أكدت مسؤولة السياسة الخارجية والممثلة العليا للأمن في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، في تصريحات خاصة لـ”الشرق”، على الحاجة للحصول على ضمانات أمنية شاملة بخصوص الوضع في سوريا من السلطة الجديدة، مشددة على ضرورة “ضمان مشاركة فعالة لجميع الأقليات في بناء عملية ديمقراطية حقيقية”.
وتأتي تصريحات كالاس في ظل المرحلة التي بدأت بعد انهيار نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر، والتي تعتمد فيها بعض الأوساط الإقليمية والدولية سياسة التريث والانتظار في جزء منها، وسارعت في جزء آخر إلى إرسال موفدين إلى دمشق، في محاولة لبناء فهم أكبر لطبيعة من يتولى الحكم هناك، وإزالة شيء من الضبابية التي تتسم بها المرحلة، على الرغم من الجهود الدبلوماسية الحثيثة والتطمينات التي تقدمها “هيئة تحرير الشام”، التي تهيمن الآن على مفاصل الحكم في سوريا.
وأوضحت كالاس، في تصريحاتها لـ”الشرق”، أنه “لا توجد ضمانات في سوريا حتى الآن”، مشيرة إلى أن السبب في ذلك هو غياب التفاهمات والضمانات بين مختلف الأطراف الدولية والإقليمية.
وكشفت المسؤولة الأوروبية، التي خلفت جوزيب بوريل، وكانت قبلها تشغل منصب رئيسة وزراء بلادها، إستونيا، عن مساعٍ أوروبية مرتقبة في الأسابيع والأيام القادمة، لتحقيق أهداف تسهم في توجيه الوضع في سوريا نحو ما تعتبره “الاتجاه الصحيح”.
وأكدت على الحاجة الماسة لبذل جهود كبيرة مع الفاعلين في المنطقة للحصول على ضمانات أمنية شاملة من القيادة الجديدة في سوريا، فضلاً عن ضمان مشاركة فعالة لجميع الأقليات، وبناء عملية ديمقراطية حقيقية.
وأبدت كالاس تفهمها للقلق الأوروبي من التحولات المفاجئة في سوريا، لافتةً إلى أن أوروبا تشارك الدول الأخرى المخاوف بشأن الوضع في سوريا، الأمر الذي يعكس ازدياد التحديات التي تواجهها المنطقة في ظل هذه التطورات.
وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أكدت في تصريحات، الأربعاء، أن “سوريا القديمة اختفت، لكن سوريا الجديدة لم تولد بعد”، مشيرة إلى أن الفترة المقبلة ستكون حاسمة في تشكيل مستقبل البلاد، مع التأكيد على الدور الأوروبي في هذه العملية.
شروط تخفيف العقوبات على سوريا
لا تزال العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على النظام السوري السابق مستمرة، وتمثل أحد أبرز التحديات التي تواجه السلطات التي تقود المرحلة الانتقالية، لا سيما جهود إعادة الإعمار.
وكانت دول الاتحاد الأوروبي بدأت فرض عقوبات على نظام الأسد في العام 2011، بعدما شن حملة قمع ضد المتظاهرين المدنيين، تطورت لاحقاً إلى صراع مسلح.
وتشمل العقوبات حظراً على صادرات الأسلحة، وواردات النفط من البلاد، إضافة إلى تجميد أصول البنك المركزي السوري في الاتحاد الأوروبي، وحظر الاستثمار في صناعة النفط السورية.
وطالت العقوبات نحو 316 شخصاً و86 كياناً، تم اتهامهم بدعم رئيس النظام السابق بشار الأسد في مساعيه لتثبيت حكمه.
وفي إطار سعيها لتحديد شروط رفع هذه العقوبات عن سوريا، وضعت دول الاتحاد الأوروبي مجموعة من المعايير لتقديم المساعدات إلى سوريا في حال تحقق الاستقرار، من بينها، ضرورة اتخاذ القيادة الجديدة “خطوات إيجابية” نحو تشكيل حكومة شاملة، مع ضمان احترام حقوق المرأة والأقليات.
