تواجه روسيا صعوبة متزايدة في شحن السلع إلى الصين عبر شبكها الواسعة من السكك الحديدية في الشرق، وهي علامة على التحديات الاقتصادية المتزايدة الناجمة عن الحرب والعقوبات، على الرغم من تأكيدات الكرملين المتكررة بأن اقتصاد البلاد على ما يرام، تقول وكالة “بلومبرغ”.
وأفادت وكالة أنباء تاس نقلاً عن وزير النقل، أن شركة السكك الحديدية الروسية المملوكة للدولة، وهي المسؤولة عن عمليات النقل بالسكك الحديدية في جميع أنحاء البلاد، وافقت الأسبوع الماضي على خفض بنسبة 30% في برنامجها الاستثماري للعام المقبل وسط ارتفاع تكاليف الاقتراض.
كما أن الزيادة في الشحنات المرتبطة بالحرب، تؤدي إلى تفاقم الاختناقات في حركة القطارات، في حين تعرقل العقوبات عمليات الأداء الدولية. هذه العوامل، إلى جانب المشاكل اللوجستية الطويلة الأمد، تؤدي إلى إبطاء نقل السلع مثل الفحم والألومنيوم.
وقالت شركة MMI Research ومقرها موسكو في منشور على تليجرام هذا الشهر: “تشهد السكك الحديدية أعمق ركود لها منذ أزمة 2008-2009 هذا العام، ولا يزال هذا الركود قوياً”، وأضافت: “نفترض أن هذا يرجع إلى احتياجات الجيش – تحميل الشبكة بالبضائع ذات الأولوية – والمشاكل المتفاقمة مع المخزون المتداول”.
ولم تستجب السكك الحديدية الروسية لطلب تعليق من “بلومبرغ”.
ويؤكد هذا الوضع الضغوط التي تواجهها روسيا مع اقتراب الغزو الروسي لأوكرانيا من إكمال عامه الثالث. وأبقى البنك المركزي الروسي، الجمعة، على سعر الفائدة الرئيسي عند مستوى قياسي بلغ 21%، وذلك في محاولة لتهدئة الاقتصاد المحموم، والذي قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنه في حالة جيدة، حسب الوكالة.
وقال بوتين خلال المؤتمر الصحافي السنوي في 19 ديسمبر الجاري: “كل شيء يعتمد على الاقتصاد”، مؤكداً أن “الوضع طبيعي ومستقر”، على الرغم من أي تهديدات خارجية وعقوبات. وبينما أشار إلى أن التضخم “مقلق”، أضاف أن الناتج المحلي الإجمالي قد ينمو بنحو 4% هذا العام – أعلى من العديد من الدول الغربية – في حين أن البطالة عند أدنى مستوى قياسي.
السكك الحديدية الأسطورية
وبالنسبة لشركة سكك الحديد الروسية، فإن الأوضاع “ليست مثالية للغاية”، وفق “بلومبرغ”. إذ حدت العقوبات الغربية من قدرتها على ولوج الأسواق الدولية لتمويل متطلبات الاستثمار، كما أنها لم تعد تستطيع الاعتماد على دعم الحكومة الروسية الذي أصبح محدوداً، بعدما أعادت موسكو تحديد أولويات ميزانيتها ووجهتها لتمويل الحرب.
وحولت روسيا تجارتها في السنوات الأخيرة نحو آسيا، واعتمدت بشكل أكبر على ما يسمى بشبكة السكك الحديدية الشرقية. التي يبلغ طولها 14 ألف كيلومتر، وتجمع بين أطول خطين للسكك الحديدية في روسيا، خط ترانس سيبيريا الأسطوري، الذي يربط موسكو بالمحيط الهادئ، وخط بايكال أمور الرئيسي الذي يمتد من سيبيريا إلى الشرق الأقصى.
