اتفقت الولايات المتحدة وروسيا في ختام المحادثات التي استضافتها السعودية، الثلاثاء، على تشكيل آلية تشاور لمعالجة الخلافات التي تشهدها العلاقات الثنائية، بهدف اتخاذ الخطوات اللازمة لتطبيع عمل البعثات الدبلوماسية، وأشادا بـ”محادثات مفيدة”.
على الطاولة، كانت ملفات خلافية رئيسية مثل إعادة إحياء اتفاقات الحد من التسلح، والوضع في أوكرانيا، والعلاقات مع إيران والصين، وأمن الطاقة، والحرب في الشرق الأوسط، بما في ذلك ملفات غزة وسوريا، ولبنان.
الطرفان أعلنا في نهاية المباحثات، الاتفاق على الإسراع بتعيين السفراء وبدء المشاورات على مستوى نواب وزراء الخارجية لإزالة القيود على أنشطة البعثات الدبلوماسية في البلدين، وتعيين الولايات المتحدة لفريق رفيع المستوى للمساعدة في إنهاء الحرب في أوكرانيا تتفق عليه جميع الفرق المشاركة في المفاوضات، والبدء بمناقشة التعاون الجيوسياسي والاقتصادي الذي قد توفره نهاية الحرب في أوكرانيا.
وقال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إن المحادثات كانت “جيدة جداً”، متوقعاً عقد قمة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين قبل نهاية فبراير الجاري.
وذكر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أنه أوضح للوفد الأميركي أن توسيع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، يمثل تهديداً مباشراً لروسيا، وتم الاتفاق على صياغة عملية لتسوية الصراع في أوكرانيا، ووصف المحادثات بأنها كانت “مفيدة، واستمعنا لبعضنا البعض”.
ولكن ما هي مواقف وشروط الجانبين من القضايا الخلافية؟
إعادة إحياء معاهدات الحد من التسلح
الموقف الأميركي
أعرب دونالد ترمب الأسبوع الماضي، عن رغبته في السعي إلى مفاوضات للحد من التسلح مع كل من الصين وروسيا وتحقيق “نزع السلاح النووي”.
لكن ترمب لم يوضح بالضبط ما الذي ستشمله مثل هذه الاتفاقية، وهل سيشمل ذلك تخفيضات كبيرة في الترسانات النووية للقوى العظمى؟ أم أنه سيعني نزع السلاح بالكامل؟
خفض الإنفاق العسكري
يرى ترمب في محادثات الحد من التسلح فرصة لخفض الإنفاق على القدرات العسكرية التي قد “تكون مزعزعة للاستقرار”، والتي لا توفر سوى “عائد استثمار محدود” على حد قوله. كما اعتبر ترمب أنه “لا يوجد سبب يجعلنا نبني أسلحة نووية جديدة تماماً، فنحن نمتلك بالفعل الكثير منها”. وأضاف “نحن جميعاً ننفق الكثير من المال الذي يمكننا إنفاقه على أشياء أخرى من المحتمل أن تكون أكثر إنتاجية بكثير”.
وربط ترمب مسألة الانخراط في محادثات مع روسيا والصين بشأن نزع السلاح النووي بـ”تسوية قضيتي الشرق الأوسط وأوكرانيا”.
وأبرمت الولايات المتحدة في الماضي، عدة معاهدات للحد من التسلح النووي مع روسيا، ولكن لم يتبقَّ منها حالياً سوى معاهدة “ستارت الجديدة” (New START)، والتي تحدّ من عدد الرؤوس الحربية النووية الاستراتيجية التي يمكن لكل من الولايات المتحدة وروسيا نشرها.
وانسحب ترمب خلال ولايته الرئاسية الأولى من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى، لتصبح اتفاقية نيو ستارت هي الوحيدة السارية.
الموقف الروسي
في أبريل عام 2022 أعلنت موسكو تجميد الحوار مع واشنطن بشأن الاستقرار الاستراتيجي، مشيرة إلى إمكانية استئنافه عقب انتهاء الحرب الأوكرانية.
وفي فبراير عام 2023، أعلن الرئيس الروسي تعليق مشاركة بلاده في معاهدة تقليص الأسلحة الاستراتيجية والهجومية “نيو ستارت”، مؤكداً حينها، أن هذا لا يعني الانسحاب من المعاهدة.
وقبل نحو أسبوع من محادثات الرياض، حذرت روسيا من أن آفاق تمديد “نيو ستارت” لا تبدو واعدة، حيث من المقرر أن تنتهي صلاحيتها في 5 فبراير 2026.
