأجهزة التابعة لوزارة الداخلية الفرنسية، “وصل إلى طريق مسدود”.
وقال: “لذلك لم يعد هناك أي تعاون، على عكس جهاز الأمن الخارجي الفرنسي، الذي نجح في الحفاظ على مسافة بينها وبينهم”. ويتبع جهاز الأمن الخارجي الفرنسي (DGSE) إلى وزارة الدفاع الفرنسية.
اتفاقية 1968 للهجرة
واعتبر تبون أن فرنسا “تمنح الجنسية أو حق اللجوء لشخصيات (جزائرية) ارتكبت جرائم اقتصادية أو تقوم بأعمال تخريبية من على الأراضي الفرنسية”، ودعا باريس إلى “الموافقة على طلبات التسليم التي تقدمت بها الجزائر، على غرار ما قامت به إسبانيا وألمانيا وإيطاليا”.
وذكر تبون أن “مواجهة الجزائر لن تجدي نفعاً”، لافتاً إلى أن وزير الداخلية السابق جيرالد دارمانان (وزير العدل الحالي)، سعى إلى نفس السياسة التي ينتهجها روتايو حالياً في بداياته، قبل أن “يأتي إلى الجزائر العاصمة”.
واعتبر تبون أن عدد الجزائريين الذين يدخول إلى فرنسا بطريقة غير شرعية “قليل”، مشيراً إلى أن “أغلب الجزائريين يصلون إلى فرنسا بتأشيرات للدراسة أو العمل كأطباء أو محامين أو مهندسين، دون أن يسبب ذلك أي مشاكل للسلطات”.
وبالنسبة للذين يطالبون في فرنسا بإلغاء اتفاقية 1968، التي تمنح الجزائريين بعض امتيازات الهجرة والإقامة في فرنسا، اعتبر تبون أن الكرة لدى باريس، وقال: “بالنسبة لي إنها مسألة مبدأ، لا أستطيع السير مع الأهواء، لماذا إلغاء هذا النص الذي تم تعديله في الأعوام 1985 و1994 و2001؟”.
وجدّد تبون موقفه من الاتفاقية، التي اعتبرها بمثابة “قوقعة فارغة” تسمح “بحشد كل المتطرفين كما في زمن بيير بوجاد”، السياسي الفرنسي الذي كان يقود موقفاً ضد استقلال الجزائر.
“التلويح بالقوة لن يجدي نفعاً”
وهاجم الرئيس الجزائري اليمين المتطرف الفرنسي، مستغرباً من أنه “يطمح يوماً ما لقيادة فرنسا”، مضيفاً: “شخصياً أنا أميز بين أغلبية الشعب الفرنسي والأقلية الرجعية، ولن أشتم بلدكم أبداً”.
وتحدث تبون أيضاً عن تهديدات مارين لوبان، زعيمة “التجمع الوطني” اليميني المتطرف، والتي أكدت أنها إذا انتخبت رئيسة لفرنسا، ستفعل مع الجزائر ما فعله الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع كولومبيا، لإجبارها على استعادة مهاجريها غير الشرعيين.
وقال تبون: “إنهم أميون، قادة التجمع الوطني لا يعرفون إلا استخدام القوة، لا يزال هناك في الحمض النووي للحزب بقايا منظمة الجيش السري الفرنسي (الذي تم إنشاؤه لمعارضة استقلال الجزائر) الذي كان يرى الحل في القنابل اليدوية والهجمات”.
وفي حال وصول مارين لوبان إلى السلطة في فرنسا، وهي ابنة جان ماري لوبان مؤسس حزب “الجبهة الوطنية” الذي تحول لاحقاً إلى “التجمع الوطني”، لم يخف تبون قلقه على مستقبل الجزائريين في هذا البلد.وقال: “أتساءل كيف ستتعامل السيدة لوبان مع الأمر إذا وصلت إلى السلطة، هل تريد إعادة مجزرة فيلودروم، واحتجاز جميع الجزائريين قبل ترحيلهم؟”.
