تتسارع وتيرة المناقشات داخل الاتحاد الأوروبي بشأن سبل زيادة الإنفاق الدفاعي، إذ أصبحت خيارات صناديق التمويل المشتركة أكثر واقعية، في وقت تبحث أوروبا باستماتة عن سُبل لتمويل احتياجاتها الدفاعية، مع دخول الغزو الروسي لأوكرانيا عامه الثالث، ومطالبة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، برفع الإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، حسبما أوردت “بلومبرغ”.
وطُرح هذا الموضوع، بشكل غير رسمي، خلال الاجتماع الذي استضافه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في باريس، الاثنين، بحضور عدد من القادة الأوروبيين، من بينهم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والمستشار الألماني أولاف شولتز، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني.
والأسبوع الماضي، أشارت شخصيات بارزة في الإدارة الأميركية، إلى أن واشنطن ستمضي قدماً في اتخاذ قرارات بشأن مستقبل أوكرانيا ستؤثر على الهيكل الأمني لأوروبا لسنوات مقبلة، دون الرجوع إلى العواصم الأوروبية.
ودفع هذا الأمر، القادة الأوروبيين إلى التفكير بجدية في اتخاذ إجراءات حاسمة لضمان دورهم في حماية أمن القارة، بما في ذلك مناقشة خيار إصدار السندات المشتركة، رغم كونه قضية مثيرة للجدل.
وقال وزير الشؤون الأوروبية الفرنسي، بنيامين حداد، في مقابلة مع “بلومبرغ”، “في مواجهة هذه الأزمة، أعتقد أنه حان الوقت لاتخاذ قرارات تاريخية”، مضيفاً أن “السندات الأوروبية المشتركة هي إحدى الآليات التي ينبغي مناقشتها”.
وشهدت الأسواق الأوروبية تراجعاً في السندات وارتفاعاً في أسهم شركات الدفاع، الاثنين، وسط توقعات بزيادة الإنفاق العسكري.
وبحسب تحليل أجرته “بلومبرغ إيكونوميكس”، قد تضطر القوى الكبرى في القارة العجوز إلى إنفاق إضافي يصل إلى 3.1 تريليون دولار خلال العقد المقبل لحماية أوكرانيا وتعزيز قدراتها العسكرية.
وفي الوقت نفسه، يقدّر مخططو حلف شمال الأطلسي “الناتو”، أن “الحلف سيحتاج إلى تخصيص ما يصل إلى 3.7% من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق الدفاعي”، وفقاً لما ذكرته “بلومبرغ”، في وقت سابق، ومع ذلك، لم يحقق هذا الهدف سوى 23 دولة من أصل 32 عضواً في الحلف بحلول العام الماضي.
خيارات التمويل
وتشمل خيارات التمويل المطروحة، تفعيل بند الاستثناء في القواعد المالية للاتحاد الأوروبي، والذي يتيح للدول الأعضاء زيادة الإنفاق دون مخالفة اللوائح المالية للتكتل.
واقترحت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، الأسبوع الماضي، خلال كلمتها في مؤتمر ميونخ للأمن، تفعيل هذا البند لتمويل الاستثمارات الدفاعية.
وأكد المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية، فالديس دومبروفسكيس، أن الاتحاد الأوروبي سيبحث عن طرق لدعم الإنفاق الدفاعي للدول الأعضاء. وقال للصحافيين، الاثنين، في بروكسل: “نعمل حالياً على إيجاد مزيد من المرونة في القواعد المالية الأوروبية المتعلقة بالدفاع، وندرس كيفية تطبيق بند الاستثناء المدرج في تشريعاتنا”.
وتشمل الخيارات الأخرى المتاحة إعادة تخصيص بعض الأموال القائمة، بما في ذلك صندوق التعافي من جائحة فيروس كورونا، لاستخدامها في تمويل الإنفاق الدفاعي، وفقاً لمصادر “بلومبرغ”.
كما تجري مناقشات حول إمكانية مضي مجموعة أصغر من الدول قدماً في هذه الخطوة، بدلاً من انتظار موافقة جميع الدول الأعضاء البالغ عددها 27، وذلك لتجنب المفاوضات المطولة ومنح هذه الدول مرونة أكبر في إنشاء آليات لإصدار ديون مشتركة.