وقال سيرجي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي الذي يشرف على العلاقات الأميركية والحد من التسلح في 10 فبراير، إن آفاق المحادثات بين روسيا والولايات المتحدة بشأن تعديل الاتفاقية وتمديدها غير واعدة فيما يبدو حالياً.
شروط الكرملين
الكرملين ذكر أن بوتين أوضح أنه يريد استئناف محادثات خفض الأسلحة النووية في أقرب وقت ممكن، لكن ريابكوف قال إن واشنطن تريد عقد محادثات ثلاثية تشمل الصين، بينما تريد موسكو محادثات خماسية لمناقشة ملف التسلح، إذ تريد إشراك بريطانيا وفرنسا، وهما قوتان نوويتان أيضاً، في أي محادثات جديدة للحد من انتشار الأسلحة.
وقال بوتين إنه قبل العودة إلى مناقشة مسألة مواصلة العمل في إطار معاهدة “نيو ستارت”، يجب على الجانب الروسي أن يفهم “ما هي مطالب دول حلف الناتو مثل فرنسا وبريطانيا، وما هو وضع ترسانتهما الاستراتيجية”.
واعتبر أن المعاهدة الأولى التي أبرمت عام 1991، تمت في وضع مختلف تماماً، أعلنت فيه روسيا والولايات المتحدة أن العلاقات بينهما وصلت إلى مستوى لا يعتبران فيه بعضهما البعض خصوماً.
وأضاف: “المعاهدة الحالية لعام 2010 تحتوي على أهم الأحكام المتعلقة بعدم جواز تجزئة الأمن والعلاقة المباشرة بين قضايا الأسلحة الاستراتيجية الهجومية والدفاعية، وكل هذه النقاط أضحت في طي النسيان، والولايات المتحدة انسحبت من معاهدة الدفاع الصاروخي.. وكل شيء أضحى في الماضي، لكن والأهم من كل هذا: أن علاقاتنا تدهورت”.
حرب أوكرانيا
تعد الحرب الروسية على أوكرانيا والمناطق التي تسيطر عليها القوات الروسية في هذا البلد، أحد أبرز الملفات في المحادثات الروسية الأميركية، والتي أثارت قلق أوروبا وكييف من وقوع تسوية ثنائية لا تشمل الأخيرة، مع دخول الحرب عامها الرابع.
وتوافق الطرفان في اجتماع الرياض الثلاثاء، على تعيين الولايات المتحدة لفريق رفيع المستوى للمساعدة في إنهاء الحرب في أوكرانيا تتفق عليه جميع الفرق المشاركة في المفاوضات، والبدء بمناقشة التعاون الجيوسياسي والاقتصادي الذي قد توفره نهاية الحرب في أوكرانيا.
الموقف الأميركي
أبدى الرئيس الأميركي دونالد ترمب، منذ أشهر، رغبته في إنهاء الحرب في أوكرانيا، ولقاء بوتين الذي أعلن استعداده للحوار مع ترمب.
وعقب تنصيبه ودخوله البيت الأبيض في 20 يناير، كرر ترمب الحديث عن رغبته في لقاء بوتين والبدء بمحادثات سلام وعودة موسكو إلى مجموعة السبع، لكن مساعيه تلك أثارت قلق كييف والحلفاء الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وتحدث ترمب وبوتين لأكثر من ساعة، الأربعاء، في أول اتصال مباشر معروف بين رئيسين أميركي وروسي منذ أن أجرى بوتين مكالمة مع الرئيس حينها جو بايدن قبل وقت قصير من الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022.
تنازلات كبيرة
وكشفت تصريحات ترمب ووزير دفاعه بيت هيجسيث عن “تنازلات كبيرة” لصالح موسكو، بما فيها التخلي عن الأراضي التي استولت عليها روسيا، واستبعاد انضمام كييف إلى حلف الشمال الأطلسي (الناتو).
وكان وزير الدفاع الأميركي بيت هيجسيث أول من كشف عن الموقف الأميركي الجديد، في اجتماع عقد الأربعاء، في مقر حلف الناتو في بروكسل، إذ أبلغ هيجسيث نظراءه المجتمعين في العاصمة البلجيكية أن زيلينسكي، لا يملك أي فرصة لتحقيق هدفه المتمثل في طرد القوات الروسية من شبه جزيرة القرم وشرق البلاد، وإعادة أوكرانيا إلى حدودها قبل عام 2014.
