قطعنا ثلاث دول في سبعة أيام دون أن نشعر أننا ننتقل من حدود. في كل مرة كنا نمر بجانب لافتة صغيرة على جانب الطريق تعلن أننا وصلنا إلى دولة جديدة. فقط المناظر المتغيرة ببطء على طول الرحلة كانت تشير إلى أن لابلاند هي منطقة متنوعة جدًا.
تغيرت سهول الثلوج التي استقبلتنا في شمال فنلندا إلى قمم مغطاة بالثلوج في الأجزاء الجبلية من السويد. ثم وقفنا مندهشين أمام الفيورود في أقصى شمال أرض السلمون – النرويج. لكن ليلة واحدة، تلك الليلة. كانت حقًا لا تُنسى.
كان لدي حلمان أريد تحقيقهما في هذه الرحلة: مشاهدة العرض السماوي للظاهرة الشمالية – الأضواء الشمالية، والوصول إلى الفيورود – اللسان الرائع للمحيط الذي يمتد داخل اليابسة محاطًا بسلاسل جبال ضخمة ومناظر درامية. وقد حققت كلاهما في ليلة واحدة.
**الطبيعة كبيرة ومثيرة والإنسان مشغول بالحدود**
في الشتاء الماضي، انضممت إلى رحلة “تحدي الجليد” التي تعبر فنلندا والسويد والنرويج عبر سيارات الدفع الرباعي – رحلة قامت بها شركة ماجما إلى ما وراء الدائرة القطبية، في لابلاند.
انطلقت مع 24 مشاركًا رائعًا وأربعة أفراد طاقم محترف وذو خبرة كبيرة. كنت أعتقد أن التحدي الأكبر في الرحلة سيكون القيادة الذاتية لمسافة 1850 كيلومترًا في أسبوع واحد، ولكن في الحقيقة، لم تكن مهمة معقدة بشكل خاص: كانت السيارات مجهزة بالتدفئة، والمناظر التي كانت تمر أمام أعيننا مذهلة، ولم أشعر في أي مرحلة بالملل من المشاهد. على العكس، تم تسجيل عدد لا يحصى من الصور في ذاكرتي مع لحظات عديدة من “واو”، “واو”، “واو” تلاها “واو” آخر.
تتضمن منطقة لابلاند مناظر خلابة – غابات دائمة الخضرة وصحاري جليدية، أنهار وبحيرات متجمدة، شلالات متدفقة، سلاسل جبال هائلة، سماء زرقاء-خضراء وغروب لا ينتهي. كثيرًا ما تساءلت، ما هو الكائن الغريب الذي يُدعى إنسان: الطبيعة كبيرة ومثيرة، والإنسان مشغول بالقوة والحدود، كما لو أن النهر أو الغابة تهتم إن كان فنلنديًا، سويديًا أو نرويجيًا.
كما أن الطقس البارد لم يزعجنا كثيرًا. بعد عدة ساعات من الهبوط، حصلنا على معدات غطتنا – من الرأس إلى القدم، فالبرودة لا تتغلغل في بدلات الثلج الاحترافية التي ارتديناها حتى في درجات حرارة تحت الصفر تصل إلى 30.
لم يتبقَ سوى الأمل في أن نحظى بمشاهدة عرض الأضواء الشمالية، والتغلب على تحدٍ لا نملك السيطرة عليه – الطقس. لرؤية ذلك، يجب أن تتوفر شرطين: تدفق الجزيئات من الشمس، وظلام تام. حتى عندما يتوفر كلاهما، يكفي وجود سحابة مشاغبة لتعكر الصفو – ولن يكون هناك أضواء.
في مثل هذه الرحلة، الاحتمالات تكون في صالحنا، بفضل الموقع الجغرافي الشمالي للغاية، وحقيقة أننا متنقلون ومرنون مع السيارات المتاحة. لكن غيل، الذي كان يقود الرحلة، كان حريصًا على خفض التوقعات وتركنا جميعًا في حالة من التوتر: “ليس في كل رحلة تُرى الأضواء. دعونا نأمل في الأفضل”، قال مرارًا وتكرارًا بابتسامة ماكرة.
**فرحة الاكتشاف**
على مدار الرحلة، شعرت وكأنني مكتشف صغير في نهاية العالم.
ليس شجاعًا، أو بطلًا كبيرًا، وبالتأكيد ليس مغامرًا مثل المكتشف اليوناني “بيثياس”، الذي يُعتقد أنه وصل إلى الدائرة القطبية قبل حوالي 2300 سنة، وكان هو الشخص الذي أعطى المنطقة اسمها اللاتيني “أولتيما تولى” والذي يعني “الحدود الأخيرة”.
