أعادت عملية اغتيال قائد قوات الحماية الإشعاعية والكيميائية والبيولوجية في القوات الروسية، الجنرال إيجور كيريلوف، الحديث عن عمليات اغتيال مشابهة في روسيا، ومدى ارتباطها بالحرب الدائرة في أوكرانيا.
وكان جهاز الأمن الفيدرالي الروسي أفاد، الأربعاء، باعتقال مواطن أوزبكستاني يعتقد المحققون أنه من زرع القنبلة التي أودت بحياة الجنرال الروسي إيجور كيريلوف ومساعده في موسكو، بتعليمات من جهاز أمن أوكراني، وعده بمكافأة مالية بلغت 100 ألف دولار وإقامة في الاتحاد الأوروبي.
وفتحت لجنة التحقيق الفيدرالية الروسية، الثلاثاء، قضية جنائية على خلفية اغتيال كيريلوف، وذلك بموجب 3 مواد مرتبطة بـ”الإرهاب” و”القتل” و”الاتجار غير المشروع بالأسلحة”.
بدوره شدد الكرملين على أن “نظام كييف هو من أصدر أمر اغتيال كيريلوف”، متهماً أوكرانيا باستخدام ما سمّاها “أساليب الإرهابيين”.
كيريلوف و”جرائم الغرب”
وتوالت ردود أفعال المسؤولين الروس في أعقاب إعلان اغتيال كيريلوف، إذ أعلنت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن كيريلوف كشف خلال سنوات عديدة وبالحقائق جرائم الأنجلوساكسون (الغرب) وأعمال (حلف شمال الأطلسي) الناتو الاستفزازية بالأسلحة الكيميائية في سوريا، وتلاعب بريطانيا بالمواد الكيميائية المحظورة والأعمال الاستفزازية في ساليسبري (حيث أعلنت لندن اغتيال معارض روسي باستخدام مواد إشعاعية)، والأنشطة المميتة للمختبرات البيولوجية الأميركية في أوكرانيا”.
من جانبه، وصف نائب رئيسة مجلس الاتحاد الروسي قنسطنطين كوساتشوف اغتيال كيريلوف بـ”خسارة لا يمكن تعويضها”، مؤكداً في الوقت ذاته أن “القتلة سيعاقبون”.
وأكد رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما الروسي (البرلمان)، أندريه كارتابولوف، أنه سيتم العثور على منظمي ومنفذي جريمة قتل كيريلوف ومعاقبتهم، بغض النظر عمن يكون وأينما كان مكان وجودهم.
عذاب بانديرا
أما نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف، فقد توعد بـ”الانتقام الحتمي” من القيادة العسكرية السياسية العليا في أوكرانيا بعد هجوم وصفه بالإرهابي، متهماً كييف بمحاولة “إطالة أمد الحرب والموت” وتوجيه “ضربات جبانة على خلفية هزيمتها الحتمية”.
وقال ميدفيديف إن “هذا الهجوم الإرهابي هو عذاب نظام بانديرا الأوكراني الذي يحاول تبرير وجوده لأسياده الغربيين وتبرير الوضع الكارثي على الجبهة”، مشدداً على أن محاولات وقف تقدم الجيش الروسي وزرع الخوف “محكوم عليها بالفشل”.
وكان ميدفيديف يشير في حديثه إلى السياسي الأوكراني ستيبان بانديرا (1 يناير 1909 – 15 أكتوبر 1959)، وكان زعيماً لمنظمة القوميين الأوكرانيين، التي قاتلت البولنديين ثم تحالفت مع النازية ضد الاتحاد السوفيتي سعياً إلى الاستقلال، وانتهى الأمر بحظرها واغتياله بغاز السيانيد في ميونيخ بألمانيا.
بدوره، أوضح رئيس مجلس الدوما الروسي فيتشاسلاف فولودين أن “الجوهر الإجرامي لنظام كييف واضح، إنها دولة إرهابية يقودها نازي، وأعرب عن ثقته من أن جميع المذنبين بقتل كيريلوف يجب أن ينالوا عقوبتهم”.
الفريق كيريلوف
إيجور كيريلوف، ولد في 13 يوليو 1970، في كوستروما الروسية. وتخرج من مدرسة كوستروما للقيادة العسكرية العليا للدفاع الكيميائي عام 1991، والأكاديمية العسكرية للدفاع الإشعاعي والكيميائي والبيولوجي عام 2007.
وفي أبريل عام 2017، تم تعيينه في منصب قائد قوات الدفاع الإشعاعي والكيميائي والبيولوجي للقوات المسلحة الروسية. كما شارك كيريلوف في إنشاء واعتماد نظام قاذف اللهب الثقيل الجديد TOS-2″. وبدأت نماذجها الأولية في دخول القوات الروسية في عام 2020.
