انخفضت أسهم تسلا 45%، مقارنة بذروتها عند إعلان فوز الرئيس الأميركي دونالد ترمب في ديسمبر الماضي، لتفقد الشركة 96% من مكاسبها التي تحققت بعد الانتخابات، كما تراجعت مبيعاتها في أوروبا والولايات المتحدة والصين، ما أثار تساؤلات بشأن مدى ارتباط ذلك بطبيعة الدور الجديد لمالكها إيلون ماسك في وزارة الكفاءة الحكومية.
واعتبرت شبكة CNN الأميركية أن انخفاض أسهم تسلا “يعكس امتداد غضب الليبراليين وموظفي الحكومة الأميركية من ماسك ليشمل مستثمرين”، مشيرة إلى أن أسهم الشركة قفزت بنسبة 91% بعد يوم الانتخابات الأميركية، وبلغت ذروتها قبل الكريسماس، عندما راهن مستثمرون على أن ماسك وشركته سيحققان مكاسب كبيرة بفضل الولاية الثانية لترمب.
وكان ماسك أكبر داعم مالي لحملة ترمب الانتخابية، وأصبح منذ ذلك الحين أبرز أعضاء إدارته، حيث أشرف على وزارة كفاءة الحكومة (DOGE)، التي تسعى إلى فرض تخفيضات كبيرة في الإنفاق سبق أن وافق عليها الكونجرس، ما أدى إلى تسريح آلاف الموظفين الفيدراليين.
لكن أسهم تسلا تراجعت بنسبة 5.6% خلال تعاملات، الخميس، وباتت منخفضة بنسبة 45% عن ذروتها في ديسمبر، لتفقد بذلك 96% من المكاسب التي حققتها بعد الانتخابات. ومنذ تولي ترمب الرئاسة، وبدء ماسك في ممارسة نفوذه داخل الإدارة، خسرت أسهم الشركة 38% من قيمتها الإجمالية.
ويعكس هذا الانخفاض قلق المستثمرين من أن ماسك أصبح شخصية بارزة ومثيرة للجدل في إدارة ترمب، بخلاف التوقعات التي أشارت إلى أنه سيكون مجرد مستشار خلف الكواليس. وكان يُعتقد أن انشغاله بإدارة شركاته العديدة، مثل تسلا و”سبيس إكس” و”نيورالينك” ومنصة التواصل “إكس”، سيحد من تدخله المباشر في السياسات الحكومية المثيرة للجدل.
لكن التراجع الحاد في قيمة تسلا يشير أيضاً إلى تحديات تواجهها الشركة، بجانب المنافسة المتزايدة من شركات صناعة السيارات الأخرى، لا سيما الصينية، التي حققت مكاسب كبيرة في أسواقها المحلية وفي أوروبا.
وبغض النظر عن الأسباب التي أدت إلى هذا التراجع، بات من الواضح أن أزمة المبيعات التي تواجهها تسلا تلقي بظلالها على قيمة أسهمها، وسط غموض حول ما إذا كانت هناك حلول قادرة على إنعاش مبيعات الشركة مستقبلاً.
انهيار مبيعات تسلا
رغم ارتفاع مبيعات السيارات الكهربائية في أوروبا بنسبة 34% خلال يناير، تراجعت مبيعات تسلا بنسبة 50%، وفق بيانات حديثة. كما انخفضت مبيعاتها في الصين، ثاني أكبر سوق للشركة بعد الولايات المتحدة، بنسبة 29% خلال أول شهرين من العام، بحسب ما نقلته “رويترز”. وفي الولايات المتحدة، تراجعت مبيعات تسلا بنسبة 16% بين ديسمبر ويناير، وفقاً لتقديرات شركة “كوكس أوتوموتيف” (Cox Automotive) الأميركية لأبحاث السيارات.
مع ذلك، يصعب ربط هذا الانخفاض بسبب واحد محدد، إذ اعتادت تسلا على تحقيق ارتفاع في المبيعات بنهاية العام لتحقيق أهدافها المالية السنوية، يعقبه تراجع في يناير. فعلى سبيل المثال، انخفضت مبيعات يناير 2024 بنسبة 24% مقارنة بديسمبر 2023.
من جانبه، قال المحلل جوردون جونسون، المعروف بانتقاده المتكرر لشركة تسلا، إن “مبيعاتها تنهار عالمياً، التراجع في الصين يعود إلى المنافسة، أما في الدول الغربية، فالكثيرون غاضبون من ماسك”.
