قالت “بلومبرغ” إن سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد يكشف ما وصفته بـ”إخفاقات” الغرب في التعامل مع الأزمات الدولية، معتبرة أن ضعف الاستراتيجيات الغربية منح خصومها، لا سيما روسيا، فرصة “لتعزيز نفوذهم”.
وأطاحت فصائل المعارضة المسلحة بقيادة “هيئة تحرير الشام”، الأسبوع الماضي، بحكم عائلة الأسد الذي استمر أكثر من 5 عقود، وشكلت إدارة جديدة، ووعدت بنظام جديد “متسامح وشامل”.
وأشارت “بلومبرغ” في تقرير، السبت، إلى أن وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي احتفل هذا الأسبوع بسقوط ما وصفته بـ”النظام القاتل” لبشار الأسد في سوريا، بصخب كان يناسب أسلوب رئيس الوزراء البريطاني الراحل وينستون تشرشل.
وقال لامي أمام مجلس العموم البريطاني: “أسد دمشق أصبح الآن جرذ دمشق، هارباً إلى موسكو وذيله بين رجليه”.
وأضاف: “الأسد ديكتاتور ومجرم، استخدم الأسلحة الكيميائية ضد الشعب السوري، ويداه ملطختان بدماء الآلاف من الأبرياء”. ورغم هذا التوصيف الحاد للأسد، لم تلعب بريطانيا أي دور في سقوطه، وفق “بلومبرغ”.
وذكرت “بلومبرغ” أنه في عام 2013، شكل التصويت البريطاني ضد قصف مخزونات الأسلحة الكيميائية للأسد “نقطة تحول” في السياسة الغربية.
وجاء هذا التصويت في وقت كان فيه الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما وضع “خطاً أحمر” ضد استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل النظام السوري، لكن الجمود البريطاني دفع أوباما للتراجع عن تنفيذ تهديده.
وتكررت الانتقادات لبريطانيا، خاصة بعد أن صوّت لامي ضد قصف تنظيم “داعش” في سوريا عام 2015، وهو ما أدى إلى تعزيز النقاش بشأن سياسة الغرب تجاه الشرق الأوسط.
وأضافت “بلومبرغ” أن “ارتباك” لامي لا يعد استثناءً، فقد كان موقفه السابق يحمل بعض المنطق، إذ كانت معاقبة الأسد دون دعم الفصائل المعارضة المسلحة له “مسألة معقدة للغاية”، لافتة إلى أن “فشل التدخلات العسكرية” الغربية السابقة في العراق وأفغانستان وليبيا، جعل الغرب يحجم عن التدخل في سوريا.
واعتبرت أن هذه الضبابية في السياسة الغربية جعلت سوريا بمثابة انعكاس لـ”فشل الغرب” في إدارة سياسة خارجية متماسكة بعد الحرب الباردة.
أخطاء غربية وتحديات سياسة خارجية
ولفتت “بلومبرغ” إلى أنه عندما تولى الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ورئيس وزراء بريطانيا السابق ديفيد كاميرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مقاليد القيادة بعد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، ورئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير، كانت الأوساط السياسية عبر الأطلسي تعتقد أن “الكبار” عادوا للحكم.
لكن تراجع كاميرون عن دعم التدخلات في ليبيا وسوريا، وقرار الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست) الذي كان قراراً مفاجئاً، أظهر ضعف القيادة في السياسة الغربية. وعلى الرغم من ذلك، بدا أن أوباما وميركل شخصيات “أكثر حكمة وثقلاً”.
ولكن وفقاً لـ”بلومبرغ”، كان ثمة خط رفيع بين التفكير المتأني والتردد المزمن، وهو ما اجتازه كل من أوباما وميركل، ما أدى إلى تداعيات خطيرة على السياسة الغربية.
وفي وقت تردد أوباما، تمكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من الدخول إلى سوريا بشراكة مع إيران ليحمي الأسد، ويستفيد من قواعد بحرية في البحر الأبيض المتوسط.
