عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الجمعة، السياسي المخضرم والوسطي فرانسوا بايرو رئيساً جديداً للحكومة، ليصبح رابع رئيس للوزراء في فرنسا خلال عام واحد.
ويخلف بايرو، البالغ من العمر 73 عاماً، المحافظ البارز ميشيل بارنييه، الذي أطيح به الأسبوع الماضي بعد أن انضمت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان إلى المعارضة اليسارية في تصويت على سحب الثقة بسبب خلافات على الميزانية.
وذكرت “بلومبرغ” أن بايرو، قد يواجه نفس مصير بارنييه، إذ لا يزال البرلمان الفرنسي منقسماً إلى ثلاث كتل رئيسية، تضم تحالف اليسار ووسطيين محافظين، وأقصى اليمين.
وجاءت تعقيدات المشهد السياسي بالتزامن مع خفض وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني لتصنيف فرنسا، السبت، مشيرة إلى “احتمالية ضعيفة للغاية” أن تتمكن الحكومة المقبلة من تقليص العجز المالي بشكل مستدام بعد العام المقبل.
وفي الوقت الحالي، يبدو أن بايرو يحظى بدعم ضمني من حزب مارين لوبان، الذي يُعد الأكبر في البرلمان وبالتالي يمتلك نفوذاً كبيراً.
وقال بايرو عند توليه منصبه، إنه أدرك المشكلة الخطيرة المتمثلة في الدين العام في فرنسا، والحاجة إلى موافقة البرلمان على الميزانية، حسبما نقلت عنه “لوفيجارو”.
وقال إنه يريد كسر “الجدار الزجاجي” بين السياسيين والناخبين الذين فقدوا الثقة. وأضاف خلال حفل تسلم الحكومة، إن هناك حاجة إلى التوفيق بين فرنسا ومحاربة التمييز.
نفوذ محدود على اليمين المتطرف
وبعد تعيين بايرو بفترة قصيرة، قال جوردان بارديلا، رئيس التجمع الوطني اليميني المتطرف، إن حزبه لن يدعم التصويت بحجب الثقة ضد رئيس وزراء من الوسط أو اليمين، مما يمنح رئيس الحكومة الجديد ضمنياً بعض المساحة للمناورة.
وقد يكون لبايرو أيضاً بعض النفوذ مع “التجمع الوطني” بعد مساعدته لوبان عندما كانت مهددة بعدم الحصول على ما يكفي من التوقيعات من المسؤولين المنتخبين للترشح في انتخابات الرئاسة لعام 2022. وقد دعمها في تلك الانتخابات من خلال منحها توقيعه الرسمي كمسؤول منتخب، وقال حينها إن منعها من الترشح سيكون “أمراً غير ديمقراطياً”.
ولكن إذا كانت دروس التاريخ ذات مغزى، فقد يرغب رئيس الوزراء المقبل في الاستفادة من أخطاء سلفه بارنييه، الذي حاول في بداية ولايته تقديم تنازلات مهمة لمارين لوبان، قبل أن تقرر الانقلاب عليه، والتصويت على حجب الثقة ضد حكومته.
وفي الوقت نفسه، يراهن الرئيس الفرنسي على أن خبرة بايرو كمدافع عن السياسة الفرنسية الوسطية، ستتيح له بناء تحالف لتمرير الميزانية.
وستكون أول مهمة لبايرو هي تشكيل حكومة تضم شخصيات مقبولة من أكبر عدد ممكن من النواب في البرلمان، وذلك من أجل تمرير ميزانية 2025، وهي نقطة رئيسية على جدول أعماله.
ولم يغب عن بايرو، حجم التحدي الذي يواجهه، وهو رئيس حزب “الحركة الديمقراطية” الوسطي المعروف بـ”موديم”، الذي كان متحالفاً مع ماكرون في البرلمان منذ عام 2017. وقال بايرو في مراسم تسليم المنصب، الجمعة: “أنا مدرك تماماً للصعوبات الهائلة التي نواجهها”.
ولم يغير تعيين بايرو الحسابات السياسية كثيراً، إذ بقيت الأسواق في حال من الجمود إلى حد كبير. وقال ديفيد كروك، مدير التداول في شركة “لا فينانسيير دي ليشيكويه” في باريس: “إنه حدث غير مهم تماماً.. لا أحد يريد الاستثمار في فرنسا في الوقت الحالي، فقط أولئك الذين يريدون الاستفادة من انتعاش الأسواق الضعيفة في نهاية العام”.
وخفضت وكالة “موديز” تقييمها لثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو بعد ألمانيا، من Aa2 إلى Aa3، أي ثلاثة مستويات أقل من التصنيف الأعلى. وقد تم خفض تصنيف فرنسا من قبل “فيتش” و”ستاندرد آند بورز” إلى نفس المستويات.