وأضاف: “سواء كان السبب المنافسة أو المواقف السياسية لماسك، فالنتيجة واحدة.. من الصعب أن يعكس الاتجاه التنازلي. ونعلم أنه لن يحقق وعده بشأن القيادة الذاتية الكاملة. أعتقد أن هذا العام ربما يشهد انهياراً فعلياً لأسهم تسلا”.
وحتى المستثمرون الأكثر تفاؤلاً بدأوا يشككون في قدرة ماسك على تحقيق أهداف النمو المعلنة لتسلا هذا العام.
وقال جين مونستر، الشريك الإداري في “ديب ووتر” (Deepwater) لإدارة الأصول: “أعتقد أن المستثمرين بدأوا في تبني توقعات جديدة بشأن حجم تسليمات تسلا خلال العام. قبل 3 أو 4 أشهر، كان ماسك يتوقع نمواً يتراوح بين 20% و30% في 2025، لكن قبل شهر لم يكرر هذا الهدف، ما دفع المحللين والمستثمرين للاستنتاج بأن هذا الهدف لم يعد وارداً على الطاولة”.
شخصية مثيرة للجدل
وبحسب CNN، يبقى السؤال الرئيسي: إلى أي مدى يُعزى الانهيار في أسهم تسلا إلى صورة إيلون ماسك السياسية؟ يرى مونستر، الذي لا يزال متفائلاً بشأن تسلا، أن نحو ثلاثة أرباع هذا التراجع هو رد فعل على الجدل المحيط بماسك.
وقال مونستر: “خلال الانتخابات، لم يكن واضحاً مدى ظهور ماسك في إدارة ترمب. كان البعض يعتقد أن مشروع وزارة الكفاءة لن يُنفَّذ فعلياً، لكن الآن، يرى مستثمرو تسلا أن ماسك يتمتع بسلطة تفوق حتى سلطة ترمب. وهذا يلحق ضرراً بعلامة تسلا التجارية”.
وشهدت متاجر تسلا في أنحاء البلاد احتجاجات، السبت الماضي، وسط تقارير متفرقة عن أعمال تخريب استهدفت سيارات الشركة. وفي مدينة لافلاند بولاية كولورادو، أوقفت السلطات شخصاً على خلفية تهم جنائية فيدرالية بعد ارتكابه أفعال تخريب سابقة ضد متجر لتسلا، وحيازته “عبوات حارقة”.
ولاء العملاء
ربما يكون المؤشر الأبرز على تراجع الرغبة في امتلاك سيارات تسلا هو بيانات صادرة عن شركة S&P Global Mobility، التي حللت بيانات المبيعات على مستوى الولايات الأميركية. وقُسمت الولايات إلى “ولايات زرقاء”، أي تلك التي صوّتت للديمقراطيين في آخر أربع انتخابات رئاسية، و”ولايات حمراء”، حيث فاز الجمهوريون في الانتخابات الأربع الأخيرة.
وأظهرت البيانات أن معدل ولاء العملاء، أي نسبة الأسر التي اشترت أكثر من سيارة تسلا، انخفض في الولايات الزرقاء من 72% في الربع الأخير من عام 2023 إلى 65% في الربع الأخير من عام 2024. أما في الولايات الحمراء، فقد ارتفع بشكل طفيف من 47.6% إلى 48.2% خلال نفس الفترة.
وأدى هذا التراجع في الولايات الزرقاء إلى فقدان تسلا نحو نقطة مئوية من حصتها السوقية في تلك الولايات، التي تضم بعض أكبر أسواق السيارات في البلاد، مثل كاليفورنيا.
وأظهر استطلاع أجرته شركة Morning Consult الشهر الماضي، أن نحو 32% من المشترين المحتملين في الولايات المتحدة “لن يفكروا” في شراء سيارة تسلا، مقارنة بـ27% في نفس الاستطلاع قبل عام، و17% فقط عند طرح السؤال لأول مرة في فبراير 2021.
في المقابل، لم تتغير نسبة المشترين الذين “يرجحون بشدة” شراء تسلا، إذ استقرت عند 16% خلال السنوات الأربع الماضية.
وعلى منصات التواصل الاجتماعي، تصاعدت ردود الفعل السلبية ضد ماسك، بما في ذلك مقاطع فيديو تُظهر متظاهرين يطلقون صيحات استهجان ضد سيارات Cybertruck، التي احتاجت إلى مرافقة شرطية خلال فعالية في نيو أورلينز.
كما شهدت المنصات تأييداً متزايداً لأعمال تخريب استهدفت سيارات تسلا، وحوادث اصطدام بمتاجر الشركة أو سياراتها.