وعانت الشبكة لفترة طويلة من تأخيرات في عمليات التحميل وغياب فعالية البنية التحتية، لكنها الآن تتعرض لمزيد من الضغوط. لقد أدى التحول نحو آسيا إلى زيادة حجم النقل من وإلى روسيا، ويتجاوز الطلب على هذا المسار بكثير ما يمكن للنظام تحمله، على الرغم من مليارات الدولارات التي تم إنفاقها على تحديث البنية التحتية.
وقال وزير النقل، رومان ستاروفويت، على شاشة التلفزيون الحكومي هذا الشهر: “نحن نرى مشكلات بوليجون الشرقية. لا تزال قيود البنية التحتية، على الرغم من زيادة القدرة الاستيعابية، موجودة على بايكال أمور وخط السكك الحديدية عبر سيبيريا”.
وفي فبراير، حدد بوتين خططاً لتوسيع القدرة السنوية للشحن على الشبكة، على الرغم من أن الصعوبات الاقتصادية الحالية تخلق عقبات أمام شركة السكك الحديدية الوطنية.
وانخفض حجم شحن السكك الحديدية الروسية بنسبة 5.2% على أساس سنوي حتى نوفمبر، وفقاً لـ MMI Research.
وأفادت صحيفة “كوميرسانت”، الشهر الماضي، أن الشركة تفكر الآن في خفض برنامج الاستثمار الإجمالي الخاص بها حتى عام 2030 بمقدار الثلث، إلى 77 مليار دولار، مضيفة أن وزارة الاقتصاد اقترحت خفضاً أكثر حدة. وقالت الصحيفة إن الوزارة اقترحت أيضاً خفض الإنفاق على توسيع الخط الشرقي إلى حوالي 15% مما كان مقترحاً في الأصل، على الرغم من أن تقريرها لم يتم تأكيده رسمياً.
ولم تستجب وزارة الاقتصاد لطلب للتعليق من “بلومبرغ”.
تأخر الشحنات
وبدأت المشكلات الاقتصادية التي تواجهها روسيا وقلة الاستثمار في السكك الحديدية الروسية في إحداث تأثيرات غير مباشرة على شحنات السلع الأساسية إلى الشرق.
وقال مسؤولون تنفيذيون في الشركات المعنية لـ”بلومبرغ”، طلبوا عدم الكشف عن هويتهم لأن المعلومات حساسة، إن العديد من شركات مناجم الفحم غير قادرة على الشحن كما كان الأمر في السابق بسبب الاختناقات في السكك الحديدية. وعقدت الحكومة اجتماعاً في منطقة كوسباس الغنية بالفحم في غرب سيبيريا هذا الشهر لمناقشة مشاكل القطاع.
وقال أشخاص مطلعون على الوضع، إن شركة “يونايتد كو. روسال إنترناشيونال بي جي إس سي”، أكبر منتج للألومنيوم خارج الصين، قامت بتجميع عدة مئات الآلاف من الأطنان من المخزون في مصاهر الألومنيوم في سيبيريا حيث تحد القدرة المحدودة للسكك الحديدية من قدرتها على شحن المعدن في الوقت المناسب.
وقبل عام 2022، كانت شركة “روسال”، التي لا تخضع لعقوبات من الولايات المتحدة وحلفائها في مجموعة السبع، تبيع المعدن في الصين من حين لآخر فقط. ولكن بعد أن تعرضت روسيا لعقوبات متعددة، أعادت الشركة توجيه جزء كبير من صادراتها إلى آسيا من أوروبا وأسواق أخرى.
وتبيع الشركة الآن أكثر من مليون طن، أو نحو ثلث إنتاجها السنوي، في الصين. ورفض متحدث باسم “روسال” التعليق.
وقال ديميتري بوليفوي، مدير الاستثمار في شركة “أسترا” لإدارة الأصول ومقرها موسكو، إن السكك الحديدية الروسية “تحتاج إلى التحسين، جزئياً من خلال الاستثمارات” التي تتراجع، وأضاف: “بشكل عام، السكك الحديدية والتحميل هي دائماً مرآة لما يحدث في الاقتصاد”.