حذر خبراء أميركيون من أن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن تعليق تمويل برنامجين يقدمان مساعدات ودعم للمفتشين النوويين الدوليين، قد يقوض هدف الولايات المتحدة المتمثل في منع إيران من امتلاك وتطوير ترسانة نووية، حسبما أوردت صحيفة “نيويورك تايمز”.
وفي أواخر يناير الماضي، علق ترمب برنامجين يقدمان مساعدات أميركية للمفتشين النوويين الدوليين، ورغم أن أحد البرنامجين أعيد تشغيله منذ ذلك الحين، فإن نتيجة هذه الإجراءات كانت إضعاف الثقة في الجهود التي كشفت على مدى عقود عن خطوات إيران نحو إنتاج أسلحة نووية.
وبعد ساعات من توليه منصبه، وقع ترمب على أمر تنفيذي يوقف برامج المساعدات الخارجية الأميركية لمدة 90 يوماً، وهو ما قد يؤدي إلى إعادة هيكلتها أو إنهائها، والأمر الأكثر أهمية هو أن التجميد قلب البرامج الإنسانية التي تحارب الأمراض والجوع في البلدان النامية رأساً على عقب.
ولكن خبراء الحكومة الأميركية في المجال النووي، أشاروا إلى أن أمر الرئيس الأميركي أوقف أيضاً المساعدات من مختبرات وزارة الطاقة التي تدعم هيئة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ويخشى بعض الخبراء الآن، من أن تؤدي الاضطرابات إلى إبعاد المهنيين الموهوبين عن مجال منع الانتشار النووي وإعاقة النضال العالمي ضد منع انتشار الأسلحة النووية.
“بروكهيفن” و”أوك ريدج”
ويقوم البرنامجان المجمدان “بروكهيفن” و”أوك ريدج”، بتجنيد مفتشين في مجالات الطاقة النووية وتدريبهم وتزويدهم بالمعدات، وتعليمهم أساليب متقدمة لأخذ العينات البيئية، واستخدام أجهزة معملية متطورة لفحص العينات التي يجمعونها، بحثاً عن أدلة بشأن إنتاج أسلحة نووية.
وبشكل عام، يعمل البرنامجان كوسطاء، فهما يربطان محققي الوكالة في فيينا، الذين يتفقدون المواقع النووية في جميع أنحاء العالم كجزء من إدارة الضمانات التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، بشبكة المختبرات النووية الأميركية، بما في ذلك مختبر “لوس ألاموس”.
وفي الأساس، يوجه البرنامجان الخبرة العالمية والمساعدات الفنية إلى فيينا، أو كانا يفعلان ذلك حتى قطع ترمب المساعدات الأجنبية، ورغم وجودهما في مختبرات وزارة الطاقة، فإن تمويلهما يتم من قبل وزارة الخارجية.
وفي أواخر يناير، ضرب التجميد برنامج تجنيد المفتشين الذي يتخذ من مختبر “بروكهيفن الوطني” مقراً له في لونج آيلاند، إذ لا يقوم مكتب مشروع الضمانات الدولية التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية بتسجيل الأميركيين للعمل كمفتشين أو موظفين مرتبطين بها فحسب، بل يقوم أيضاً بتدريب مفتشين من جميع الجنسيات.
بالإضافة إلى ذلك، يعتمد البرنامج على شبكة المختبرات الوطنية لتصميم معدات التفتيش، وفي وقت مبكر، صمم جهازاً محمولاً باليد أصبح المفضل لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وفي 12 فبراير الماضي، أشارت كيمبرلي باديل، مديرة مختبر “لورانس ليفرمور الوطني” في كاليفورنيا، إلى تجميد مختبر “بروكهيفن” في جلسة استماع في مجلس النواب، قائلة إن برنامج منع الانتشار في مختبرها الذي تم إنشاؤه من خلال “بروكهيفن” قد تم تعليقه في انتظار مراجعة إدارة ترمب.
وأضافت: “هذا الجهد يكلف مليون دولار. نحن لا نعرف ما إذا كان سيتم استئنافه”. ولم يقدم مكتب الشؤون الصحفية في مختبر “ليفرمور” أي إجابات جوهرية على الاستفسارات المتكررة للحصول على تفاصيل حول المساعدات المعلقة.
والبرنامج الأميركي الثاني، يديره مختبر “أوك ريدج” الوطني في تينيسي، وعلى عكس مختبر “بروكهيفن”، يتخصص هذا المختبر في استخدام معدات مختبرية متطورة لتحليل المسحات التي يجمعها مفتشو وكالة الطاقة الذرية، بحثاً عن آثار غير مرئية للمواد النووية والقراءات التي قد تشير إلى العمل الذري غير المشروع.
