في الذكرى العاشرة لرحيل الكاتبة رضوى عاشور (1946 ـ 2014)، مؤلفة “الطنطورية” و”ثلاثية غرناطة”، أقام المركز القومي للترجمة في مصر، مؤتمر “رضوى عاشور وهرمنيوطيقا الترجمة”.
تحدثت الدكتورة كرمة سامي، رئيسة المركز عن مسيرة مبدعة كبيرة وأستاذة جامعية ومترجمة، “أثرت الثقافة العربية طوال أربعين عاماً، وانحازت دائماً للمهمّشين ضد القهر”.
وقالت: “عشر سنوات على رحيل رضوى التي منحت المقهورين أجنحة. عشر سنوات تحمل رضوى سراجها بين المعاني”.
شارك في المؤتمر بأوراق بحثية ومداخلات، عدد كبير من أساتذة الأدب والنقد في الجامعات المصرية، ومنهم أحمد درويش، فاتن مرسي، بهاء مزيد، واعتدال عثمان.
ثلاثية غرناطة
تتألف من ثلاث روايات هي: غرناطة، مريمة، والرحيل. وتدور أحداث الثلاثية في مملكة غرناطة بعد سقوط جميع الممالك الإسلامية في الأندلس.
تبدأ من عام 1491، مع إعلان المعاهدة التي تنازل بمقتضاها أبو عبد الله محمد، آخر ملوك غرناطة، عن ملكه لملكي قشتالة وأرغون، وتنتهي بمخالفة آخر أبطالها الأحياء لقرار ترحيل المسلمين، حينما يكتشف أن الموت في الرحيل عن الأندلس وليس البقاء.
صدر الجزء الأول والثاني عامي 1994و 1995، وتوالت بعدها طبعاتها. وعام 2003، ترجمها ويليام غرانارا أستاذ اللغة العربية في جامعة هارفارد، إلى اللغة الإنجليزية.
طوال ثلاثين عاماً، حظيت “ثلاثية غرناطة” باهتمام نقدي وجماهيري لافت، وتناولتها سحر عبد العليم، أستاذ الأدب الأندلسي، بوصفها ملحمة سردية إنسانية، تجمع بين “العزّة والحسرة والاستسلام”.
واختارت عاشور ألا تعيد اجترار قصّة سقوط الأندلس عبر أعين التاريخ، وسرد الوقائع الكبرى، وإنما من خلال موقع المهمّشين المتأثرين بها، والتركيز على أشد التفاصيل بساطة واعتادية.
إهداء إلى مريد البرغوثي
تعتبر “الطنطورية” من أعمال رضوى الأخيرة، أهدتها إلى زوجها الشاعر الراحل مريد البرغوثي، وهي رواية ضخمة تقترب من 500 صفحة.
تبدأ بالذات الأنثوية البطلة “رقية” بنت قرية “الطنطورة” في فلسطين، وتروي قصّة عائلتها بين 1947و 2000.
رحلة تقارب ستين عاماً من حياة وادعة بالقرب من البحر، ثم الاقتلاع من أرض الآباء، وارتكاب مجزرة بعد اجتياح العصابات الصهيونية للقرية، لتعيش الأسرة أجواء النكبة، تليها تجارب اللجوء في لبنان، في ظل الحرب الأهلية، كما تنتقل خريطة اللجوء إلى الإمارات ومصر.
كأن الرواية توثّق للذاكرة العربية ضدّ الإبادة والتأريخ المزيف، والجراح التي لم تندمل بعد، وتروي “رقية” كل شيء إلى ابنها، كأنها تسلّمه الأمانة في نهاية الرحلة.
وعلى الرغم من أن رضوى مولودة في حي المنيل القاهري، لكن بفضل زواجها من كاتب وشاعر فلسطيني رفيق دربها لعقود، واهتمامها الخاص بالقضية الفلسطينية، توفّر لها كنز من المعارف التاريخية والاجتماعية المتعلقة بفلسطين، والوعي باللهجة العامية للشعب الفلسطيني، ومفردات الحياة تحت الاحتلال.
وفي ورقته البحثية، قارن د.مصطفى رياض، بين النصّ العربي الأصلي للرواية والترجمة الإنجليزية، لاستكشاف معالجة المترجمة للإشارات الثقافية والتلميحات والصور، وخصوصاً التي تخصّ التقاليد الفلسطينية.
وبصفة عامة، فإن المترجمة تنقّلت بين الترجمة الدقيقة التي تصوّر الحياة الفلسطينية، إلى ترجمة حرّة في أحيان أخرى، حين تواجه فجوات، وترغب في أن تجعل قراءة النص سهلة للقارئ الأجنبي.
