يتفق مراقبو المشهد السوري المتغيّر بشكل دراماتيكي على وجود تعقيدات كبرى في مسألة حل الفصائل المسلحة المنتشرة على مساحة البلاد التي تبلغ أكثر 185 ألف كلم مربع، معتبرين أن تشكيل جيش جديد يتبع لوزارة الدفاع أمرٌ صعبٌ بحُكم التباين في التوجهات. وتاريخ الخلافات، وجدل التبعية.
لكنّ بالمقابل يرى آخرون أن عملية الحل والدمج ستكتمل رغم العوائق، لأنها من ضرورات ترسيخ عهدٍ جديدٍ، كما أنها خطوة مهمة في مسار طمأنة الداخل السوري والمجتمع الدولي.
وفي وقت سابق الثلاثاء، وبعد سلسلة لقاءات في العاصمة دمشق، بين قائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، وزعماء الفصائل، أعلنت هذه الأطراف الاتفاق على حل الفصائل ودمجها في الجيش السوري الجديد، مع الانخراط تحت مظلة وزارة الدفاع التي يتولى حقيبتها مرهف أبو قصرة.
وقالت مصادر مطلعة بوزارتي الدفاع والداخلية السوريتين لـ”الشرق”، إن “هذا التوافق جاء بعد حل الخلافات العالقة بين قادة الفصائل، وبعد ما حصلوا عليه من أحمد الشرع من ضمانات، بأن يكونوا ضمن جيش جديد غير محسوب على أي طرف، وأن تُراعى أوضاعهم وأدوراهم في إسقاط نظام الرئيس السابق بشار الأسد”.
وأوضحت المصادر أن الشرع “كان حادّاً ومباشراً وواضحاً، في مسألة حل الفصائل والانضمام إلى الجيش الجديد”، مشيرة إلى أنه لوّح بخيار القوة العسكرية مع الفصائل التي قد ترفض هذا التوجه.
وأضافت الفصائل أن قائد إدارة العمليات العسكرية في سوريا، كان حريصاً على الاجتماع بشكل منفرد مع قادة فصائل كل منطقة، أي الجنوب ثم الشرق وكذلك الشمال، ثمّ توصل بعد اجتماعات وترتيبات معينة لاتفاق حل الفصائل.
وأعلنت الإدارة السورية الجديدة ذلك الثلاثاء، مشيرة إلى أن “هيئة تحرير الشام ستكون أول المبادرين لحل نفسها”.
مصير فصائل شمال سوريا
وفيما يخص الشمال، أي إدلب وحلب، فإن “اليد الطولى هُناك لـ”هيئة تحرير الشام”، التي تقود مشروع الدمج في الجيش الجديد، لكن توجد بالمنطقة فصائل أخرى مثل “الجبهة الشامية” و”فيلق الشام”، و”جيش الأحرار”، و”حركة أحرار الشام”، و”جيش العزة”.
وقالت مصادر لـ”الشرق”، إن كل هذه الفصائل أبلغت الإدارة الجديدة جاهزيتها لحل نفسها، والانخراط في الجيش السوري الجديد”.
ماذا عن الجيش الوطني؟
قالت مصادر مطلعة بوزارتي الدفاع والداخلية السوريتين، إن الجيش الوطني المدعوم من تركيا، ينخرط الآن في عمليات عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال وشرق البلاد، لكنه مع ذلك، وافق على حل نفسه والانخراط في الجيش الجديد”.
وأضافت المصادر لـ”الشرق”، أن “أنقرة مارست ضغوطاً على الجيش الوطني كي ينسجم مع التغيرات الجديدة، ويصبح جزءاً من وزارة الدفاع”، مشيرة إلى أن “كبار قادة الجيش الوطني التقوا أحمد الشرع في دمشق، وأعلنوا استعدادهم لحل فصائلهم”.
الوضع في حمص وحماة
في محافظتي الوسط السوريتين حمص وحماة، وبحُكم سيطرة قوات النظام السابق عليهما، فإنه لا وجود لفصائل مسلحة فيهما، لأنها إمّا تفككت من تلقاء نفسها قبل عام 2018، أو لأن مقاتليها انتهى بهم المطاف في الشمال السوري، وانخرطوا في فصائل من إدلب وحلب، وكانوا من ضمن القوات التي شاركت في عملية “ردع العدوان”، إلا أنه لا توجد فصائل مسلحة في حماة وحمص لتكون معنية بحل نفسها والاندماج في الجيش الجديد.
الساحل السوري.. طرطوس واللاذقية
لم يتشكل منذ اندلاع الأحداث في سوريا أيّ فصيل معارِض مسلّح في طرطوس، وذلك لأن نظام الأسد كان يُسيطر بشكل كامل على هذه المحافظة، بعدما اقتحم مدينة بانياس التي تظاهرت ضده، وقمع صوت الاحتجاجات فيها.
أما في ريف اللاذقية الشمالي، فنشطت الفصائل المسلحة في هذه المنطقة، وسيطرت على مساحات واسعة منها، قبل أن تستعيد القوات الحكومية جزءاً كبيراً منها في عام 2016، لكن مع ذلك بقيت فصائل محدودة في بعض مناطق الريف الشمالي، وهي جاهزة لحل نفسها، مع وجود لمقاتلين أيضاً من “الحزب الإسلامي التركتساني”.
