تسعى المرشحة الديمقراطية لانتخابات الرئاسة الأميركية ونائبة الرئيس كامالا هاريس، ومنافسها الجمهوري دونالد ترمب للوصول إلى الناخبين الشباب من خلال منصة “تيك توك”، وهي استراتيجية تعكس مدى تأثير الثقافة الرقمية على السياسة الحديثة، في ظل التنافس الشديد بين المرشحين في المراحل النهائية من سباق البيت البيض، وفق صحيفة “فاينانشيال تايمز”.
وأشارت الصحيفة البريطانية في تقرير، الخميس، إلى أنه على الرغم من وصف السباق الرئاسي في 2016 بـ”انتخابات فيسبوك”، إذ استخدمت الحملات والناخبون منصة التواصل الاجتماعي بكثافة آنذاك، باتت منصة “تيك توك” هي المفضلة في المعركة الدائرة بين هاريس وترمب لجذب الناخبين الأصغر سناً عبر الإنترنت في انتخابات هذا العام.
ونقلت الصحيفة عن لارا كوهين، وهي رئيسة قسم صناعة المحتوى في شركة Linktree التي عملت على العديد من مبادرات حض الناخبين على التصويت، قولها: “يمكننا أن نطلق على هذا السباق: انتخابات تيك توك”، مضيفة أن “الحملات الانتخابية باتت تدرك أنه يجب استهداف الجيل زد (المجموعة الديموغرافية التي تلي جيل الألفية) إذا أرادوا الفوز، وهذا يبدأ بتوليد الحماس عبر الإنترنت”.
وأشارت الصحيفة إلى أن حملتي هاريس وترمب استغلتا ثقافة الإنترنت غير التقليدية والميمز (الصور الساخرة)، واللغة الدارجة على منصة “تيك توك”، في الوقت الذي عمدت فيه شركة “ميتا” المملوكة لمارك زوكربيرج إلى تحويل خوارزميتها بعيداً عن تقديم المحتوى السياسي على “فيسبوك”، فيما ساهم ميل الملياردير إيلون ماسك لتأييد ترمب في تنفير بعض مستخدمي منصة التواصل “إكس” المملوكة له.
وتسمح خوارزمية “تيك توك”، التي تقدم للمستخدمين تدفقاً كبيراً من مقاطع الفيديو القصيرة الشهيرة، للحملات بالوصول إلى جماهير جديدة، ربما لا تبحث عن المحتوى السياسي بنفسها.
ونقلت الصحيفة عن كريستال عابدين، وهي أستاذة دراسات الإنترنت في جامعة “كيرتن” في بيرث، قولها إن “تصميم التطبيق يسمح لك بالعثور على أشياء خارج نطاق اهتماماتك”.
منافسة شرسة
ولزيادة التفاعل مع هاريس عندما أصبحت مرشحة الحزب الديمقراطي في يوليو الماضي، وظفت حملتها ما وصفه نائب مدير الحملة روب فلاهرتي بمجموعة من “الشباب المتمردين البالغين من العمر 25 عاماً”، لمعرفة سبل التعامل مع الموسيقى وأنماط تحرير مقاطع الفيديو الرائجة، وأنتجت هذه المجموعة بالفعل مقاطع فيديو انتشرت بشكل واسع حول العديد من القضايا بما في ذلك الإجهاض وتغير المناخ، إلى جانب “زلات ترمب”.
وفي الوقت نفسه، خاطبت الحملة صناع المحتوى على المنصة بشكل علني، ودعتهم إلى حضور فعاليات البيت الأبيض، والمؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي، أملاً في توصيل رسائلها إلى متابعيهم على “تيك توك”.
فيما قدَم حساب الرئيس السابق على “تيك توك” محتوى أكثر جدية، إذ تضمن مقاطع فيديو مع موسيقى مقلقة، وتوقعات قاتمة بشأن الاقتصاد، وارتفاع معدلات الهجرة في حال فازت هاريس، فضلاً عن مقاطع مصورة للرئيس السابق وهو يحذر من “انحدار الولايات المتحدة”، وتتخلل هذه المقاطع بعض الفيديوهات من لقاءات خفيفة الظل مع عدد من صناع المحتوى الشباب، مثل صانع المقالب لوجان بول، ومشغل ألعاب الفيديو أدين روس.
وأضافت لارا كوهين أن استراتيجية هاريس على منصة “تيك توك” تبدو “طموحة لأي علامة تجارية، ناهيك عن كونها شخصية سياسية”، فيما يبدو حساب ترمب “أقل انسجاماً” مع المنصة وأقرب إلى المواد الانتخابية التقليدية.
وعلى الرغم من أن حساب هاريس لديه 5 ملايين متابع فقط، مقارنةً بـ12 مليوناً لدى ترمب، فإن حساب المرشحة الديمقراطية حصل على 1.5 مليار مشاهدة، مقارنةً بمليار مشاهدة لمنافسها الجمهوري، لكن حملة هاريس فقدت زخمها خلال الأسابيع الأخيرة، سواء في استطلاعات الرأي أو على “تيك توك”، بحسب الصحيفة.