عرف كيريلوف بتصريحاته بشأن أنشطة المختبرات البيولوجية الأجنبية وارتباطها المحتمل بانتشار الأمراض المعدية، بما في ذلك فيروس كورونا.
زعم كيريلوف مراراً وتكراراً أن الولايات المتحدة تعمل على توسيع شبكتها من المختبرات البيولوجية خارج أراضيها، وإجراء أبحاث على الفيروسات والبكتيريا شديدة الأمراض.
وفي يناير 2024، قال إن مسؤولين أميركيين كباراً تعمّدوا عرقلة التحقيق في أسباب جائحة كورونا وتلاعبوا بالرأي العام.
واتهم العسكري الروسي القوات الأوكرانية مراراً باستخدام الأسلحة الكيميائية كجزء من الصراع في أوكرانيا. وفي أكتوبر 2024، ذكر أن الجيش الأوكراني استخدم أسلحة كيميائية منتجة في الدول الغربية في مدينة سودجا بمقاطعة كورسك الروسية الحدودية. وبعد ذلك، تعرض للعقوبات البريطانية بزعم “المساعدة في أنشطة محظورة تتعلق بالأسلحة الكيميائية”.
بصمة أوكرانية
قبل أقل من يوم واحد من اغتيال كيريلوف، اتهمه جهاز الأمن الأوكراني، غيابياً، بإصدار الأمر باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد القوات المسلحة الأوكرانية.
الداخل الروسي وجه أصابع الاتهام بقتل كيريلوف إلى جهام الأمن الأوكراني، وهو ما لم ترد كييف بنفيه، بل على العكس، نقلت وكالة رويترز عن مصدر في جهاز الأمن الأوكراني أن أجهزة الاستخبارات الأوكرانية نفذت عملية أدت إلى سقوط الجنرال الروسي.
ووفقاً للمحققين، من الواضح أن الجريمة نفذتها الخدمات الخاصة الأوكرانية، مديرية المخابرات الرئيسية بوزارة الدفاع أو جهاز الأمن الأوكراني، وقد اختار ممثلوهم الجنرال كيريلوف كهدف، على الأرجح بسبب شهرته.
اغتيالات مشابهة
مؤخراً، تحدثت وسائل إعلام روسية غير رسمية وأوكرانية، عن سلسة اغتيالات استهدفت أشخاصاً آخرين على ارتباط بالحرب الدائرة في أوكرانيا، إذ تداولت وسائل إعلام أوكرانية معلومات تفيد بأن نائب المصمم العام لمكتب “مارس” ( هو أحد المكاتب الروسية الرائدة في مجال تصميم الصواريخ وأنظمة التوجيه الخاصة بها) ورئيس قسم البرمجيات ميخائيل شاتسكي لقي حتفه بالرصاص في العاصمة موسكو منذ عدة أيام.
ووفقاً للتقارير، تعرض شاتسكي لإطلاق نار في وقت متأخر قرب أحد حدائق العاصمة، في حين لم تتحدث روسيا رسمياً عن الموضوع.
وقبل اغتيال إيجور كيريلوف، بحسب الرواية الرسمية، كان فاليري ترانكوفسكي، قائد مقر اللواء 41 للسفن المزودة بالصواريخ التابعة لأسطول البحر الأسود الروسي، أعلى مسؤول رتبة سقط خارج الجبهات، وقد لقي حتفه بانفجار سيارة في سيفاستوبول في 13 نوفمبر.
وأعلن جهاز الأمن الفيدرالي الروسي حينها أن المعتقل بتهمة قتل ضابط البحرية ترانكوفسكي جند من قبل جهاز أمن الدولة الأوكراني عام 2023.
كما اغتيل، في وقت سابق، عقيد بالقوات الخاصة في الجيش الروسي بمنطقة قرية ميلينكي في ضواحي موسكو، بعد إطلاق النار عليه من قبل شخص مجهول، لاذ بالفرار من مكان الجريمة.
وفي العام 2023، تحدثت مصادر روسية عن اغتيال قائد غواصة لأسطول روزيان في البحر الأسود ستانيسلاف رزيتسكي، حيث أطلق عليه عدة رصاصات أثناء قيامه بممارسة رياضة الركض.
وأكدت المصادر حينها أن الجانب الأوكراني تابعه وكشف مساره وجرى تتبعه حتى اغتيل في مدينة كراسنودار الروسية.
وبشكل عام، لا يتحدث الجانب الروسي الرسمي كثيراً عن الاغتيالات التي تطال العسكريين أو كبار العلماء، كما أن إمكانية الوصول إلى المعلومات محدودة.
اغتيال صحافيين
وإلى جانب العسكريين، لقي عدد من الصحافيين حتفهم، بمن فيهم الصحفية الروسية داريا دوجينا، ابنة المفكر الروسي ألكسندر دوجين، التي لقيت حتفها بتفجير سيارتها، بعد زرع عبوة ناسفة تحت الجزء السفلي من السيارة من جهة السائق في 20 أغسطس.