وقالت “موديز”، إن تقديراتها تشير إلى أن المالية العامة في فرنسا ستضعف بشكل كبير في السنوات المقبلة.
على خطى ماكرون
وبايرو هو كاثوليكي ويصف نفسه بأنه تأثر بأفكار “الديمقراطية المسيحية الأوروبية”. وتم تعيينه مفوضاً للتخطيط، وهو منصب غير مدفوع الأجر في مؤسسة حكومية بحثية، وقد شغله حتى الآن. وتم تعيينه في هذا المنصب من قبل ماكرون قبل أربع سنوات. كما أنه يشغل منصب عمدة مدينة باو في جنوب فرنسا منذ عام 2014.
وتشبه مسيرة بايرو السياسية جزئياً مسار رئيسه ماكرون، إذ راهن في وقت مبكر من مسيرته على بناء قوة وسطية من خلال الاستفادة من الأحزاب التقليدية اليمينية واليسارية. ودخل الرئيس الفرنسي ماكرون قصر الإليزيه في عام 2017 بعد أن تم تمزيق النموذج القديم للصراع بين اليسار واليمين، وركّز في حملته على الوسطية كمصلح.
وكان توماس كازينوف، النائب الوسطي من حزب ماكرون، قد وصف بايرو بأنه سياسي متمرس لديه “فن التسوية”. وقال جابرييل أتال، رئيس الوزراء السابق الذي يرأس حالياً حزب ماكرون في البرلمان، عن بايرو: “في مثل هذه اللحظة الصعبة بالنسبة لفرنسا، أعلم أنه يتمتع بالصفات اللازمة للدفاع عن المصلحة الوطنية وبناء الاستقرار الحاسم الذي يريده الشعب الفرنسي”، وفق “الجارديان”.
بايرو، الذي يقول إنه يتحدث مع ماكرون عبر الهاتف حوالي ثلاث مرات في الأسبوع، دعا الفرنسيين إلى التقاعد في سنٍ متأخرة. ومع ذلك، لم يصوت لصالح إصلاح المعاشات غير الشعبي الذي اقترحه ماكرون العام الماضي، قائلاً إنه كان بحاجة إلى أن يكون أكثر طموحاً وقدرة على التغيير.
شغل بايرو منصب وزير التعليم لمدة أربع سنوات في تسعينيات القرن الماضي، تحت رئاسة جاك شيراك جزئياً.
وبرز بايرو في الانتخابات الرئاسية لعام 2002 عندما دعا إلى التصويت النسبي الأكثر تمثيلاً، كما تم تصويره في التلفزيون وهو يصفع طفلاً اتهمه بوضع يديه في جيوبه (وقال بايرو لاحقاً إنه تصرف كـ”أب جيد”).
ترشح بايرو للرئاسة في ثلاث انتخابات متتالية بدءاً من عام 2002، حيث حل في المركز الرابع في الجولة الأولى من الانتخابات بحصوله على حوالي 7% من الأصوات.
طموح الرئاسة
وبعد خمس سنوات، في عام 2007، ارتفعت بايرو من الأصوات إلى 19% من الأصوات، لكنه تراجع إلى 9% في عام 2012. وفي ذلك العام، قال إنه سيصوت لصالح مرشح الحزب الاشتراكي فرانسوا هولاند في الجولة الثانية لمنع الرئيس المحافظ نيكولا ساركوزي، الذي اتهمه الوسط بتأجيج المخاوف بشأن الهجرة وانعدام الأمان. ومنذ ذلك الحين، كانت علاقتهما متوترة.
وخلال حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2017، وبعد أن قارن ماكرون بساركوزي واصفاً إياه بأنه مرشح “عالم المصالح الكبرى والمال”، دعم بايرو ماكرون وتم تعيينه وزيراً للعدل في حكومته الأولى. وتم استبداله بعد شهر بسبب تورطه في قضية أخلاقية. وتم تبرئته في فبراير في القضية التي استمرت سبع سنوات بشأن التوظيف الاحتيالي لمساعدين برلمانيين من قبل حزبه، مما مهد الطريق لعودته إلى الحكومة.
ولطالما دعا بايرو إلى التصويت النسبي في الجمعية الوطنية لنقل المزيد من السلطة من باريس إلى باقي البلاد.
ولم يتخل بايرو عن طموحاته الرئاسية. وعندما سُئل في 2023 عن الانتخابات الرئاسية المقبلة، عندما لا يستطيع ماكرون الترشح لولاية ثالثة متتالية، قال إن لولا دا سيلفا لولا تم انتخابه رئيساً للبرازيل في السابعة والسبعين من عمره. وسيكون عمر بايرو 76 عاماً في 2027.