تركت الإطاحة السريعة بالرئيس السوري بشار الأسد السوريين ودول المنطقة والقوى العالمية الثلاثاء، في حالة من التوتر بشأن ما قد يحدث بعد ذلك في وقت اتخذ فيه تحالف المعارضة خطواته الأولى في عملية انتقال الحكم.
وبينما لا تزال الأجواء الاحتفالية سائدة في دمشق، اجتمع قائد إدارة العمليات في سوريا أحمد الشرع، المعروف بـ”أبو محمد الجولاني”، الاثنين، مع رئيس حكومة الإنقاذ محمد البشير، ورئيس الوزراء في حكومة الأسد محمد الجلالي، لتنسيق انتقال السلطة بما يضمن تقديم الخدمات للشعب السوري.
وقال الشرع: “لن نستغني عن الحالة القديمة ومن الضروري الاستفادة من وجودهم”.
وأكد رئيس الوزراء السوري السابق أنه “وافق على تسليم السلطة إلى حكومة الإنقاذ التابعة لفصائل المعارضة المسلحة”.
وقال مصدر مطلع على المناقشات لـ”رويترز”، إن الجولاني، عقد اجتماعاً مع الجلالي ونائب الرئيس فيصل المقداد لمناقشة الترتيبات الخاصة بحكومة انتقالية. وذكر الجلالي أن عملية تسليم السلطة قد تستغرق أياماً.
وقال عبد القادر عزوز، المستشار برئاسة الوزراء السورية، الاثنين إن الحكومة تريد انتقالاً سلمياً سريعاً للسلطة في سوريا وطي صفحة الماضي.
اجتماع بمجلس الأمن
وعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعاً مغلقاً في ساعة متأخرة من مساء الاثنين، وقال دبلوماسيون إنهم ما زالوا في حالة صدمة من السرعة التي تم بها الإطاحة بالأسد على مدى 12 يوماً، بعد حرب أهلية استمرت 13 عاماً وظلت في حالة جمود لسنوات.
وقال السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا للصحافيين بعد اجتماع المجلس “لقد فوجئ الجميع، الجميع، بما في ذلك أعضاء المجلس. لذلك يتعين علينا أن ننتظر ونرى ونراقب … ونقيم كيف سيتطور الوضع”.
ولعبت روسياً دوراً رئيسياً في دعم حكومة الأسد ومساعدتها في قتال قوات المعارضة. وغادر الأسد دمشق إلى موسكو الأحد، منهياً حكم عائلته الذي واستمر أكثر من 50 عاماً.
والهجوم السريع الذي نفذته قوات المعارضة المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام، التي كانت مرتبطة في وقت سابق بتنظيم القاعدة، هو أحد أهم نقاط التحول في منطقة الشرق الأوسط.
وأسفرت الحرب الأهلية التي اندلعت في عام 2011 عن سقوط مئات الألوف من الأشخاص، وتسببت في واحدة من أكبر أزمات اللاجئين في العصر الحديث، وتعرضت فيها المدن للقصف، وأصبحت مساحات شاسعة من الريف مهجورة، وانهار الاقتصاد بسبب العقوبات الدولية.
وارتفعت أسعار النفط بأكثر من واحد بالمئة الاثنين. وبحسب محللين، يرجع ذلك بقدر ما إلى مخاوف من أن حالة الضبابية في سوريا، وهي ليست منتجاً رئيسياً للنفط، قد تؤدي إلى زيادة عدم الاستقرار بالمنطقة.
واشنطن تسعى للتواصل مع المعارضة المسلحة
وقال نائب السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة روبرت وود في نيويورك “هذه لحظة لا تصدق للشعب السوري. والآن نركز حقاً على محاولة معرفة إلى أين يتجه الوضع. هل يمكن أن تكون هناك سلطة حاكمة في سوريا تحترم حقوق وكرامة الشعب السوري؟”
وقالت واشنطن إن الولايات المتحدة تسعى إلى إيجاد سبل للتواصل مع الجماعات المعارضة السورية، وتتواصل مع شركاء في المنطقة مثل تركيا لبدء دبلوماسية غير رسمية.
وقال مسؤول مطلع على التطورات لرويترز إن دبلوماسيين قطريين تواصلوا مع هيئة تحرير الشام الاثنين، وذلك في وقت تسارع فيه دول المنطقة لإقامة اتصالات مع الجماعة.
“إدارة مدنية للبلاد”
وأعرب بعض مقاتلي المعارضة الذين تجمهروا في العاصمة دمشق الاثنين، وتجمعوا في ساحة الأمويين بوسط المدينة عن أملهم في أن تتولى إدارة مدنية إدارة البلاد قريباً.
وقال فردوس عمر، وهو مقاتل يتطلع الآن إلى العودة إلى عمله مزارعاً في محافظة إدلب “نريد أن تتولى الدولة وقوات الأمن المسؤولية”.
وتعهد الجولاني بإعادة بناء سوريا، وقضت هيئة تحرير الشام سنوات في محاولة تحسين صورتها لطمأنة الدول الأجنبية والأقليات داخل سوريا.
لكن المخاوف من الانتقام لا تزال قائمة. وقالت هيئة تحرير الشام إنها لن تتردد في محاسبة ضباط الأمن والجيش المتورطين في تعذيب أفراد الشعب السوري، ووصفتهم بالمجرمين والقتلة.
وقال الجولاني في بيان “لن نتوانى عن محاسبة المجرمين والقتلة وضباط الأمن والجيش المتورطين في تعذيب الشعب السوري… سنعلن عن قائمة رقم 1 تتضمن أسماء كبار المتورطين في تعذيب الشعب السوري”.
وأضاف “سنقدم مكافآت لمن يدلي بمعلومات عن كبار ضباط الجيش والأمن المتورطين في جرائم حرب”.
وفي ظل تصنيف الجماعة منظمة إرهابية من قبل العديد من الدول والأمم المتحدة، فإن أوراق اعتمادها كسلطة حاكمة غير مؤكدة.
وقال السفير السوري لدى الأمم المتحدة قصي الضحاك للصحافيين “السوريون يتطلعون إلى إقامة دولة الحرية والمساواة وسيادة القانون والديمقراطية، وسوف نشارك في جهود إعادة بناء بلدنا، وإعادة بناء ما دمر، وإعادة بناء المستقبل، مستقبل أفضل لسوريا”.
بدء عودة الحياة لطبيعتها
وهناك مؤشرات أولية على عودة النظام إلى طبيعته. وستفتح البنوك السورية أبوابها الثلاثاء، ودعت وزارة النفط جميع العاملين في القطاع إلى التوجه إلى العمل الثلاثاء، مضيفة أنه سيتم توفير الحماية لهم لضمان سلامتهم.
وفي واحدة من التحديات العديدة التي تواجه سوريا، احتلت إسرائيل منطقة عازلة في جنوب البلاد، وهي الخطوة التي نددت بها مصر وقطر والسعودية. وقالت الرياض إن هذه الخطوة من شأنها “تخريب فرص استعادة سوريا لأمنها واستقرارها ووحدة أراضيها”.
وقالت إسرائيل إن غاراتها الجوية ستستمر لأيام لكنها أبلغت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أنها لا تتدخل في الصراع السوري.
وأضافت أنها اتخذت “إجراءات محدودة ومؤقتة” لحماية أمنها فقط، وفق زعمها.