انشغال ماسك
وإلى جانب المخاوف من أن الليبراليين ربما يتجنبون شراء سيارات تسلا، رداً على توجهات ماسك السياسية، أشار المحلل جين مونستر إلى وجود قلق متزايد من أن ماسك مشتت عن إدارة تسلا، الشركة التي تشكل المصدر الأساسي لثروته.
وقال مونستر: “ماسك أعاد كتابة القواعد فيما يتعلق بقدرة القادة على إدارة مشاريع متعددة، وهو أمر كان يُنظر إليه في السابق بشيء من الشك”.
وأشار إلى أن ماسك لا يدير تسلا فحسب، بل يقود أيضاً “سبيس إكس”، ويمتلك منصة X، إلى جانب تأسيسه لشركة الذكاء الاصطناعي xAI، وشركة “نيورالينك”، التي تهدف إلى زرع شرائح إلكترونية في الدماغ للتحكم في الحواسيب، مضيفاً: “هناك حدود طبيعية لما يمكنه فعله، فهو مشغول بالكثير من الأمور”.
التوتر مع الصين
علاوة على ذلك، تتزايد المخاوف بشأن تأثير التوترات التجارية المتصاعدة بين الصين والولايات المتحدة على تسلا، وسط مخاوف من أن تستهدف بكين الشركة بسبب دور ماسك في إدارة ترمب.
وقال إيزاك ستون فيش، الرئيس التنفيذي لشركة “ستراتيجي ريسكس” (Strategy Risks) المتخصصة في استخبارات الأعمال: “بكين تمنح الامتيازات وتحجبها وفقاً لمصالحها، ولديها العديد من الأدوات التي يمكن أن تؤثر بها على إيلون ماسك وتسلا”.
جانب إيجابي
لكن مؤيدي تسلا يعتقدون أن ثمة جانب إيجابي في علاقات ماسك مع إدارة ترمب، إذ ربما تسهل هذه العلاقة حصول الشركة على الموافقات اللازمة لخططها المتعلقة بسيارات الأجرة ذاتية القيادة “روبوتاكسي”.
ورغم أن العديد من سيارات تسلا مزودة بميزة “القيادة الذاتية الكاملة”، التي تتيح تنفيذ بعض المناورات تلقائياً، لا يزال السائقون مطالبين بالبقاء خلف عجلة القيادة والتدخل عند الضرورة.
كما أن هناك حوادث مرتبطة بهذه التقنية، ما دفع الإدارة الوطنية لسلامة المرور على الطرق السريعة إلى فتح عدة تحقيقات بشأنها.
لكن ماسك وعد بأنه بحلول يونيو المقبل، ستكون هناك سيارات قادرة على العمل بشكل ذاتي بالكامل، لنقل الركاب ضمن خدمة سيارات الأجرة في أوستن بولاية تكساس، حيث يقع مقر تسلا. ومع ذلك، فقد سبقته شركتا “أوبر” و”وايمو” التابعة لـ”ألفابت” في إطلاق خدمات سيارات بدون سائق في المدينة ذاتها.
ويتوقع ماسك أن تنتشر هذه الخدمة بسرعة، كما يتوقع أن يظهر نموذج سيارة “Cybercab” بحلول العام المقبل، دون عجلة قيادة أو دواسات للفرامل والوقود.
تلك الوعود لا تزال تبعث الحماس في نفوس مؤيدي تسلا، رغم مشكلات المبيعات الحالية، إذ يرون أن الانخفاض الحالي في سعر السهم يمثل فرصة شراء لمن يؤمن بمستقبل الشركة.
وقال المحلل جين مونستر: “القيمة الحقيقية لتسلا ستتحقق من خلال القيادة الذاتية. ترمب يحب ماسك، وماسك سيحصل على بعض ما يريده، والأمر الأهم هو حصوله على مزيد من الفرص لإثبات أمان سيارات روبوتاكسي، وأعتقد أن ذلك سيحدث”.
لكن هناك من يشكك في هذه الوعود، حيث يقول المحلل جونسن، المعروف بتشاؤمه تجاه تسلا، إن ماسك كان يعد منذ عقد بأن السيارات الذاتية بالكامل ستصبح حقيقة خلال عام أو عامين، وإن أي تأخير جديد في الوفاء بوعوده سيؤدي إلى انخفاض حاد في سعر السهم، إلى جانب التأثير المحتمل لأرقام مبيعات الربع الأول، المنتظر صدورها في أوائل أبريل.