حصلت أورسولا فون دير لاين، الأربعاء، على تأييد البرلمان الأوروبي للتشكيل الجديد للمفوضية الأوروبية برئاستها لتبدأ بذلك ولايتها الثانية في ديسمبر المقبل، في وقت يترقب فيه التكتل عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب وأجنداته الصدامية، خاصة في المناخ والدفاع.
وأيدت أغلبية من نواب البرلمان الأوروبي التشكيل الجديد للذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي برئاسة فون دير لاين. وصوت 370 نائباً بالموافقة على التشكيل الجديد مقابل 282 صوتاً معارضاً.
وكشفت “فاينانشيال تايمز” أن ما يقرب من نصف المفوضين البالغ عددهم 27، بما في ذلك فون دير لاين، من يمين الوسط، وواحد محافظ للغاية وواحد من أقصى اليمين.
وسيحتاج الذراع التنفيذي للاتحاد الأوروبي، المكلف بتجديد القدرة التنافسية للتكتل، أولاً إلى معرفة ما إذا كان سيكون قادراً على تعزيز الدعم المالي والعسكري لأوكرانيا، إذا سحب ترمب المساعدات الأميركية. ومع مخاطر مواجهة تجارية مع بكين، فقد يضطر إلى التعامل مع مواجهة أخرى مفتوحة مع واشنطن.
ويتولى فريق دير لاين الجديد المسؤولية في الوقت الذي يكافح فيه العديد من الزعماء السياسيين التقليديين في الاتحاد الأوروبي، وخاصة في ألمانيا وفرنسا، للبقاء في السلطة ومواجهة صعود القوى الشعبوية.
وقال مسؤولون في الاتحاد الأوروبي إن هذه الديناميكيات قد تنتهي إلى منح فون دير لاين نفوذاً إضافياً، وفق “بلومبرغ”.
وصرح مانفريد ويبر، زعيم حزب الشعب الأوروبي من يمين الوسط، للصحافيين الثلاثاء، أن التصويت من شأنه أن يثبت “استقرار” القيادة السياسية في الاتحاد الأوروبي بعد الانتخابات التي جرت في يونيو الماضي، والتي تحول فيها الناخبون إلى اليمين.
مفوضية تحت سيطرة اليمين
ويمثل اليمين المتطرف ثالث أكبرى قوة سياسية في برلمان الاتحاد الأوروبي، يليه مجموعة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين والتي تضم “إخوة إيطاليا” بزعامة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني. وسيكون لكل من المجموعتين الآن مفوض، إلى جانب 13 من حزب الشعب الأوروبي، بما في ذلك فون دير لاين.
ومن المتوقع أن تكون تيريزا ريبيرا، الاشتراكية الإسبانية التي ستتولى حقيبة واسعة تشمل المنافسة والتحول المناخي، واحدة من أكثر نوابها نفوذاً.
وسيكون ستيفان سيجورن الفرنسي نائباً للرئيس مسؤولاً عن السياسة الصناعية. ومن المقرر أن تصبح كايا كالاس من إستونيا المسؤولة عن السياسة الخارجية للكتلة.
ومن المقرر أن يواصل ماروس سيفكوفيتش، الدبلوماسي السلوفاكي مهامه مسؤولاً عن التجارة والأمن الاقتصادي والعلاقات بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا. وستتولى وزيرة المالية البرتغالية السابقة ماريا لويس ألبوكيرك ملف الخدمات المالية.
ونقلت “بلومبرغ”، أن إحدى أصعب تحديات المفوضية ستكون التوصل إلى ميزانية طويلة الأجل للفترة 2028-2034، والتي من شأنها أن تحظى بدعم إجماعي من زعماء الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين.
وقالت فون دير لاين، وهي وزيرة الدفاع الألمانية السابقة، إن الأولوية الشاملة للسنوات الخمس المقبلة ستكون تعزيز إنتاجية التكتل، في ظل السباق العالمي ضد الشركات الأميركية والمنافسة العدوانية من الصين.
إلى جانب البرتغالي أنطونيو كوستا، الرئيس القادم للمجلس الأوروبي، سيتعين على فون دير لاين إيجاد طريقة لإقناع الدول المحافظة مالياً بتقديم الأموال لتغطية فجوة الاستثمار السنوية التي تبلغ حوالي 800 مليار يورو للاحتياجات بما في ذلك الدفاع وتطوير التكنولوجيا النظيفة، وفقاً لتقديرات رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق ماريو دراجي.
