اختار قادة الاتحاد الإفريقي وزير خارجية جيبوتي، محمود علي يوسف، رئيساً للمفوضية الإفريقية، خلفاً للتشادي، موسى فكي، في خطوة يتوقع محللون أنها ستنعكس على أداء المنظمة الإقليمية وأدوارها في القارة، وكذا أولوياتها، إن لم تجابهه عقبات بيروقراطية وخلافات الدول الأعضاء.
وفي أول تصريحات له في أعقاب تغلّبه المفاجئ على منافسه، المرشح الرئاسي الكيني السابق، رايلا أودينجا بعد رهان معظم المحللين على فوز الأخير، قال الرئيس الجديد للمفوضية في حديث لـ”الشرق”، إن أبرز أولوياته هي السلام في القارة، مشيراً إلى أنه يعتزم “تقوية الآليات” التي تخدم هذه القضية.
وأضاف يوسف أنه سينظر أيضاً في “هيكلة” مفوضية الاتحاد الإفريقي معتبراً أنها تمثل تحدياً، كما هو شأن التمويل، موضحاً أنه “سيعمل على حث الدول الأعضاء لتوفيره من أجل تنفيذ برامج الاتحاد”.
وأشار رئيس المفوضية الإفريقية إلى أن قضايا الشعوب الإفريقية وفي مقدمتها النساء والشباب ستكون محل اهتمام كبير.
وقال وزير الاقتصاد والمالية في جيبوتي موسى دوالي، السبت، إن الزعماء الأفارقة اختاروا وزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف رئيساً لمفوضية الاتحاد الإفريقي.
وفازت الجزائر، بعد معركة دبلوماسية شرسة مع المغرب، بمنصب نائب رئيس المفوضية.
جوتيريش يدعو “لإسكات البنادق”
وسيمثل السودان والكونغو الديمقراطية أبرز التحديات أمام مهمة الدبلوماسي الجيبوتي المخضرم الجديد؛ وهما الملفان اللذان حازا اهتماماً كبيراً في هذه القمة وهامشها، حيث هيمنت القضيتان على غالب كلمات القادة الأفارقة ومسؤولي الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة.
وفي رد على أسئلة لـ”الشرق”، قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، إن شهر رمضان يمثل سانحة “لإسكات البنادق”، داعياً لوقف إطلاق نار فوري، خلال رمضان في السودان.
وكشف جوتيريش في رده على “الشرق” عن اتصالات تجريها منظمته مع الأطراف السودانية لتحقيق السلام. وأكد أنه دعا، في غير مناسبة، إلى إجراء تحقيق دولي بشأن ما يحدث في هذا البلد.
وكان لافتاً حضور رئيس الوزراء السوداني السابق، ورئيس التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة “صمود”، عبد الله حمدوك، قمة الرؤساء ورؤساء الحكومات، السبت، ما أثار موجة من التساؤلات، في ظل غياب السودان رسمياً عن القمة، بعد تجميد أنشطته في أعقاب إجراءات الجيش في أكتوبر 2021.
وفي حين أشار تعميم مقتضب نشرته “صمود” إلى مساعي حمدوك لدفع جهود السلام في السودان، رأى مراقبون أن حمدوك بصفته خبيراً اقتصادياً سبق له العمل سنوات طويلة في الأمم المتحدة، يحضر ضمن خبراء آخرين.
وأوضح نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني والقيادي في تحالف “صمود”، خالد عمر يوسف، لـ”الشرق”، هدف تواجد حمدوك في أديس أبابا، مشيراً إلى لقاءات يجريها وفد من تحالفه برئاسة حمدوك لما قال إنه “تنشيط للدور الإفريقي” للمساهمة في حل أزمة السودان سلمياً وبحث ملفات مهمة مثل وصول المساعدات الإنسانية.
وعقد حمدوك ووفده سلسلة لقاءات مع قادة ومسؤولين، من بينهم الرئيس الكيني ويليام روتو، ورئيس الدورة الحالية تيودورو أو بيانج نجيما مباسوجو رئيس جمهورية غينيا الاستوائية، ووزير خارجية نيجيريا، يوسف مايتاما توجار.
جلسة خاصة للسودان والكونغو
وبحث مجلس السلم والأمن الإفريقي، مساء الجمعة، ملفي السودان والكونغو الديمقراطية، في جلسة مغلقة، حضرها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، إلى جانب عدد من الزعماء الأفارقة.
وعلمت “الشرق” أن المجلس يتجه لدعوة الأطراف السودانية لهدنة إنسانية خلال شهر رمضان، قد تمدد إذا تم الالتزام بها، لوقف نار دائم.
واستبق وزير الخارجية السوداني علي يوسف، هذه الجلسة، بدعوة الاتحاد لإصدار قرار باستئناف أنشطة بلاده، غير أن مصادر في الاتحاد الإفريقي أبلغت “الشرق” بأن قراراً مماثلاً قد يناقشه الرئيس الجديد للمفوضية الإفريقية بعد استلام مهامه، وربما يستغرق بعض الوقت.
وقال مصدر رفيع في الاتحاد الإفريقي لـ”الشرق”، مساء السبت، إن بيان مجلس السلم والأمن بشأن جلسته حول السودان والكونغو الديمقراطية تم تمرير مسودته للدول الأعضاء بالمجلس لإدخال التعديلات اللازمة ومراجعته قبل نشره.