كما فرضت الكتلة الأوروبية شرطاً رئيسياً يتمثل في الحد من النفوذ الروسي في سوريا، بما في ذلك إزالة القواعد العسكرية الروسية المنتشرة في البلاد.
وفي تصريحات لـ”الشرق”، وصف وزير الخارجية الإستوني مارجوس تساكنا انهيار النظام السوري بأنه يُمثل “لحظة فرح للجميع”، وقال إن هذا التطور يعكس حقيقة أن “لا أحد يمكنه التعويل على الدعم الروسي”، مشيراً إلى أن البيئة الحالية والمستقبلية تتطلب متابعة حثيثة، مع ضرورة العمل على بناء عملية سلام حقيقية في سوريا وتحقيق الاستقرار.
وكانت رئيسة الدبلوماسية الأوروبية كايا كالاس أعلنت، على هامش جلسة للبرلمان الأوروبي، الثلاثاء، أنها وجهت سؤالاً إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشأن استعدادهم لتعديل سياسة العقوبات.
وأبدت العديد من الدول الأوروبية عن استعدادها للبدء بتعديل وتخفيف العقوبات، وليس رفعها تماماً، إذا أقدمت السلطات الجديدة في سوريا على خطوات إيجابية وفعلية، إلى جانب إظهار “مرونة كبيرة تتعلق بالأقليات وحقوق الانسان، وضمانات لنزع سلاح الفصائل”.
تحديات عودة اللاجئين السوريين
اضطرت الحرب في سوريا ملايين السوريين إلى اللجوء لدول الجوار، كما تحتضن الدول الأوروبية مئات آلاف السوريين.
وفي وقت تشهد سياسة الاتحاد الأوروبي بشأن هذا الملف تطورات متباينة، أوقفت بعض دول الاتحاد استقبال طلبات اللجوء من السوريين، فيما باتت المساعدات تقتصر على أولئك الراغبين في العودة الطوعية إلى وطنهم.
وفي الوقت الراهن، تُركز دول الاتحاد على سلوك الحكومة السورية المؤقتة، التي أمر بتشكيلها زعيم “هيئة تحرير الشام” والحاكم الفعلي لسوريا حالياً أحمد الشرع، وذلك لضمان مستقبل سياسي سلمي يشمل جميع الأقليات، إضافة إلى الابتعاد عن الحلفاء السابقين لنظام الأسد، مثل روسيا وإيران.
ومع ذلك، لا تزال هناك تساؤلات بشأن رؤية القيادة السورية الجديدة لنظام الحكم في المرحلة المقبلة، لا سيما في ظل شكوك بالهيئة وزعيمها الشرع المدرجين من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في “قوائم الإرهاب”.
وكانت دول مثل ألمانيا وإيطاليا أبدت استعدادها للتواصل مع ممثلين عن “الهيئة”، لتنسيق المواقف السياسية في مرحلة ما بعد الأسد، وهو ما يتماشى مع المواقف الأميركية والبريطانية التي تسعى إلى تعديل دفة الأمور في سوريا.
وبالفعل، أرسلت ألمانيا مبعوثها إلى سوريا ستيفان شنيك إلى دمشق، وأعلنت الخارجية الألمانية بعدها أن دبلوماسيين ألمان عقدوا اجتماعاً مع أعضاء حكومة تصريف الأعمال، وقالت في بيان: “كانت فرصة جيدة للتواصل مع الحكام الفعليين للبلاد، وركزت المحادثات على استقرار سوريا، وبحثت سبل استئناف الوجود الدبلوماسي الألماني هناك”.
وفي إطار الاستجابة للأزمة السورية، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عن تخصيص مليار يورو إضافي لدعم تركيا في ملف اللاجئين السوريين. وأوضحت أن هذه الأموال ستسهم في توفير الرعاية الصحية والتعليم، إلى جانب دعم إدارة الحدود والهجرة، بما في ذلك العودة الطوعية للاجئين.