وكشف جهاز الأمن الفيدرالي الروسي حينها أن الأجهزة الأمنية الأوكرانية أعدت لهذه الجريمة، التي نفذتها المواطنة الأوكرانية ناتاليا فوفك.
وفي 2 أبريل 2023، لقي المراسل العسكري فلادلين تاتارسكي مصرعه نتيجة تفجير استهدفه على تمثال صغير احتوى على عبوة ناسفة وصله في سان بطرسبورج، مما أسفر عن إصابة 50 آخرين أيضاً.
وذكر الأمن الفيدرالي الروسي أن الأجهزة الأمنية الأوكرانية وعملاءها من المعارضين الروس القاطنين في الخارج نظموا عملية الاغتيال.
وفي 6 مايو 2023، انفجرت سيارة كان يستقلها الكاتب زاخار بريليبين في مقاطعة نيجني نوفجورود، ولقي حتفه نتيجة الانفجار حارسه، وأصيب بريليبين؛ ووفقا للمحققين الروس إن منظمي هذه العمليات الإرهابية هي أجهزة المخابرات الأوكرانية وعملاؤها.
أسباب الاغتيال
ويقول الخبير العسكري والاستراتيجي العقيد فاسيلي فاتيجاروف لـ”الشرق”: “أوكرانيا دولة إرهابية، والأدوات التي تستخدمها إرهابية كذلك، كونهم لا يقتلون استناداً إلى حكم من المحكمة، وكيريلوف لم يكن مجرماً، بل كان شخصية سلمية وفي منصبه كان يحمي البلاد”.
وأضاف: “حتى اللحظة من غير الواضح لماذا لم نقم بتصفية هؤلاء الإرهابيين.. من الضروري محاربة هكذا مظاهر عبر العثور والقضاء على العملاء، ويجب العثور بشكل سريع على المنفذين، ومحاكمتهم بالقانون، ومع غياب حكم الإعدام، يتبغي الحكم عليهم بالسجن المؤبد”.
واعتبر العقيد فاتيجاروف أنه “بعد عملية الاغتيال، في وقت لاحق سيحاول الجانب الأوكراني نشر الخوف في المجتمع، إلى جانب نشر معلومات كاذبة حول وجود قنابل تستهدف مسؤولين روس آخرين”.
وأردف في هذا السياق: “أود التشديد بأن الأوكرانيين يشنون هجمات هجينة، فالآن نفذو انفجاراً حقيقياً، وبعدها ستبدأ معلومات كاذبة بالانتشار حول تفخيخ سيارات أو منازل أو أمور أخرى لمسؤولين روس”.
وشدد على أن “العدو يرغب ليس فقط بقتل أفضل الشخصيات في روسيا، بل سيحاولون زرع الخوف في المجتمع. ومن الصعب الحماية من الإرهاب بواسطة الحراسة، يجب أن يكون هناك برنامج حكومي، فقط عبر سياسة حكومة مشددة من الممكن القضاء على مثل هذه الظواهر”.
واعتبر الخبير في الشؤون الروسية دميتري بابيتش أن عمليات الاغتيال، بما في ذلك لكيريلوف، يأتي لتحقيق أمرين إما التخلص من خبير تقني أو بغرض الدعاية.
وأوضح لـ”الشرق”: “هناك خياران، أولا يتم اغتيال خبير تقني، ليكون من الأسهل مواصلة الحرب، أو أنها حملة دعائية ليتحدث الجميع عن ذلك، ففرضية اغتيال خبير تقني، لا أصدقها، كون أن الاختبارات الأخيرة التي عمل عليها كيريلوف، تستخدم منذ عدة سنوات، ومقتله لن يساعد تقنياً الجيش الأوكراني إطلاقاً.. تبقى فرضية “الدعاية”، فقد كان شخصية عامة، كان يتحدث كثيراً، خاصة عن المختبرات البيولوجية. كما أن الإرهاب هو سلاح الجبناء والضعفاء، فعندما تشعر دولة ما بأنها لا تستطيع الانتصار في حرب عادلة، تبدأ بشن هجمات ضد المدنيين، وتوجيه ضربات بندالة وخسة”.
وتابع بابيتش: “كما أود لفت الانتباه إلى أن هذا التفجير، الذي أودى بحياة كيريلوف ومساعده، كان خطيراً جداً على مواطنين عاديين مدنيين، وأود الإشارة كذلك إلى أن موسكو عندما تقوم باغتيال الخونة، الذين خانوا بلدنا ونفذوا جريمة قتل، وهذا الأمر يحدث نادراً، تقوم روسيا بذلك دون تعريض المحيطين بالهدف لأي أضرار”.