أثار تأجيل زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى بغداد، والتي جاءت في توقيت سياسي دقيق، تساؤلات عن الأسباب، وعما إذا كان الأمر يتعلق بتحضيرات أمنية فقط، أم أن هناك دوافع سياسية أعمق، خصوصاً وأنه كان مقرراً أن تشكل هذه الزيارة بداية لفصل جديد في العلاقات بين العراق وسوريا.
وفتح تأجيل الزيارة الباب أمام سلسلة تكهنات وتحليلات ربطت بينه وبين الوضع الداخلي في العراق، الذي يعيش حالة من التوازنات السياسية المعقدة.
ومع التوترات الداخلية في العراق، سواء على الصعيد السياسي أو الأمني، تزايدت الشكوك بشأن توقيت الزيارة، وتأثيراتها المحتملة.
تريث أم تردد؟
وقال مصدر أمني سوري طلب عدم الإفصاح عن هويته لـ”الشرق”، إن “التأجيل لم يكن مجرد مسألة تنسيق دبلوماسي، بل كان نتيجة تهديدات أمنية”، مشيراً إلى “مخاوف من وجود تهديدات على الأرض من قبل جماعات مسلحة، وفصائل متشددة قد ترفض هذه الزيارة”.
وذكر المصدر، أن “الأجهزة الأمنية السورية كانت تتابع عن كثب التحضيرات الأمنية لضمان سلامة الوزير والوفد المرافق”، لكنه أضاف أن “القلق المتزايد من تصاعد التوترات في المنطقة دفع إلى اتخاذ قرار التأجيل، لحين تأكيد استقرار الأوضاع الأمنية”.
وكانت وزارة الخارجية السورية قالت في بيان، الجمعة الماضية، إن الشيباني تلقى دعوة رسمية لزيارة العراق، لافتةً إلى أن “موعد الزيارة سيتحدد لاحقاً بعد استكمال جدول الأعمال، وإجراء المشاورات التقنية اللازمة لتحديد التوقيت المناسب”.
وأوضحت أن الزيارة ستتناول “عدداً من القضايا المشتركة، وفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية بين البلدين”.
من جهتها، قالت وزارة الخارجية العراقية في بيان، إن وزير الخارجية السوري “كان قد تلقى في وقت سابق دعوة رسمية من نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية فؤاد حسين، لزيارة العراق”.
وأشارت إلى أن الشيباني “أبدى رغبته في تلبية الدعوة، التي تأتي في إطار بحث العلاقات الثنائية بين البلدين، ومناقشة التطورات الأمنية والسياسية الإقليمية”، لافتةً إلى أنه “من المقرر أن يتم تحديد موعد الزيارة بعد استكمال التنسيق اللازم بين الجانبين، بما يخدم المصالح المشتركة”.
ورفضت مصادر رسمية عراقية، تواصلت معها “الشرق”، التعليق على تأجيل الزيارة، لكن مصادر عراقية أخرى رجحت، أن تتم زيارة الوزير السوري، دون أن يكون واضحاً ما إذا كانت ستتم بالتوافق مع المعترضين على الزيارة أم لا.
نقل القمة العربية لأربيل؟
وقال مصدر أمني عراقي لـ”الشرق”، إن “جماعات مسلحة مستنفرة في محيط مطار بغداد”، ومستعدة لـ”التعرض لأي شخصية قادمة من سوريا تمثل إدارة الرئيس أحمد الشرع”.
وربط المصدر بين “أجواء الرفض السياسي” و”التهديدات” من تلك الجهات، بمشاركة أي طرف سوري في القمة العربية التي ستستضيفها بغداد في مايو القادم.
بدورها، قالت مصادر سياسية عراقية لـ”الشرق”، إن “جهات سياسية اقترحت على رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني نقل القمة إلى أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، من أجل السماح بمشاركة الشرع”.
وأشارت المصادر السياسية، إلى أن هذه الخطوة تهدف لـ”تفادي الصدام مع أبرز الرافضين للتعامل مع الإدارة السورية الجديدة، وهما أمين عام (عصائب أهل الحق) قيس الخزعلي، ورئيس (ائتلاف دولة القانون) نوري المالكي”.