وعرضت واشنطن على زيلينسكي الحصول على ملكية حوالي 50% من حقوق المعادن الأرضية النادرة في بلاده، والتي جاءت بعد أن أشار ترمب إلى أن الولايات المتحدة تستحق نصف تريليون دولار من موارد أوكرانيا مقابل مساعداتها.
وقال مستشار الأمن القومي الأميركي مايك والتز، الأحد، إن الولايات المتحدة تستحق “تعويضاً” من أوكرانيا لدعمها في الحرب أمام روسيا، معتبراً أن زيلينسكي سيكون “حكيماً جداً” إذا قبل بصفقة المعادن التي عُرضت عليه الأسبوع الماضي، فيما طالبت كييف من واشنطن بـ”ضمانات أمنية”.
الموقف الروسي
حتى الآن، ترفض روسيا التخلي عن المناطق الأربع التي ضمتها إليها بعد الغزو في 2022، وهي (دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوروجيا) إلى جانب شبه جزيرة القرم التي ضمتها عام 2014، وتطالب باستبعاد انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، كجزء من أي تسوية، كما تطالب بإجراء انتخابات في أوكرانيا، إذ تعتبر زيلينسكي رئيساً “غير شرعي”، نظراً لعدم إجراء انتخابات بعد انتهاء مدة ولايته، وهو الطلب الذي كرره ترمب مساء الثلاثاء، بشكل مفاجئ.
وفي 14 يونيو الماضي، قدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مقترحات لتسوية الصراع الدائر في أوكرانيا، تتضمن الاعتراف بـ5 مناطق أوكرانية، وهي شبه جزيرة القرم ودونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوروجيا على أنها أراض روسية وتثبيت ذلك في المعاهدات الدولية، وسحب القوات الأوكرانية من كامل أراضي مناطق شرق أوكرانيا التي ضمتها إليها، إلى جانب حيادية وضع أوكرانيا بحيث تكون خارج التكتلات، وتجريدها من الأسلحة وخلوها من الأسلحة النووية.
ومن بين المقترحات تحدث بوتين عن رفع العقوبات المفروضة على بلاده، وكذلك “ضمان حقوق وحريات ومصالح المواطنين الناطقين بالروسية في أوكرانيا بالكامل”.
وقالت روسيا إنها تريد “إزالة الأسباب الجذرية للصراع الأوكراني وتهيئة الظروف للسلام طويل الأمد”، في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة.
واعتبر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن ظهور قوات حلف الناتو على الأراضي الأوكرانية أمر غير مقبول بالنسبة لروسيا.
ويرى الكرملين أنه “لا يمكن تحقيق تسوية شاملة، أو تسوية طويلة الأمد، أو تسوية قابلة للحياة في أوكرانيا دون النظر الشامل بقضايا الأمن في القارة”.
العلاقات مع إيران
منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، وفرض الغرب عقوبات غير مسبوقة على موسكو، عمقت روسيا علاقاتها الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية مع إيران بهدف المواجهة المشتركة للهيمنة الغربية، وهو ما أثار قلق واشنطن التي هددت بـ”رد شديد”، إذا امتد التعاون لإمداد طهران لموسكو بصواريخ بالستية.
ووقع ترمب مطلع فبراير، مذكرة تنص على إعادة سياسة “الضغط القصوى” على إيران، ورغم ذلك، أعرب عن أمله ألا تضطر واشنطن إلى استخدام المذكرة، ملمحاً إلى إمكانية التوصل إلى اتفاق مع طهران.
ومنذ بداية الحرب على أوكرانيا تصاعد التعاون العسكري بين البلدين، وبدأت إيران في 2024 في إرسال صواريخ باليستية قصيرة المدى إلى روسيا لتعويض ما تخسره في ساحة المعركة، كما زودت طهران موسكو بمسيرات من طراز “شاهد” استخدمت ضد أهداف أوكرانية خاصة بالبنية التحتية.
وتسد إيران حالياً 40% من احتياجات السوق الروسية من تكنولوجيا أنظمة التحكم الموزع والخاصة بإدارة العمليات المعقدة في العديد من الصناعات الحيوية، كمحطات توليد الطاقة، ومرافق البتروكيماويات، وإدارة محطات المياه. وتحصل من خلالها طهران على ملايين الدولارات من الجانب الروسي.