إنه يبدو حقًا وكأنه نهاية العالم.
بجانب حقيقة أنني أكتشف الدائرة القطبية براحة غير عادية: سيارات الدفع الرباعي المريحة، الطرق السهلة، الطعام اللذيذ، وأماكن الإقامة الرائعة، في النهاية، رأيت أيضًا عرضًا طبيعيًا لم يشهده بيثياس المكتشف – الأضواء الشمالية. السبب في ذلك بسيط: فقد وصل “بيثياس” اليوناني إلى القطب الشمالي في الصيف. في موسم عندما تغرب الشمس أخيرًا، تكون قريبة من الأفق وتضيء السماء بضوء الشفق. لذلك، في الواقع، الصيف في لابلاند يتميز بأيام طويلة وليالي مضيئة، وعندما لا تكون السماء مظلمة بما فيه الكفاية، لا توجد فرصة لرؤية الأضواء القطبية.
**عندما تتحول السماء إلى شاشة ملونة**
في اليوم الرابع من الرحلة، وصلنا إلى شمال النرويج، إلى “ملنغان” – قرية نرويجية صغيرة تقع على ضفاف فيورده المثالي. بعد ساعتين من حلول الظلام، نزلنا إلى الشاطئ. كانت أمواج البحر تكاد تلامس أقدامنا، وغطتنا جبال مغطاة بالثلوج من جميع الجهات، وكانت عيوننا مشدودة إلى السماء المليئة بالنجوم. ثم حدث ذلك. ظهرت الأضواء، وفتحت في لحظة العرض المميز الذي رأيته في حياتي – رائع، مثير، ملون، وعجيب.
تتميز عروض الأضواء بتنوعها: من بقع مضيئة، إلى خطوط، وشلالات، وشاشات من الأضواء، وصولًا إلى أشكال ونيران. وقد تمكنا جميعًا من رؤيتها في ليلة واحدة. وماذا عن القمر؟ في مرحلة ما، أيضًا ارتفع فوق الأفق وانضم إلى الاحتفال – مضيفًا لونًا أزرق لطيفًا بين خطوط الأضواء التي لم تتوقف عن التحرك.
كم من القوة في هذا العرض البصري. لا يمكن وصفه.
**كيف تحدث ظاهرة الأضواء؟**
تعود الكثير من الظواهر التي نراها في سماء الليل إلى تركيبة خصائص الغلاف الجوي والمجال المغناطيسي. أولها هي الأضواء الشمالية (أو الجنوبية)، التي تحدث نتيجة تصادمات بين جزيئات مشحونة كهربائيًا، وجزيئات موجودة في الجزء العلوي من الغلاف الجوي تُعرف باسم “الأيونوسفير”. تسبب التصادمات في تنشيط الجزيئات وعند تفككها تصدر ضوءًا. تختلف الألوان ومدة الظاهرة وفقًا لنوع وكثافة الجزيئات المنشطة.
تمتلك الأرض مجالًا مغناطيسيًا مصدره غير مؤكد. يُعتقد أنه مرتبط بنواة الحديد والتيارات الموجودة فيها. المنطقة التي يسيطر عليها المجال المغناطيسي للأرض تُعرف بـ “المغناطوسفير”. وهي ليست كروية، بل تمتد نحو 65000 كيلومتر تجاه الشمس والعديد منها بعيدًا عن الاتجاه المعاكس.
تقوم خطوط المجال المغناطيسي للأرض بـ “توجيه” الجزيئات المشحونة كهربائيًا على طولها. والنتيجة هي تركيز الجزيئات حول الأقطاب المغناطيسية، حيث تكون خطوط المجال أكثر كثافة. مصدر معظم الجزيئات المشحونة هو الشمس، لذلك تزداد الأضواء في أوقات النشاط الاستثنائي (الانفجارات) للشمس.
لحسن حظنا، كانت الشمس في العام الماضي في ذروة دورة نشاطها، ولذلك حتى الفريق الذي شهد الكثير في حياته، لم يعرف نفسه من فرط الإثارة. “لا ترى عروض أضواء كهذه في كل رحلة إلى لابلاند. لقد كنا محظوظين”، قال غيل. إذا كنت قد رأيت وجهه في تلك الليلة، لعرفت أنه كان يقصد كل كلمة.
———-
ماذا تبقى لي لأطلب؟ رحلة في الفضاء بالتأكيد يمكن أن تكون الحلم التالي. لدي أمل أن أحقق ذلك يومًا ما. في هذه الأثناء، أعيش اللحظات التي زودني بها الحياة وأحتضنها بقوة إلى قلبي.