انتشار المحتوى المحافظ
ووجدت بيانات منصة CredoIQ المعنية بتحليل محتوى وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تمت مشاركتها مع “فاينانشيال تايمز”، أن حجم المحتوى المحافظ المنتشر بشكل واسع على “تيك توك” تفوق على المحتوى التقدمي في أعقاب المناظرة التي أُجريت بين المرشح الجمهوري لمنصب نائب الرئيس جي دي فانس، ومنافسه الديمقراطي تيم والز في بداية أكتوبر الجاري.
ويقول بِن دار، وهو مؤسس CredoIQ، إن زيادة عدد صناع المحتوى المؤيدين لترمب الذين يدفعون بمحتويات تنتقد جهود الحكومة الحالية في التعامل مع إعصاري “هيلين” و”ميلتون” ربما ساهمت في هذا التحوّل.
ووفقاً لـ CredoIQ، فإن نحو 47% من المحتوى الذي تمت مشاهدته حول عواصف أكتوبر كان محافظاً، فيما كان 43% منه تقدمياً.
ويضم فريق هاريس الرقمي، الذي يبلغ عدد أفراده نحو 250 شخصاً، فريق استجابة سريع يضم نحو 15 شاباً، وهم على دراية جيدة بلغة الإنترنت، ويجوبون مواقع التواصل بحثاً عن الاتجاهات الرائجة، ويتعاونون مع الناخبين من خلال تطبيقات المراسلة.
ووفقاً للصحيفة، فإن بعض منشورات حساب هاريس على “تيك توك” تسخر من ترمب لكونه “غريباً”، أو “غير مألوف”، كما تعرض مقاطع للديمقراطيين وهم يتصدون أو يردون بقوة على سياساته، وفي حالات أخرى، تُنشر مقاطع فيديو لنائبة الرئيس وهي تضحك أو “تعبر عن حبها للجيل زد”.
ووفقاً لما نقلته الصحيفة عن شخص مطلع على استراتيجية الحملة، فإن الهدف من ذلك هو جعل المؤثرين على المنصة يشعرون بالراحة الكافية لنشر محتوى إيجابي عن هاريس، ما يعني أن متابعيهم سيفعلون الشيء نفسه.
وأثار نجاح الحملة الرقمية للمرشحة الديمقراطية غضب ترمب، والذي أصر على استخدام تطبيقه “تروث سوشيال”، الذي يصفه بأنه “أعظم تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي في التاريخ”.
لكن الخبراء يشيرون إلى أن هناك عدداً أقل من السياسيين الجمهوريين على “تيك توك”، وهو ما يرجع جزئياً إلى أن بعضهم يعترض على ملكيته الصينية، كما يصفون التطبيق بأنه بمثابة “فنتانيل رقمي مُصمَم لتدمير عقول الشباب الأميركي”.
الجمهوريون “أضاعوا فرصة”
من جانبه، اعتبر إريك ويلسون، وهو خبير رقمي جمهوري أن “الجمهوريين أضاعوا فرصة التواجد هناك”، قائلاً: “أبحاثنا وجدت أن واحداً من كل 5 جمهوريين يؤيدون ترمب يستخدمون تيك توك يومياً”.
ولكن في مقابلة مع موقع “سيمافور” الإخباري، قال أليكس بروسويتز، وهو كبير مستشاري ترمب في مجال الاتصالات: “كان تيك توك جيداً بالنسبة لنا في هذه الدورة الانتخابية، إذ انخرطت منصة فيسبوك في فرض الرقابة عام 2020”.
وأضاف أن “الحملة كانت تستغل ترمب كشخص، على سبيل المثال، من خلال لقاءات مضحكة على المنصة مع بعض أكبر المؤثرين في العالم”.
وذكرت الصحيفة أن دور “تيك توك” الجديد في السياسة الأميركية جلب معه مخاوف جديدة أيضاً بشأن نشر معلومات مضللة على المنصة، إذ وجد تقرير في وقت سابق من هذا الشهر صادر عن مجموعة “ميديا ماترز” اليسارية أن هناك “مؤامرات وأكاذيب” على المنصة تتعلّق بالأعاصير الأخيرة حصلت على ملايين المشاهدات.
ومع تنافس ترمب وهاريس بشكل شديد التقارب في ظل اقتراب الحملة الانتخابية من مرحلتها النهائية، فإنه من غير الواضح ما إذا كانت أعداد المتابعين على “تيك توك” للمرشحين ستمنحهم أفضلية في صناديق الاقتراع.
وتقول جيسيكا سيلز، وهي نائبة المتحدثة الصحفية باسم مجموعة “ناخبي الغد”، للدفاع عن “الجيل زد”، إنه “باتت هناك زيادة في عدد تسجيل المتطوعين بعد ترشيح هاريس عن الحزب الديمقراطي، وجاء الكثير من ذلك الحماس بسبب الضجة التي حدثت على تيك توك فور الإعلان عن ترشحها”.
لكن كوهين تحذر من أنه في حين أن “المؤشرات الأولية لتسجيل الناخبين كانت إيجابية للغاية من حيث زيادة مشاركة الشباب، فإن موقفهم الحقيقي سيظهر في النتيجة النهائية”.