ويعد برنامج “أوك ريدج” الوسيط الأميركي لما تطالب به وكالة الطاقة الذرية، وقال خبراء نوويون حكوميون حاليون وسابقون إن وزارة الخارجية أعادت تفعيل برنامج مختبر “أوك ريدج” بالكامل في أواخر فبراير الماضي.
وأضافوا على نحو مماثل، أن برنامج “بروكهيفن” تلقى بعض الإعفاءات لاستئناف العمل في جهود محددة تتعلق بإيران، لكن معظم عمله وتمويله لبرامج منع الانتشار العالمية الأخرى لا يزال معلقاً.
وقال الخبراء إنهم يتوقعون أن يتم رفع الحظر عن برنامج “بروكهيفن” بالكامل في الأسابيع المقبلة، لافتين إلى أن التأخير الحالي في وزارة الخارجية للموافقة على هذه الخطوة أصبح “إدارياً وليس موضوعياً”.
وأضافوا أن التراجع عن التجميد كان متجذراً في أن مسؤولي إدارة ترمب أدركوا أهمية الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مراقبة التحركات السرية لإيران لصنع القنابل الذرية.
وإجمالاً، تسبب قرار التجميد في حالة من عدم اليقين والارتباك على البرامج التي حظيت بدعم الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) لعقود من الزمان، والآن، وللمرة الأولى، يتعين على الأشخاص الذين يعتمدون على العمل الجماعي العالمي أن يتعاملوا مع احتمال توقف تعاونات حيوية أخرى أو تعرضها للهجوم.
برنامج إيران النووي
وتلقت وحدة التفتيش التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي وكالة تابعة للأمم المتحدة ومقرها في فيينا، مساعدات من واشنطن منذ فترة طويلة لمساعدتها في منع مجموعة واسعة من التهديدات النووية العالمية ومواجهتها والرد عليها.
ومؤخراً، عثر المحققون في الفريق في أربعة مواقع في إيران على آثار لمادة اليورانيوم المعالج للغاية، ما أثار تساؤلات جديدة حول ما إذا كانت طهران تحتضن برنامجاً نووياً سرياً لصنع القنابل الذرية.
ومن غير الواضح ما إذا كان مسؤولو الإدارة يفهمون عمق العلاقة بين الولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث تساعد المساعدات الأميركية الوكالة على تطوير هيئة المفتشين التابعة لها، والتي يمكن لموظفيها، بدورهم، الذهاب إلى حيث قد لا يكون الخبراء الحكوميون الأميركيون موضع ترحيب.
وبالإضافة إلى ذلك، تساعد المساعدات النووية في وضع المواطنين الأميركيين في وظائف في الوكالة، إذ بموجب النظام الأساسي، تعزز الوكالة الدولية للطاقة الذرية الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، بما في ذلك المفاعلات النووية التي تضيء المدن، كما تتحمل مسؤولية منع استخدام هذه الأنشطة سراً لصنع القنابل الذرية.
وتطورت البرامج الأميركية لمكافحة الانتشار العالمي لأسلحة الدمار الشامل بشكل مطرد إلى مؤسسة فيدرالية ضخمة، وتشمل الجهات الفاعلة الرئيسية الآن وزارات الخارجية والطاقة والدفاع والأمن الداخلي، فضلاً عن لجنة التنظيم النووي، التي تدرب أشخاصاً من أكثر من 50 دولة.
وساعدت هذه البرامج في بناء أجهزة كشف الإشعاع فائقة الحساسية وتعزيز مكافحة السرقة والتخريب النووي، ففي السنة المالية الحالية وحدها، وضعت إدارة الأمن النووي الأميركي، وهي ذراع تابعة لوزارة الطاقة، خطة مفصلة لإنفاق 2.5 مليار دولار على منع الانتشار النووي.
وفي أبريل من عام 2020، خلال فترة ولايته الرئاسية الأولى، اقترح ترمب ميزانية من شأنها أن تخفض التمويل المخصص للجهود الرائدة التي تبذلها وزارة الدفاع لمواجهة انتشار أسلحة الدمار الشامل.
في أوائل عام 2023، نشرت مؤسسة “هيريتيج” اليمينية، تفويض القيادة، وهو القوة الدافعة وراء “مشروع 2025” الذي ساعد العديد من الموالين لترمب في كتابته، حيث دعت الوثيقة إدارة ترمب إلى “إنهاء أنشطة منع الانتشار غير الفعالة وغير المنتجة مثل تلك التي تشمل إيران والأمم المتحدة”.