وفي نفس الفترة، وخلال زيارة إلى البيت الأبيض، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينج عن عدم نيته بناء جزر اصطناعية في بحر الصين الجنوبي لتمديد نفوذ بلاده البحري، لكن عند عودته إلى بكين، لم يفِ الرئيس شي بوعده ولم تواجه الإدارة ذلك بأي عقوبات. ومع تشجيع ذلك، بدأ شي يصر بشكل متزايد على مطالبه بشأن السيادة على تايوان.
سياسة برلين والتمكين الروسي
واعتبرت “بلومبرغ” أن فترة حكم ميركل تبدو “أضعف بكثير” عند النظر إليها من منظور الماضي، لافتة إلى أن المستشارة عقدت اجتماعات مع بوتين أكثر من أي زعيم غربي آخر، لكن ذلك لم ينفعها.
وذكرت أن ميركل نشأت في ألمانيا الشرقية، التي كانت يهيمن عليها السوفييت، وكانت تتحدث الروسية بطلاقة (وكان بوتين، بصفته عميلاً سابقاً في المخابرات السوفيتية في درسدن، يمكنه الرد بالألمانية).
وأدركت ميركل مدى “قسوة” بوتين من تجربة شخصية، عندما ترك عمداً كلبه الأسود الضخم “كوني” دون رسن خلال أحد اجتماعاتهما، رغم علمه بأنها تخشى الكلاب.
ومع ذلك، على الرغم من أنها كانت تتفوق على معظم السياسيين الديمقراطيين، لم تبدُ ميركل وكأنها قد فهمت بوتين.
وأدى تسويف المستشارة إلى نتيجة سيئة للغاية، ولم تدعم طلب أوكرانيا للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لكنها أيضاً لم تعترض عليه بشكل قاطع.
وفي قمة بوخارست عام 2008، قدمت صيغة تسوية تقترح أن تصبح أوكرانيا عضواً في “الناتو” في تاريخ غير محدد، وهو ما لم يمنح تلك الدولة أي أمان.
ومع ذلك، قدمت هذه الصيغة لبوتين حافزاً كبيراً للغزو قبل أن تتمكن أوكرانيا من الانضمام إلى المظلة الغربية.
وبعد تدخلاته في مولدوفا وجورجيا، أصبحت نوايا بوتين واضحة، وكان صريحاً بشكل خاص مع ميركل، بالقول: “لن تظلي مستشارة إلى الأبد، وبعدها سيصبح الأوكرانيون أعضاء في الناتو، وأنا سأمنع ذلك”. ويبدو أنها لم تستوعب الرسالة.
وبعد أن ضم بوتين شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في عام 2014، لم تحدث أي زيادة في استعداد ألمانيا للحرب، ولم تتغير الاستراتيجية.
ورغم ضغوط الولايات المتحدة وبريطانيا وبولندا ودول البلطيق، ظل الإنفاق الدفاعي الألماني منخفضاً، إذ بلغ 1.3% فقط من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021، قبل أن يعود الروس ويبدأ غزوهم لأوكرانيا. وفي الوقت نفسه، واصلت ميركل تعزيز اعتماد ألمانيا على الغاز الروسي وأغلقت محطات الطاقة النووية في البلاد.
“القوة العسكرية”
واعتبرت “بلومبرغ” أن إخفاقات القادة الليبراليين في إدارة الأزمات الدولية فتحت المجال أمام صعود نهج أشد صرامة في السياسة الخارجية.
ورجحت أن “الحملة العسكرية الناجحة” التي شنتها إسرائيل ضد جماعة “حزب الله” اللبنانية الموالية لإيران، ربما كانت “عاملاً حاسماً” في إضعاف نظام الأسد. ورغم انتقادات غربية لأساليب إسرائيل، يبدو أن نتائجها حققت أهدافها في الوقت الراهن.
في سياق آخر، تبرز آفاق عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وهو الذي أظهر في ولايته الأولى عزوفاً عن المغامرات العسكرية، مع اعتماد سياسته الخارجية على صفقات عملية، بحسب “بلومبرغ”.
ورجحت أن ترمب قد ينجح فيما فشل فيه الليبراليون الدوليون، فيما حذرت من تداعيات “الواقعية السياسية التي تغفل الجانب الأخلاقي”، مشيرة إلى ما خلّفته طموحات بوتين في سوريا من “دمار” باعتبارها دليلاً على مخاطر هذا النهج.