رفض تهجير الفلسطينيين بغزة
وألقت التطورات المتصلة بقطاع غزة بظلالها على قمة الزعماء الأفارقة. وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، في كلمته، إن الشعب الفلسطيني عانى “أكثر من اللازم” والسلام ممكن في الشرق الأوسط، ويبدأ بالتقدم في حل الدولتين، فيما أشار رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي المنتهية ولايته، موسى فكي إلى أن الشعب الفلسطيني “عانى ويعاني أبشع أنواع الظلم في التاريخ البشري”.
من جانبه، قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إنه في وقت تعمل حكومته لتنفيذ وقف إطلاق النار، وإيصال المساعدات “تخرج دعوات لتهجير الفلسطينيين”، في إشارة لتصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب المتتالية.
وأشار عباس إلى أن دعوات تهجير الفلسطينيين هدفها لفت الأنظار عن جرائم قوات الاحتلال وتقويض حل الدولتين، مشدداً على أن “المكان الوحيد الذي يجب أن يعود إليه الفلسطينيون هو مدنهم وقراهم وتعويضهم”.
وأضاف: “واهم من يحاول فرض صفقة قرن جديدة بتهجير شعبنا”، لافتاً إلى أن الشعب الفلسطيني هو الشعب الوحيد في العالم، الذي ما زال يرزح تحت الاستعمار.
بدوره، قال وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، إن السلطة الفلسطينية “لن تقبل بالتهجير ولا بنكبة جديدة كما حدث في 1948”.
وأضاف المالكي لـ”الشرق”، أن هناك موقفاً شبه موحد بين الدول العربية والإسلامية في رفض “خطة التهجير” وإعادة الاستعمار، لافتاً إلى مساع عربية لتقديم رؤية حول كيفية إعادة الإعمار في قطاع غزة مع إبقاء سكانه فيه.
وأشار إلى الجهود المبذولة من أجل استلام السلطة الفلسطينية مقاليد الحكم في غزة لجلب الأمن والسلام.
توقيع ميثاق للمصالحة الليبية
والجمعة، وقعت أطراف ليبية، بمقر الاتحاد الإفريقي، وثيقة للسلام والمصالحة، من بينها ممثلون عن مجالس “الرئاسة” و”الدولة” و”النواب” علاوة على مجموعة مؤيدة لسيف الإسلام، نجل الرئيس الليبي السابق، معمر القذافي، فيما غاب ممثلو حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ومجموعة مؤيدة لعضو المجلس الرئاسي، عبد الله اللافي.
واعتبر مجلس السلم والأمن، الذي رعى حفل التوقيع، أن الخطوة مهمة لدعم السلام في ليبيا. فيما أبدى رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي المنتهية ولايته موسى فكي، أسفه لغياب أطراف، معرباً عن أمله في انضمام جميع الفرقاء لهذا الجهد، لاحقاً.
وقال مقرر اللجنة التحضيرية لمؤتمر المصالحة الوطنية، ناجح العرفي، لـ”الشرق”، إنه يأمل في توقيع الأطراف الغائبة لاحقاً، مشيراً إلى أنها حضرت سابقاً مناقشات بشأن المبادئ العامة التي حوتها الوثيقة، في نهاية يناير الماضي، في الزنتان.
وناقش المؤتمر في أيامه الخمسة قضية العدالة و”التعويضات”، التي ينبغي أن تلتزم بها دول غربية استعمرت البلدان الإفريقية سابقاً، ولذوي الأصول الإفريقية أيضاً الذين تضرروا من الانتهاكات الإنسانية على مدى قرون. وإلى جانب ذلك حظيت القضايا الاقتصادية والتنموية بمناقشات موسعة في جلسات القمة ومجلسها التنفيذي المؤلف من وزراء الخارجية.
شكاوى من التنظيم
وفي حين امتدح بعض المحللين التطور الذي لاحظوه في أداء الاتحاد الإفريقي، وتنويع القضايا محل اهتمامه ومساعيه لحل مشكلات القارة بأيد إفريقية، نعى المحلل السياسي الإثيوبي، أنور إبراهيم، على القمة الحالية “مرورها المتعجل على قضايا جوهرية”، حسب رأيه.
واعتبر في حديث لـ”الشرق”، أن قضايا مثل السودان والكونغو الديمقراطية والأزمة بين إثيوبيا والصومال “لم تحظ بالنقاشات الكافية ولا المعمقة”.
وأشار إبراهيم أيضاً إلى ما وصفه بـ”خلل” في التنظيم وإجراءات أمنية مشددة، خاصة السبت، الأمر الذي أثار تذمر العشرات من الصحافيين الذين اصطفوا لأكثر من ساعتين، خارج قاعات الاتحاد ليُسمح لهم بالدخول، في ظل ضعف بالغ في شبكات الإنترنت، حرّم جلهم من النقل المباشر لكلمات القادة وكبار المسؤولين.
واشتكى آخرون من ضيق المساحات المخصصة لحركة الصحافيين في يوم القمة وحرمانهم من الالتقاء بالقادة والوزراء والحديث معهم. لكن رجل أمن في الاتحاد الإفريقي تحدثت إليه “الشرق” برر الإجراءات برغبة المنظمة في تنظيم القمة على نحو دقيق وحماية الوفود الرسمية.