الموقف الأميركي
أعلن ترمب رغبته في عقد صفقة جديدة مع إيران “تسمح لها بالنمو والازدهار”، وذكر أنه قد يلتقي الرئيس الإيراني مسعود بيزشكيان “إذا انخرطت إيران في مفاوضات جادة مع الولايات المتحدة لعقد صفقة جديدة،” وخرجت تلك التصريحات بعد توقيعه مذكرة رئاسية أحيا من خلالها سياسة الضغط الأقصى على إيران بهدف منعها من امتلاك سلاح نووي، والحد من صادراتها النفطية.
وقال ترمب إن “إيران قريبة جداً من امتلاك سلاح نووي”، مؤكداً أنه “لا يمكن أن تمتلك طهران سلاحاً نووياً”، ولكنه ذكر بعدها بأيام، أنه يود أن يتمكن من إبرام “صفقة عظيمة مع إيران، صفقة ستمكنهم من مواصلة حياتهم بشكل جيد”.
واعتبر مستشار الأمن القومي الأميركي مايك والتز أن كافة الخيارات مطروحة في التعامل مع إيران، وبأن ترمب “سيقاتل”، لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي.
ولطالما توعد ترمب إيران بفرض عقوبات قاسية عليها وحصارها اقتصادياً وإفلاسها، خاصة أنه يرى أن الإدارة السابقة لجو بايدن “تساهلت مع إيران”، ما أدى لزيادة واردات إيران النفطية على مدار السنوات الأربع الماضية وتحقيقها مكاسب كبيرة، يمكنها من خلالها تمويل برنامجها النووي.
الموقف الروسي
تولي روسيا أهمية كبيرة للعلاقات الجيدة مع إيران، وأعلنت عزمها تطويرها على جميع الأصعدة، وتقديم المساعدة في حل المشكلات الرئيسية بما في ذلك البرنامج النووي”.
وأكدت موسكو أن المفاوضات الروسية الأميركية “لن يكون لها أي تأثير على التعاون بين موسكو وطهران”.
ويرى الكرملين أن كافة القضايا المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني “يمكن، بل ويجب، حلها من خلال المفاوضات، عارضاً مساعدة موسكو لطهران في ذلك”.
ورداً على سؤال بشأن موقف الكرملين في حال طلب ترمب، من روسيا وقف التعاون مع إيران، قال ديمتري بيسكوف إن “عملية التعاون بين موسكو وطهران لا علاقة لها بالعلاقات الروسية الأميركية”.
ويذكر أن الرئيس الإيراني زار موسكو الشهر الماضي، ووقع على معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين لمدة 20 عاماً، وأكدا أن هذه المعاهدة “غير موجهة ضد دولة ثالثة مع تغيب بند الدفاع المشترك عنها”.
ولدى روسيا وإيران تعاون في مجال الطاقة النووية السلمية، في الوقت نفسه ترفض روسيا امتلاك إيران للسلاح النووي.
ودعمت روسيا التوصل إلى الاتفاق النووي لعام 2015، ودانت انسحاب الولايات المتحدة منه.
العلاقات مع الصين
تشكل العلاقات مع الصين التي عززت تعاونها مع روسيا منذ 2022، ملفاً هاماً للإدارة الأميركية الجديدة، التي تهدد بإشعال حرب تجارية مع بكين، بعد فرض ترمب رسوماً جمركية على الصين نسبتها 25% في الأول من فبراير.
الموقف الأميركي
بخلاف فرض رسوم جمركية جديدة، والتهديد بفرض المزيد، حرص ترمب على تسمية فريق حكومي يجمع “صقور الصين” الذين أوضحوا طموحهم لمواجهة القوة العظمى الصاعدة المنافسة لأميركا في كل المجالات، من الاقتصاد إلى الأمن، لكن بخلاف ما حدث خلال إدارته الأولى، قد تكون القيادة في الصين أكثر استعداداً للتعامل مع نهج أميركي يميل للمواجهة.
واختار ترمب مايك والتز مستشاراً للأمن القومي، الذي صرح مرتين في السنوات الأخيرة بأن الحزب الشيوعي الصيني في “حرب باردة” مع أميركا، أما وزير الخارجية ماركو روبيو، فيُعرف في الصين بلقب “الطليعة المناهضة للصين”، ويخضع حالياً لعقوبات من بكين.
كذلك، حذّر بيت هيجسيث، المذيع السابق في قناة “فوكس نيوز” الذي تم اختياره وزيراً للدفاع، من أن الصين تسعى إلى هزيمة الولايات المتحدة وتحقيق الهيمنة العالمية.