الأكراد والسيناريو الليبي
وفي حديث لـ”الشرق” بشأن تأثير الواقع الجديد في سوريا على قضية اللاجئين، أشار الصحافي والخبير المختص في الشؤون الأوروبية جورج سيروبولس إلى أن الاتحاد الأوروبي يسعى منذ فترة طويلة إلى إعادة السوريين إلى وطنهم، لكن عامل الأمن والاستقرار لا يزال يمثل تحدياً كبيراً.
ورأى سيروبولس أن أي اتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا بشأن إعادة اللاجئين إلى سوريا سيتطلب آلية معقدة قد تستغرق وقتاً طويلاً، نظراً للاختلافات الجيوسياسية بين الطرفين، خاصة في ما يتعلق بالقضية الكردية.
وفيما يتعلق بالوضع الأمني في سوريا، قال سيروبولس إن استمرار الوضع العسكري غير المنضبط، ربما يقود البلاد إلى تكرار السيناريو الليبي في الاقتتال ين قوى محلية، وأضاف بأن هذه المخاوف قد تدفع الاتحاد الأوروبي إلى الاعتراف ضمنياً بـ”هيئة تحرير الشام” أو غيرها من الجماعات المسلحة، وذلك في حال توفير ضمانات أمنية تحمي المصالح الغربية.
توافق مشروط على “إعادة الإعمار”
وأكد وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي، لـ”الشرق”، أن هناك رغبة واضحة من دول الاتحاد الأوروبي في خلق بيئة مناسبة لعودة اللاجئين السوريين، لكن هذا يتطلب توافر شروط أساسية مثل سيادة القانون، ووجود حكومة شاملة، وضمان حقوق الأقليات.
وفي ما يتعلق بملف إعادة الإعمار، أشار وزير الخارجية البولندي إلى أن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي تحدثوا إلى رئيس بعثة الاتحاد في سوريا، حيث يوجد توافق على ضرورة إيجاد حلول دائمة للأزمة السورية، بما في ذلك دعم صندوق لإعادة الإعمار.
واعتبر سيكورسكي أن سوريا “بحاجة إلى تغيير جذري في نهجها السياسي، بما في ذلك قطع العلاقات مع إيران وروسيا، ليتمكن الاتحاد الأوروبي من دعم العودة الآمنة للاجئين”، إلا أن المفوضية الأوروبية أعلنت، الأربعاء، أنها ترى أن الظروف الحالية لا تزال غير ناضجة لعودة اللاجئين إلى بلادهم، رغم استعداد الاتحاد لدعم العائدين في جميع مراحل العودة.
وتُمثل المواقف حيال عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم نقطة خلافية بين الدول الأوروبية، في ظل مخاوف بشأن الاستقرار السياسي والأمني هناك.
وتُعتبر ألمانيا من أهم المعارضين لهذه العودة، وذلك لاعتمادها على الأيدي العاملة السورية، خاصة في القطاع الصحي، ما يضعها في موقف مختلف عن بولندا وإيطاليا ودول أخرى يهيمن عليها اليمين المتطرف.
وزيرة سلوفاكية لـ”الشرق”: اجتماع قريب لبحث الإعمار
من جانبها، أوضحت نائبة رئيس الوزراء ووزيرة الاقتصاد السلوفاكية دينيسا ساكوفا، في تصريحات خاصة لـ”الشرق”، أن التركيز الحالي في أوروبا ينصب على تأمين مصادر الطاقة، لافتةً إلى أن هناك توصيات ستُطرح قريباً على طاولة وزراء الاقتصاد الأوروبيين لمناقشة كيفية دعم إعادة إعمار سوريا.
وقالت ساكوفا إنه “رغم الحديث عن إعادة الإعمار، لم تتضح بعد الآلية التي ستتبعها الكتلة الأوروبية في تبني استراتيجية محددة لهذا الهدف، لكن بكل تأكيد سيعقد قريباً اجتماع بشأن إعادة الإعمار”.
وتشير التقديرات الأولية إلى أن تكاليف إعادة إعمار سوريا قد تتجاوز تريليون دولار، وهو مبلغ ضخم يعكس حجم الدمار الهائل الذي خلفته الحرب منذ عام 2011.