وكان تبون يشير إلى عملية مداهمة وقعت في 16 يوليو 1942 في باريس خلال الحرب العالمية الثانية، حيث قامت الشرطة الفرنسية بالتعاون مع القوات النازية باعتقال أكثر من 13 ألف يهودي، بينهم نساء وأطفال، ونقلهم إلى فيلودروم ديفر، وهو ملعب لرياضة الدراجات في باريس. كان الهدف من هذه العملية هو احتجاز اليهود الفرنسيين في ظروف قاسية تمهيداً لنقلهم إلى معسكرات الاعتقال النازية.
ولفت تبون إلى أن الجزائر هي “القوة الاقتصادية الثالثة والقوة العسكرية الثانية في إفريقيا”، معتبراً أن استخدام القوة كما تدعو إليه مارين لوبان “لن يجدي نفعاً”، ولكنه شدد على استعداد الجزائر للحوار.
وتحدث تبون أيضاً عن مزاعم اليمين المتطرف بشأن “المساعدات التنموية الفرنسية للجزائر”، قائلاً إن هذه التصريحات “سببها النقص الواضح في فهم الجزائر”، مضيفاً أن هذه الأموال “تعادل ما بين 20 إلى 30 مليوناً سنوياً، فيما أن ميزانية الدولة الجزائرية تبلغ 130 مليار دولار سنوياً، وليس لدينا ديون خارجية”. وأكد تبون أن “الجزائر لا تحتاج إلى هذه الأموال التي تخدم قبل كل شيء مصالح النفوذ الفرنسي الخارجي”.
قضية صنصال
وتحدث الرئيس الجزائري عن الكاتب بوعلام صنصال، الذي جرى توقيفه في 16 نوفمبرالماضي بمطار الجزائر، ومحاكمته بتهمة المساس بوحدة الوطن، قائلاً إنها “قضية تهدف إلى التعبئة ضد الجزائر”.
ولفت تبون إلى أن بوعلام صنصال “جزائري منذ 74 سنة” وأنه “متقاعد جزائري”، مضيفاً أنه في اليوم السابق لرحلته إلى الجزائر، تناول العشاء مع كزافيي درينكورت، الذي كان سفيراً فرنسياً في الجزائر على مرتين، ويقود حملة في فرنسا لفرض عقوبات على الجزائر بسبب سجن صنصال.
وأضاف تبون أن “صنصال مشكلة بالنسبة للذين خلقوها، ولم نسمع منه بعد كل الأسرار”، لافتاً إلى أنه “يتلقى العلاج ويكلم عائلته”.
وحول إمكانية منح عفو رئاسي لصنصال، رد تبون قائلاً: “لا أستطيع التنبؤ بأي شيء”.
وفي سياق منفصل، أكد تبون ما ورد في تقارير سابقة عن زيارة رئيس جهاز الأمن الخارجي الفرنسي في 13 يناير الماضي، مشيراً إلى أن زيارته كانت لبحث قضية “أبو ريان”.
وفي ديسمبر الماضي، نشر التلفزيون الجزائري ووكالة الأنباء الجزائرية الرسمية وثائقياً بعنوان “فشل المؤامرة.. صقور الجزائر تنتصر”. واتهم التقرير المخابرات الفرنسية بـ”محاولة تجنيد أبو ريان” الذي يبلغ من العمر 35 سنة “لصالحها”، وأشارت أنه كان ضمن تنظيم “داعش” في سوريا والعراق.
وذكر تبون أن “لفرنسا وحدها التعامل مع الحالات المتطرفة التي انحرفت على أرضها”، في إشارة إلى فرنسيين من أصول جزائرية التحقوا بتنظيمات مثل “داعش” في سوريا والعراق.