وبرّر رياض ذلك، بأن الترجمة هي فن التقريب، وبعض فقدان المعنى أمر لا مفرّ منه عند نقل نص من لغة وثقافة إلى أخرى.
ترجمة حمّالة أوجه
انحاز المؤتمر إلى فعل الترجمة، سواء فيما يخصّ نصوص رضوى الإبداعية أو جهودها كمترجمة، ومن ذلك ورقة الدكتورة شيرين جمال الدين عن الترجمة، كفعل وجودي في سرديات عاشور، ومقاومة العالم وإدراكه في آن.
وفي تعليقه على مقالاتها، قال الدكتور شكري مجاهد: “للنظر في ترجمات رضوى عاشور عموماً، ولنفسها خصوصاً مفتاحان: أوّلهما التحرّر من إسار أدوات النص الإنجليزي، وصبّ الاهتمام على رسالة النصّ، واختيار التفاصيل التي تمثّله وفق أعراف القراءة العربية”.
أضاف: “أما الثاني فهو مفهوم الجدوى كمعيار، يحكم اختيار ما يرد في النص العربي من النص الإنجليزي”.
كما ناقشت الدكتورة نهلة راحيل، أفكار الكاتبة الراحلة، بخصوص الترجمة من خلال مقدّمتها وترجمتها لأحد أجزاء موسوعة “كمبريدج” في النقد الأدبي.
بينما تطرّقت الدكتورة دعاء نصر، إلى مفهوم “الترجمة الذاتية” في إبداعها، حيث صنعت لنفسها ذكراً كي تحيا بيننا عمراً ثانياً.
وفي رواية “الرحلة”، نلتقي رضوى الطالبة التي ارتحلت إلى أميركا وتأمّلاتها كمغتربة، تتحضّر لنيل درجة الدكتوراه، وفي “أطياف” تستعرض وقائع حياتية عاشتها، وأخرى تمنّت أن تعيشها من خلال قناع أستاذة التاريخ.
أما “قطعة من أوروبا”، فهي قطعة من رضوى، نشأتها وطفولتها وشبابها، وهي رواية مثقلة بتاريخ وسط البلد محلّ نشأتها، وكيف عاش والداها وجيرانها، وتقول: “أنا الناظر… لأن مهمتي النظر، أنقل عبر حكايتي، ما نظرت إليه من نظر العين والقلب، أي ما رأيته بالبصر والبصيرة”.
واختتمت ترجمتها الذاتية لنفسها في كتابيها “أثقل من رضوى”، و”الصرخة”، وهما من أجمل ما كتب في أدب السيرة العربية.
وناقشت د.نرمين الشرقاوي، الاشتباك بين السيرة وأدب الرحلة، بالتطبيق على رواية “الرحلة” التي صدرت طبعتها الأولى عام 1983، وحملت عنواناً جانبياً “أيام طالبة مصرية في أميركا”.
عبور إلى الذات
تنوّعت مداخل النقّاد إلى مشروع رضوى عاشور، مبدعة ومترجمة وأكاديمية مرموقة، اشتبكت دائماً مع الهم العام، ويلاحظ دائماً ذلك التداخل بين الخاص والإنساني وبين العام والإبداعي، من ثم تطرّقت الدكتورة غادة سويلم، إلى “المِحن” بوصفها “ممر عبور إلى الذات”، كما تبدّت في سيرتها “أثقل من رضوى”.
وفي لحظة فارقة ينوء الإنسان بأحماله، وتستحوذ عليه الرغبة في البوح والتخفّف من أعباء النفس، وترجمة مشاعر شديدة الخصوصية وتجارب مؤلمة مثل: السجن والفقد والمرض. ليصبح اختبار تلك المحن بمثابة عبور مزودج من الذات وإليها، ما يجعل الكاتبة أكثر تصالحاً مع ضعفها وآلامها، وأكثر براعة في توظيف الحيل السردية للتعبير عن نفسها.
ومن واقع أوراق النقّاد، يتبيّن أن مشروع رضوى عاشور تمركز حول ثلاثة مفاهيم: الهوية كصيرورة متغيّرة عبر الزمن، والذات عبر رحلة البحث والاكتشاف والخلاص، والمقاومة كفعل ثقافي، وهو المفهوم الذي ناقشته الدكتورة ندى حجازي، إذ إن بحث رضوى في التاريخ الشخصي والعربي، لم يكن مجرد اجترار له، وإنما انشغلت بتحليله واستخلاص الدروس منه، ومنح الصوت لمن لا صوت له.