تعزيز الدفاعات
وفي هذا السياق، أشارت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، خلال عطلة نهاية الأسبوع إلى أن هناك خطة طموحة لتعزيز الدفاعات الأوروبية قيد الإعداد.
وقالت: “كما حدث مع اليورو وأزمة كورونا، هناك الآن حزمة مالية مخصصة لتعزيز الأمن في أوروبا”، مضيفة: “سيتم الإعلان عن ذلك في المستقبل القريب”، دون تقديم مزيد من التفاصيل.
وأكد مسؤولون، أنه “لن يتم الكشف عن الخطط الجديدة للإنفاق الدفاعي قبل الانتخابات الألمانية المقررة، الأحد، وذلك لتجنب إثارة الجدل قبل التصويت”، وتجدر الإشارة إلى أن “ألمانيا وهولندا كانتا تقليدياً من المعارضين لإصدار ديون مشتركة”.
من جانبهم، قدر خبراء الاقتصاد أن يمتلك الاتحاد الأوروبي حوالي 400 مليار يورو (419 مليار دولار) متاحة لتمويل الدفاع، وذلك عبر الموازنات الوطنية وصناديق التماسك الأوروبي، إضافة إلى إعادة تخصيص الأموال من برامج قائمة، مثل “آلية التعافي والقدرة على الصمود وآلية الاستقرار الأوروبية”.
وكتب خبراء الاقتصاد في تقرير، الاثنين: “إذا تجاوزت احتياجات الإنفاق هذا الحد، فقد يكون من الضروري البحث عن حلول جديدة على مستوى الاتحاد الأوروبي”.
وكانت مصادر أوروبية مطلعة، قالت، الاثنين، إن حكومات الاتحاد الأوروبي ستتمكن من زيادة إنفاقها العسكري دون انتهاك قواعد الميزانية للتكتل، وذلك بموجب خطط لتوسيع نطاق ما يمكن تصنيفه كاستثمار دفاعي، حسبما ذكرت مجلة “بوليتيكو”.
تحول في نظرة الأوروبيين
وفي السياق ذاته، قالت وزيرة الدفاع الليتوانية، دوفيلي ساكالينيه، إن هناك تحولاً كبيراً في نظرة الحلفاء الأوروبيين إلى قواعد الميزانية المشتركة والاقتراض المشترك، بعد المناقشات التي جرت خلال الأيام الأربعة الماضية في بروكسل وميونخ.
وأضافت في مقابلة مع تلفزيون “بلومبرغ”، الاثنين: “فيما يتعلق بالآليات الأوروبية المشتركة وأدوات التضامن، مثل تلك التي استخدمناها خلال الجائحة، أو في التحول الأخضر، يجب العمل على إنشائها فوراً. أعتقد أن الجميع، أو على الأقل الأغلبية العظمى، متفقون على ذلك”.
أما الدنمارك، التي طالما اتبعت نهجاً حذراً تجاه إصدار الديون المشتركة؛ بسبب التزامها بالمسؤولية المالية وتفضيلها لإدارة كل دولة لديونها بشكل منفصل، فقد أصبحت أكثر انفتاحاً على هذه الفكرة في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، إذ تسعى كوبنهاجن، إلى جانب دول أخرى، إلى تخفيف قواعد الميزانية الأوروبية لتعزيز الإنفاق العسكري.
وفي هذا الإطار، قالت رئيسة الوزراء الدنماركية، مته فريدريكسن، التي حضرت اجتماع باريس، في بيان، الاثنين: “يجب علينا زيادة الدعم العسكري لأوكرانيا، ويجب علينا تعزيز الإنتاج، كما يجب علينا التحرك بسرعة أكبر”، مضيفة “أشعر بوجود تصميم أوروبي جديد وجدية وحسم، وهي أمور نحتاجها بشدة”.
وفي ظل الأزمات المالية السابقة، تعتبر المفوضية الأوروبية، أن قواعدها المالية المُعدلة، التي دخلت حيز التنفيذ قبل عام فقط، لكنها وُصفت بأنها صارمة للغاية من قِبل دول مثل إيطاليا وبولندا، غير قابلة للمساس.
لكنها تحاول أيضاً إيجاد حلول مبتكرة لمنح الدول مزيداً من المرونة، إذ قال عدد من الدبلوماسيين الأوروبيين، إن مسؤولي وزارات المالية الأوروبية يعملون منذ فترة مع الإدارة الاقتصادية للمفوضية على هذه المسألة.