ورغم ذلك، ألمح ترمب إلى إمكانية التوصل إلى “اتفاق تجاري” مع الصين، مشيداً بما وصفه بـ”حوار ودي” مع نظيره شي جين بينج.
الموقف الروسي
أعلنت روسيا والصين “شراكة بلا حدود”، وخلال زيارة بوتين إلى بكين في مايو 2024، وقع شي جين بينج وبوتين إعلاناً مشتركاً لتوسيع نطاق العلاقات، لاسيما في مجالات الطاقة والاقتصاد والرياضة، ليرسخان تعاوناً ازدادت وتيرته منذ غزو أوكرانيا.
وتتفق موسكو وبكين في عدد كبير من قضايا السياسة الخارجية، ومواقفهما، إما متقاربة أو متطابقة تماماً، وهما تدعوان إلى عمل مشترك لبناء نظام عالمي متعدد الأقطاب “أكثر عدلاً”.
وتحتل روسيا المرتبة الأولى في واردات الصين من الغاز الطبيعي، كما أنها تحتفظ بالمرتبة الأولى في واردات النفط.
وفيما يخص الأزمة الأوكرانية، تقدمت بكين بمقترح للتسوية، واختارت موقفاً شبه حيادي، وسط دعوات بتسوية سلمية للصراع.
الحرب في غزة
لاقت خطة ترمب، التي أعلنها بشأن تولي الولايات المتحدة السيطرة على قطاع غزة، وتحويله إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”، مع إعادة توطين الفلسطينيين في دول مجاورة، انتقادات فورية في الشرق الأوسط وخارجه.
الموقف الأميركي
كرر ترمب وأعضاء من إدارته التأكيد على جدية المقترح الأميركي، معتبرين أنه “المخطط الوحيد المتاح”، ولكن وزير خارجيته ماركو روبيو، قال إن “على الدول العربية، حلفائنا الذين نعمل معهم بشكل وثيق، أن يقدموا بديلاً إذا كانت لديهم خطة أفضل”.
وقال ترمب إنه “لا داع للعجلة” بشأن خطته لمستقبل قطاع غزة، مضيفاً أنها “لا تتضمن وجوداً عسكرياً أميركياً على الأرض”، وزعم أن ما طرحه “قوبل بشكل جيد في جميع أنحاء العالم”، وذلك على الرغم مما أثارته الخطة من رفض عربي ودولي.
الموقف الروسي
اعتبرت روسيا أن مقترح ترمب هو نتاج “ثقافة الإلغاء” بما في ذلك إلغاء القانون الدولي، في ما يتعلق بالوضع في الشرق الأوسط.
وقال لافروف: “تم ببساطة إلغاء قرارات مجلس الأمن الدولي، والتي اعترف بها الجميع دون استثناء قبل شهر ونصف كأساس ضروري للعمل لإقامة الدولة الفلسطينية.. تعلمون كيف أن ترمب تحدث عن الحاجة إلى إخلاء جميع السكان من قطاع غزة وتحويله إلى منتجع سياحي”.
وشدد الكرملين على أنه “لا يمكن التوصل إلى تسوية في الشرق الأوسط إلا على أساس حل الدولتين”، واصفاً حل الدولتين بأنه “الحل الوحيد الممكن”.
وقال المتحدث باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف: “سمعنا تصريح ترمب بشأن إعادة توطين سكان غزة، وسمعنا تصريحات من المنطقة ترفض ذلك”.
سوريا
فقدت روسيا حليفاً هاماً في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر الماضي، وهي تسعى للحفاظ على نفوذها هناك، والذي كانت تنازع فيه الولايات المتحدة التي تتواجد لها قوات هناك.
وفي واشنطن، يرى مسؤولون أميركيون وأعضاء بالكونجرس فرصة لإخراج روسيا من الشرق الأوسط، وإغلاق قواعدها العسكرية هناك، وحرمانها من منفذ هام على البحر المتوسط.
الموقف الأميركي
تواجه إدارة ترمب تحدياً في رسم ملامح استراتيجيتها تجاه الوجود العسكري الأميركي في سوريا، خصوصاً بعد سقوط نظام بشار الأسد، وتشكيل قيادة جديدة.
وأفادت تقارير أميركية بأن البنتاجون وضع خطة لسحب جميع القوات من سوريا خلال فترة تصل إلى 3 أشهر، ونفى ترمب هذه التقارير بعد ذلك.