وقف إرسال المرضى الجزائريين إلى فرنسا
وبخصوص الفواتير غير المدفوعة لعلاج الجزائريين في فرنسا، قال تبون إن المبلغ المتبقي هو 2.5 مليون يورو، وأعلن قرار الجزائر التوقف عن إرسال الجزائريين للعلاج في فرنسا.
ونفى تبون المبلغ الذي طرحته وسائل إعلام فرنسية، ومن بينها صحيفة “لوبينيون”، بأن قيمة الفواتير هي 44 مليون يورو.
وقال تبون: “سيذهب الجزائريون للعلاج في دول أوروبية أخرى، مثل إيطاليا، وبلجيكا، وحتى تركيا، هذا كله نتيجة المشاحانت التي نتعرض لها”.
وحولت الحكومة الجزائرية بين عامي 2010 و2023، أكثر من 116 مليون يورو إلى المستشفيات الفرنسية.
وبشأن إمكانية استئناف الحوار بين الجزائر وفرنسا، أبدى تبون استعداده لذلك، لكن شرط أن يحصل على “تصريحات قوية” من نظيره الفرنسي. وقال: “بكل تأكيد ليس أنا من سيقوم بهذه الخطوة”.
واعتبر تبون أن وسائل الإعلام المملوكة لرجل الأعمال فانسون بولوري لديها “مهمة يومية”، تتمثل في “تدمير صورة الجزائر”، في إشارة إلى القنوات التي يملكها مثل القناة المقربة من اليمين المتطرف CNew.
وقال تبون إن شخصيات سياسية فرنسية مثل جان بيير رافاران (وزير أول سابق) وجان بيير شوفينمان (وزير سابق) ودومينيك دو فيليبان (وزير أول سابق) وسيجولين رويال (وزيرة سابقة) “نحترمهم، ويمكنهم الحديث في وسائل الإعلام الفرنسية لتهدئة التوترات في العلاقات بين البلدين”.
“علاقاتنا جيدة مع ترمب”
وتحدث تبون أيضاً عن العلاقات بين الجزائر والولايات المتحدة، والتي وصفها بـ”الجيدة”، وذلك “سواء مع الديمقراطيين أو الجمهوريين”، مشيراً إلى أنها “كانت كذلك خلال فترة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأولى”.
وقال تبون: “عند انتخابي في 2019، أرسل لي ترمب رسالة تهنئة بعد ساعات قليلة من صدور النتائج، فيما استغرق ماكرون 4 أيام ليقول إنه أُخذ علماً بانتخابي”.
وأضاف تبون أن “الولايات المتحدة هي من أدخلت مسألة استقلال الجزائر إلى الأمم المتحدة، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي سمّت أحد مدنها باسم الأمير عبد القادر”، مضيفاً أن “المشاريع الكبرى في الجزائر يقوم بها الأميركيون، سواء في المحروقات أو القطاعات الأخرى”.
واعتبر تبون أنه بالإضافة إلى الولايات المتحدة “تملك الجزائر علاقات جيدة مع الدول الكبرى”، مضيفاً أن “كل دول البحر المتوسط الأوروبية تستثمر معنا”. وذكر أنه في الأيام الأخيرة “مسؤولون روس تم استقبالهم في الجزائر”، وأن “المشاورات الأمنية والدبلوماسية مع الولايات المتحدة في أعلى مستوياتها”.
وبعد أيام من عودة ترمب إلى البيت الأبيض، وقّع قائد أركان الجيش الجزائري سعيد شنقريحة وقائد القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) في 22 يناير الجاري، اتفاق تفاهم للتعاون العسكري بين البلدين.
“سعداء بالاستثمارات الصينية”
وقال تبون إن “قول بعض المسؤولين الفرنسيين إن الجزائر معزولة دولياً أمر مضحك”، مشدداً على أن عدم الانحياز إلى أي طرف “هو محور أساسي في السياسة الخارجية الجزائرية”، وهو “ما يفسر أيضاً رفضنا لكل المحاولات الرامية إلى جعل بلدنا ينحاز لأي طرف”.