“ائتلاف هش”
وفي وقت سابق، هدد الخضر وحزب التجديد الليبرالي والاشتراكيون بمنع الموافقة على تعيين أوليفر فاريلي من المجر ورافائيل فيتو من إيطاليا، لكنهم تراجعوا في النهاية. سيكون فيتو، المسؤول عن الإنفاق الإقليمي، أحد نواب الرئيس الستة. سيكون فاريلي مفوضاً للصحة، وفق “بلومبرغ”.
وبدوره، هدد التمرد اليساري تعيين الإسبانية تيريزا ريبيرا، التي ستتولى حقيبة المنافسة ومكافحة الاحتكار القوية. عانت الاشتراكية، التي تشغل حالياً منصب وزيرة البيئة الإسبانية، من أوقات صعبة، بعد معارضة حزب الشعب الأوروبي بسبب مسؤوليتها المزعومة عن مئات الوفيات في الفيضانات.
ولا يزال بعض المشرعين قلقين من أن فون دير لاين شكلت فريقها بطريقة غير توافقية قد تؤدي إلى صدمات، ما يعني صعوبة في اتخاذ القرارات النهائية، وفق “فاينانشيال تايمز”.
في ولايتها الأولى، وسعت فون دير لاين سلطة منصبها، حيث قادت استجابة قوية لفيروس كورونا، ورسمت استجابة الكتلة القوية لغزو روسيا لأوكرانيا.
وفي ولايتها الثانية التي تستمر 5 سنوات، من المرجح أن تحتاج فون دير لاين إلى الاعتماد بشكل أكبر على فريقها لتولي زمام المبادرة بشأن كيفية تعزيز القدرة التنافسية لأوروبا، كما حذر دبلوماسي من الاتحاد الأوروبي لـ”بلومبرغ”.
وتعهدت فون دير لاين في سبتمبر الماضي، بأن يتحمل كل مفوض “مسؤولية متساوية” عن تحقيق الأولويات، “لأن ما يؤثر على الأمن يؤثر على الديمقراطية، وما يؤثر على الاقتصاد يؤثر على المجتمع، وما يؤثر على المناخ والبيئة يؤثر أيضاً على الناس والأعمال”.
تعزيز الدفاع وخفض الهجرة ودعم أوكرانيا
وتعهدت بتعزيز صناعة الدفاع في الاتحاد الأوروبي وتحسين القدرة التنافسية للكتلة وسط مخاوف واسعة النطاق بشأن التوترات التجارية العالمية التي أثارها عودة ترمب إلى البيت الأبيض في يناير.
كما وعدت بخفض الهجرة والوقوف إلى جانب أوكرانيا على الرغم من علامات تراجع الدعم في بعض دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، والحفاظ على انتقال الطاقة الخضراء الذي كان السياسة المميزة لولايتها الأولى في المنصب.
وأقنع هذا التعهد، وتعيين زعيم حزب الخضر السابق فيليب لامبرتس هذا الأسبوع كمستشار لها، أغلبية أعضاء البرلمان الأوروبي بدعمها. وسيعمل لامبرتس مع المنظمات غير الحكومية على تحقيق هدف الاتحاد الأوروبي المتمثل في الحياد المناخي بحلول عام 2050.
ووصفت فون دير لاين الخضر بأنهم “جزء من الأغلبية المؤيدة لأوروبا” في البرلمان والتي تريد الاستمرار في العمل معها للوصول إلى أهداف المناخ في الكتلة وخفض البيروقراطية.
لكن هذه السياسات أصبحت غير شعبية بشكل متزايد مع صراع الكتلة مع النمو البطيء وإزالة الصناعة والركود السياسي.
ونقلت “بلومبرغ” أن زعماء أقوى دولتين في الاتحاد الأوروبي، أولاف شولتز وإيمانويل ماكرون، غير محبوبين بشدة ويرأسان حكومات ضعيفة، مع الانتخابات المبكرة المقرر إجراؤها في ألمانيا في فبراير، وفي فرنسا في وقت لاحق من العام المقبل.
وأضافت أن تعهد ترمب بفرض رسوم جمركية على جميع الواردات من شأنه أن يختبر وحدة الكتلة بشكل أكبر في الوقت الذي تكافح فيه لمواجهة زيادة في الواردات الرخيصة من الصين.
وقال نيكولاي فون أوندرزا، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن الأغلبية اليمينية في جميع مؤسسات الاتحاد الأوروبي تجعل من الصعب على يسار الوسط والخضر تنظيم أي معارضة ذات مغزى.
وأضاف: “أتوقع منهم الاحتجاج بصوت عالٍ في الأماكن العامة، لكنهم ما زالوا يسعون جاهدين لإيجاد أغلبية مع حزب الشعب الأوروبي في الممارسة العملية”.