ووفقاً لـ”البنتاجون”، ينتشر حالياً حوالي 2000 جندي أميركي في سوريا، وهو رقم يزيد بأكثر من الضعف عن العدد الذي أُعلن عنهم سابقاً، وكان 900 جندي فقط.
وتتمثل المهمة الأساسية للقوات الأميركية بسوريا في مكافحة “داعش”، ومنع التنظيم من إعادة بناء نفوذه في المنطقة، من خلال تنفيذ عمليات عسكرية وأمنية تستهدف فلوله وخلاياه النائمة.
الموقف الروسي
بعد سنوات من الدعم العسكري لحكومة بشار الأسد ضد المعارضة منذ 2015، بدأت روسيا في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، وأعلنت دعمها لإقامة عملية سياسية شاملة، وأشارت إلى أنها تواصل محادثاتها مع السلطات السورية بشأن عدة قضايا، بينها مصير قاعدتين عسكريتين لموسكو في البلاد، واصفة المحادثات بأنها “صريحة”.
وأجرى بوتين الأربعاء الماضي، اتصالاً هاتفياً مع الرئيس السوري أحمد الشرع، بحثا خلاله الوضع في سوريا، واتفقا على مواصلة الاتصالات لتطوير التعاون الثنائي. ووصف بيان صادر عن الكرملين المكالمة بأنها كانت “بناءة وعملية ومفيدة”.
وقال نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوجدانوف، إن بلاده تتوقع تطوير علاقاتها مع سوريا بشكل أكبر في المستقبل “على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة”.
ولا يزال مصير القواعد العسكرية الروسية في سوريا غير واضح، بعد الإطاحة بالأسد بعد 13 عاماً من الحرب الأهلية، التي لعبت فيها موسكو دوراً بارزاً.
وتضمنت اتفاقية أبرمها الرئيس السوري السابق حافظ الأسد مع الاتحاد السوفيتي، عام 1971، إقامة منشآت بحرية، ووضع نقطة دعم لوجستي تابعة للبحرية الروسية في ميناء طرطوس السوري.
الطاقة
تظل الطاقة مجالاً رئيسياً للتوتر بين الولايات المتحدة وروسيا، حيث تلعب عدة نقاط خلاف دوراً في تشكيل المفاوضات، وترتبط هذه الصراعات بالمصالح الاقتصادية، والنفوذ الجيوسياسي، وقضايا أمن الطاقة.
الموقف الأميركي
فرضت الولايات المتحدة عقوبات على مشاريع الطاقة الروسية، بما في ذلك تطوير النفط والغاز في القطب الشمالي، كما حدّت من وصول روسيا إلى التكنولوجيا الغربية والتمويل الدولي، وتسعى روسيا إلى تجاوز هذه القيود من خلال شراكات مع الصين ودول غير غربية أخرى.
وقال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إنه في حال نجاح الأطراف في التفاوض على إنهاء الصراع في أوكرانيا، فقد يفتح ذلك “فرصاً مذهلة” للتعاون مع الروس “في قضايا قد تكون مفيدة للعالم، وأيضًا لتحسين علاقاتنا على المدى الطويل”.
وأدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى اضطرابات كبرى في إمدادات الطاقة، بما في ذلك استهداف خطوط الأنابيب والبنية التحتية للطاقة. كما يُعد القطب الشمالي منطقة غنية بالطاقة تتنافس عليها الولايات المتحدة وروسيا، وقد تضغط الولايات المتحدة لضمان أمن الطاقة في أوكرانيا ومناطق النزاع الأخرى.
الموقف الروسي
والأربعاء، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن هناك حاجة لإجراء محادثات بشأن الطاقة بين زعماء روسيا وأميركا والسعودية.
وقال كيريل دميترييف، رئيس صندوق الثروة السيادي الروسي، الذي انضم إلى الوفد في الرياض، للصحافيين إن روسيا والولايات المتحدة يجب أن تطورا مشاريع مشتركة في مجال الطاقة.
وأضاف دميترييف: “نحن بحاجة إلى مشاريع مشتركة، بما في ذلك في القطب الشمالي ومناطق أخرى.”
وقد تركز المناقشات المستقبلية بين الجانبين، على أمن الطاقة في أوروبا، وبدائل إمدادات الغاز، وتأثير العقوبات الغربية على صادرات الطاقة الروسية، وجهود تحقيق استقرار أسواق النفط العالمية، ووضع سقف لأسعار النفط الروسي، وإمكانية التعاون أو المنافسة في إنتاج الطاقة.