وكانت وكالة “رويترز” نقلت عن مصدرين عراقيين قولهما، إن الشيباني كان من المقرر أن يصل إلى بغداد السبت الماضي، إلا أن الزيارة تأجلت لأسباب غير معلنة.
“تهديدات ضد الشيباني”
وقال السياسي السوري فواز تللو في حديثه لـ”الشرق”، إن “قرار التأجيل كان من الطرف السوري، وليس الحكومة العراقية”، لافتاً إلى أن “السبب هو ما تردد في الإعلام العراقي عن تهديدات بالقتل ضد الشيباني، وحتى ضد الشرع في حال حضر القمة العربية”.
واعتبر تللو، أن “هذه التهديدات جزء من الواقع السياسي المعقد في العراق”، مضيفاً: “من الناحية الدبلوماسية، الإدارة السورية الجديدة كانت حريصة على فتح صفحة جديدة مع العراق، تماماً كما فعلت مع دول أخرى مثل روسيا”. لكنه أعرب عن أسفه بأن “الحكومة العراقية، وخاصة السياسيين المرتبطين بمواقف إيران، لم يستوعبوا هذه الرسالة الدبلوماسية، والتي تتعلق بالانفتاح على المستقبل، وتجاوز ماضي العلاقات بين البلدين”.
وعن التوترات المستمرة في العلاقات السورية-العراقية، يرى تللو أن “العلاقات ستكون متوترة لفترة طويلة ما دامت السطوة الإيرانية هي المسيطرة على الساحة السياسية في العراق”.
وفيما يتعلق بـ”مكافحة الإرهاب”، شدّد تللو على أهمية تعريف “الإرهاب بشكل شامل”. وقال: “إذا كنا نتحدث عن الإرهاب بمعناه الضيق والمتعلق بتنظيم (داعش)، فهذا بالطبع يمثل أولوية بالنسبة للإدارة السورية، لكن حصر الإرهاب في (داعش) فقط هو أمر مغلوط، فهناك تنظيمات أخرى”.
وأردف: “إذا كنا بصدد الحديث عن مكافحة الإرهاب، فإن المشكلة لا تقتصر فقط على سوريا، فالعديد من التنظيمات الإرهابية في العراق تشكل تهديداً للأمن الإقليمي أيضاً، وعلى المجتمع الدولي أن يعترف بذلك”.
وأعرب السياسي السوري، عن أمله في تحسن العلاقات السورية-العراقية مستقبلاً، لكنه يرى أن “التغيير في هذا الصدد سيكون صعباً ما دام العراق محكوماً بتأثير إيران”.
وتوقع أن “تظل العلاقات بين البلدين متوترة في المستقبل القريب”، لكنه عبّر عن أمله بـ”تتغير المعادلة في المستقبل القريب”، رغم شكوكه حول إمكانية حدوث هذا التغيير حالياً.
وسبق أن تحدث رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لـ”الشرق” في 7 فبراير، عن أبرز المسائل التي تُثير قلق العراق بشأن سوريا، وهي التخلي عن مواجهة “العنف والتطرف والإرهاب”، مضيفاً: “نريد أن نرى موقفاً صريحاً في اتجاه محاربة (داعش)، وموقف واضح تجاه التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية”.
وذكر السوداني أن بغداد تريد من دمشق “ألا تكون محطة لصراع الإرادات الأجنبية، والدخول، والتواجد”، معرباً عن حرصه بأن “تستفيد سوريا، ممّا واجهنا من أخطاء ومشاكل طيلة العقدين الماضيين منذ عام 2003، خصوصاً في ظل تشابه التغيير والأنظمة السابقة”.
قوى سياسية وحسابات داخلية
ويرى المحلل السياسي العراقي هاشم الكندي، أن “المواقف العراقية الرسمية تجاه سوريا لم تتضح بعد”، معتبراً أن السبب “وجود توازنات معقدة في العراق بين القوى السياسية المختلفة”.
وأضاف الكندي لـ”الشرق”، أن “الحكومة العراقية تسعى لتحسين علاقاتها مع سوريا، لكن هناك قوى سياسية متحفظة، خاصة تلك التي تجمعها علاقات مع إيران، بما يؤثر بشكل كبير في هذا التوجه”.