السويداء.. مبادرة بالحلّ والدمج
قالت مصادر في “الإدارة السورية الجديدة” لـ”لشرق”، إن “مشايخ العقل وقادة عسكريين في فصائل مسلحة بمحافظة السويداء، بادروا إلى زيارة دمشق، والتقوا الشرع، وأبلغوه باستعدادهم التام وجهوزيتهم الكاملة لحل جميع الفصائل في المحافظة، والانخراط في الجيش السوري الجديد”.
وفي السويداء، تٌعتبر “حركة رجال الكرامة”، الفصيل العسكري الأكبر عدداً والأكثر تسلّيحاً، وحسب مصادر في الحركة نفسها، فإن قادتها أخبروا الشرع أنهم “سيكونون جزءاً من جيش سوريا الجديد”.
درعا.. تعقيدات في طريق الحلّ
أما الوضع في درعا فهو “الأكثر تعقيداً” فيما يخص حل الفصائل، لأن الجهة العسكرية الأقوى في هذه المحافظة التي تقع جنوب سوريا، هي الفيلق الخامس واللواء الثامن، وهذان فصيلان عسكريان شكلهما الروس عام 2018 بعد سيطرة القوات الحكومية على درعا.
وحينها برز اسم أحمد العودة، ليكون حليف الروس في هذه المنطقة، لكن ومع إعلان إدارة العمليات العسكرية السيطرة على درعا في 6 ديسمبر 2024، تغيّرت موازين القوى بعض الشيء، ولم يعد العودة “الرجل الأقوى”، إذ ترفض بعض الفصائل حالياً أن يكون هو ممثلاً لها، أو قائداً لغرفة عمليات الجنوب.
وحسب ما حصلت عليه “الشرق” من مصادر عسكرية في درعا، فإن كبار قادة الفصائل أخبروا أحمد الشرع أنهم مستعدين لحل فصائلهم، في حين تبقى بعض التخوّفات بشأن الفيلق الخامس واللواء الثامن.
كما أشارت مصادر خاصة في “الإدارة السورية الجديدة”، إلى أن الشرع “لوّح بالخيار العسكري في حال رفضت هذه الفصائل حل نفسها”، علماً بأن الشرع، وأحمد العودة التقيا بعد سقوط بشار الأسد في 13 ديسمبر الجاري.
القنيطرة.. لا مخاوف من الدمج
في محافظة القنيطرة لا توجد فصائل مسلحة ذات كتلة بشرية كبيرة أو أسلحة ثقيلة، وذلك بحكم طبيعة المنطقة، وقربها من الحدود الإسرائيلية، ولذلك فإن كل الفصائل الموجودة وافقت على حل نفسها، والانضمام إلى الجيش السوري الجديد، علماً أن وفداً من الإدارة السورية الجديدة زار القنيطرة في 24 ديسمبر، والتقى قادتها ووجهاءها، واتفقا على ترتيبات المرحلة المقبلة.
ريف دمشق.. العائدون من الخلف
مع سقوط نظام الأسد عاد الحديث عن فصائل ريف دمشق إلى الواجهة من جديد، لا سيما وأنها شكلت غرفة “فتح الشام”، التي شاركت مع فصائل درعا في غرفة “عمليات الجنوب” في السيطرة على دمشق، علماً بأن وجود الفصائل المسلحة انتهى في هذه المحافظة بشكل كبير بعدما سيطرت القوات الحكومية عليها في بدايات عام 2018، وحينها كان “جيش الإسلام” المنتشر في الغوطة الشرقية من أقوى الفصائل.
لكن بعد نزوح هذا الفصيل وغيره إلى الشمال السوري، انضمّ إلى “الجيش الوطني” المدعوم من تركيا، بينما التحقت فصائل أخرى بـ”هيئة تحرير الشام”، وجميع هذه الفصائل بما فيها “جيش الإسلام”، الذي تقاتل وجهاً لوجه مع الهيئة في الشمال السوري، ستحلّ نفسها، وتلتحق بالجيش السوري الجديد.
ماذا عن قوات “قسد”؟
بينما تستمر المواجهات شمال شرق سوريا بين الفصائل وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ووفق مصادر “الشرق” في “الإدارة السورية الجديدة”، فإن “أحمد الشرع أوصل رسالة إلى قسد بأنه لن يقبل منها غير حلّ نفسها، وإلا فإنه سيرسل تعزيزات عسكرية إلى الرقة والحسكة، ويخوض حرباً ضد قوات سوريا الديمقراطية”.
أمّا هذه القوات فقالت إنها سترسل وفداً إلى دمشق، للتفاوض، مع إعلانها عن رغبتها في أن يكون مقاتلوها ضمن الجيش السوري الجديد، علماً بأن “قسد” تشكلت عام 2015 بدعم من الولايات المتحدة لمكافحة تنظيم “داعش”، وعدد مقاتليها ما بين 50 إلى 60 ألفاً.
ووفق وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون)، كان الأكراد يُشكلون 40% من “قسد”، بينما العرب يمثلون 60% في مارس 2017.