وأشار تبون إلى الصين التي قال إن “لنا معها علاقات صداقة طويلة”، لافتاً إلى الدور الذي لعبته الجزائر في إعادة كرسي الصين في مجلس الأمن إلى حكومة بكين (كانت تشغله حكومة تايوان)، كما أن الصين كانت أول دولة تعترف بالكفاح المسلح للجزائريين الذي انطلق في 1 نوفمبر 1954.
وفي الشق الاقتصادي، قال تبون إن “الصينيين مهتمون بالكثير من القطاعات، ونحن سعداء بأدائهم”.
وأضاف تبون أن الصينيين “جاؤوا في البداية لبناء المباني السكنية في الجزائر، مما أثار استياء مجموعات فرنسية، مثل شركة بويج، التي كانت تتطلع إلى بناء جامع الأعظم في الجزائر العاصمة، ولكن الصينيين قدموا أفضل صفقة وأقصر موعد لإتمامه”.
وبنت شركات صينية جامع الجزائر الأعظم، الثالث عالمياً من حيث المساحة بعد الحرمين المكي والنبوي، وذلك عندما كان تبون وزيراً للسكن، بكلفة بلغت 1.3 مليار دولار.
عرضنا الوساطة على الأسد وبوتين
وفيما يتعلق بالوضع في سوريا، قال تبون إن الجزائر حاولت دائما الحوار مع الرئيس الأسد “بينما كانت حازمة معه، إذ لم نقبل أبداً المجازر ضد شعبه”.
وأضاف أنه قبل سقوط نظامه في ديسمبر الماضي، أرسلت الجزائر مبعوثاً إلى الأسد ليعرض عليه الوساطة من أجل التحدث مع معارضيه، لكن ذلك لم ينجح.
وأشار تبون أيضاً إلى أن الجزائر “حاولت التوسط في الحرب الأوكرانية”، مضيفاً أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “هو الذي طلب منه ذلك” قبيل زيارته إلى روسيا عام 2023، من أجل أن يرى ما إذا كان بإمكانه “محاولة القيام بشيء من أجل السلام”.
وقال تبون إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “كان مستعداً للحوار، لكن (الرئيس الأوكراني) فولوديمير زيلينسكي لم يستجب”.
“من الصعب قبول فاجنر على حدودنا”
وتحدث تبون في مقابلته أيضاً عن الأوضاع في منطقة الساحل الإفريقي، معتبراً اتهامات مالي للجزائر بـ”دعم الإرهاب” تصريحات “منحرفة”.
وقال تبون إن “الجزائر لا تسعى إلى إدارة مالي، التي نعتبرها دولة شقيقة، ستكون يدنا ممدودة لها دائماً”، مضيفاً: “كان لدينا خطة لتنمية منطقة شمال مالي، وكنا مستعدين لتمويلها بمئات الملايين من الدولارات”.
ورداً على سؤال حول وجود “مرتزقة” في المنطقة، أجاب عبد المجيد تبون: “من الصعب علينا أن نقبل وجود مجموعات شبه عسكرية مثل فاجنر على حدودنا، ولقد أبلغنا أصدقاءنا الروس أيضاً بهذا”.
وقال تبون أيضاً إنه حذّر نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون من “العواقب التي قد تترتب على العلاقات مع الجزائر، إذا اعترفت فرنسا بمغربية الصحراء”.
وأشار تبون إلى أنه حذر ماكرون من ذلك، على هامش قمة مجموعة السبع في 13 يونيو في باري بإيطاليا، حيث تحدث الرئيسان لمدة ساعتين ونصف الساعة. وكشف تبون أنه قال لماكرون: “إنك ترتكب خطأ فادحاً، لن تكسب أي شيء وسوف تخسرنا”،