وبخصوص استضافة بغداد للقمة العربية، توقع الكندي، أن يواجه العراق “تحديات كبيرة في تنظيم هذا الحدث، خصوصاً مع استمرار التوترات السياسية مع بعض الدول العربية”.
وتابع: “العراق يحتاج إلى ضمانات أمنية وسياسية قوية لتوفير مناخ ملائم للدول المشاركة في القمة، كما أنه يعاني من أزمات داخلية وخارجية، ومن هنا تبرز التحديات في تحقيق توازن دقيق بين القوى السياسية داخل البلاد”.
أما بالنسبة لدعوة الرئيس السوري الشرع لحضور القمة العربية في بغداد، أشار الكندي إلى أن “الدعوة ستكون محل اهتمام كبير داخلياً في العراق، وسوف تؤثر بشكل ملموس على الوضع السياسي”.
ولفت إلى أن “هناك من يساند هذه الدعوة، معتبراً أنها خطوة نحو استعادة سوريا لمكانتها في الساحة العربية، بينما تشعر قوى أخرى بالقلق من أن قبول دعوة الشرع قد يثير قضايا داخلية حساسة في العراق”.
وذكر أن القوى “ترى أن حضور الرئيس السوري في القمة قد يكون له تأثير على التوازنات السياسية في البلاد، وقد يثير توتراً بين القوى التي تدعم تطبيع العلاقة مع دمشق، والأخرى التي تتحفظ على ذلك”.
ومضى قائلاً: “إذا تمت دعوة الشرع، فإن هذا الأمر قد يعزز الانقسامات السياسية الداخلية، إذ يمكن أن تنشأ خلافات حادة بين الأطراف المؤيدة والمعارضة لهذه الخطوة”.
رسائل عراقية إلى سوريا
واستقبل الشرع في 26 ديسمبر الماضي، رئيس جهاز المخابرات العراقية حميد الشطري في دمشق، حيث بحثا عدداً من الملفات الأمنية، كما ناقشا “حماية الحدود، والتعاون بشأن منع عودة نشاط تنظيم (داعش)، وكذلك حماية السجون التي تضمها داخل الأراضي السورية”، بحسب وكالة الأنباء العراقية “واع”.
ووفقاً للوكالة، عرض الوفد العراقي أيضاً “تصورات وطلبات العراق حول احترام الأقليات والمراقد المقدسة”، مضيفةً أن “الإدارة السورية الجديدة أبدت دعمها لمطالب العراق ومخاوفه، بما يتعلق بالملفات التي جرى النقاش حولها”.
وكشف رئيس جهاز المخابرات العراقية، الأحد الماضي، عن توجيه رسائل مباشرة إلى الإدارة السورية الجديدة، تناولت الجوانب الأمنية على وجه التحديد، متحدثاً كذلك عن أن بلاده لم تكن تدعم نظام بشار الأسد “بقدر ما كانت مهتمة بمعرفة البدائل في حال التغيير هناك”.
وقال الشطري، خلال مشاركته في فعاليات مؤتمر “حوار بغداد” بحضور كبار المسؤولين والسياسيين بالبلاد، إن “الأحداث الأخيرة في سوريا تمثل نقطة تحول في المنطقة، ونأمل أن يسهم ذلك في تعزيز الاستقرار، رغم بعض المخاوف المتعلقة بوجود جماعات مسلحة، وأماكن للصراع في المنطقة”، موضحاً أن “بغداد توجهت برسائل مباشرة إلى دمشق بشأن التهديدات الأمنية”، بحسب ما نقلته وكالة “واع”.
وتابع: “الساحة العراقية والسورية مترابطة بشكل وثيق، وأن ما يحدث في سوريا يؤثر بشكل مباشر على العراق، والعكس صحيح، والعراق قد توجه إلى سوريا برسائل أمنية واضحة حول التهديدات التي تمثلها بعض الجماعات المتطرفة، إذ إن العراق تضرر في الفترة الماضية من إرسال الانتحاريين والمواد المخدرة عبر الحدود”.