تعهد وزير خارجية جنوب إفريقيا رونالد لامولا بالمضي قدماً في قضية “الإبادة الجماعية”، التي رفعتها بلاده ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، رغم الأمر التنفيذي الذي وقعه الرئيس الأميركي دونالد ترمب، لمعاقبة جنوب إفريقيا على تبني موقف “عدائي” تجاه الحليف الأميركي.
وقال وزير خارجية جنوب إفريقيا رونالد لامولا لصحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، إنه “لا توجد أي فرصة” لسحب القضية من المحكمة الدولية، رغم تهديدات ترمب.
وأضاف: “التمسك بمبادئنا ربما تكون له عواقب أحياناً، لكننا نظل ثابتين على موقفنا، لأن هذه القضية مهمة للعالم، وسيادة القانون”.
وفي أواخر عام 2023، رفعت جنوب إفريقيا دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية، واتهمت فيها إسرائيل بارتكاب “إبادة جماعية” بسبب حملتها العسكرية على قطاع غزة، التي أودت بحياة عشرات الآلاف، وتسببت في أزمة إنسانية وهي اتهامات تنفيها إسرائيل.
ورغم أن الحكم النهائي لم يصدر بعد، فرضت المحكمة العام الماضي إجراءات طارئة تُلزم إسرائيل بالحد من الأضرار.
وأشار البيت الأبيض إلى هذه القضية بوصفها مثالاً على اتخاذ جنوب إفريقيا مواقف ضد واشنطن وحلفائها.
قطع المساعدات
ووقع الرئيس الأميركي الأسبوع الماضي أمراً تنفيذياً بوقف “المساعدات أو المعونات الخارجية” لجنوب إفريقيا، رداً على دعواها أمام محكمة العدل الدولية وقانون جديد لمصادرة الأراضي، تقول واشنطن إنه يهدف إلى الاستيلاء على ممتلكات عرقية “الأفريكان”، وهم أصحاب البشرة البيضاء من مواطني البلاد، بل وعرضت إعادة توطين أحفاد المستوطنين الأفريكان الفارين من “التمييز العنصري الذي ترعاه الحكومة”.
كما اتهمت الولايات المتحدة جنوب إفريقيا بالتعاون مع إيران “لتطوير ترتيبات تجارية وعسكرية ونووية”، فيما أعلن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، أنه لن يحضر اجتماع مجموعة العشرين في جنوب إفريقيا، التي تستضيف القمة هذا العام، احتجاجاً على ما وصفه بسياساتها المتعلقة بـ”التنوع والمساواة والشمول”.
وأشارت “فاينانشيال تايمز” إلى أن حملة ترمب ضد جنوب إفريقيا تحولت إلى تحدٍ رئيسي للحكومة الائتلافية، التي تخشى أن يتجاوز الأمر خسارة 440 مليون دولار من المساعدات الأميركية، ليطال أيضاً حرية الدخول بدون رسوم جمركية إلى الأسواق الأميركية بموجب “قانون النمو والفرص في إفريقيا” (أجوا).
ووصف لامولا الادعاءات الأميركية بأنها “معلومات مضللة”، فيما قال مسؤولون إن قانون مصادرة الأراضي ليس “تعسفياً”، بل ضروري لمعالجة التفاوت في ملكية الأراضي بعد حقبة الفصل العنصري.
وقال لامولا: “تربطنا علاقة جيدة مع إيران، لكننا لا نمتلك أي برامج نووية معها، ولا أي تجارة تُذكر”، مشيراً إلى أن جنوب إفريقيا تسعى إلى “حوار عاجل” مع الولايات المتحدة، مضيفاً: “نحن مستعدون للتواصل معهم لإقناعهم، إذا كانوا على استعداد للاستماع”.
انقسام داخلي
لكن الحكومة الائتلافية، التي تولت السلطة العام الماضي بعد فقدان حزب “المؤتمر الوطني الإفريقي” أغلبيته في الانتخابات العامة، منقسمة بشأن كيفية التعامل مع تداعيات الأزمة، وفقاً لـ”فاينانشيال تايمز”.
وأيد جون ستينهايسن، زعيم التحالف الديمقراطي، الشريك المؤيد لقطاع الأعمال في الائتلاف، ضرورة تحرّك جنوب إفريقيا بشكل عاجل لإصلاح علاقاتها مع ترمب.
وقال: “إذا لم نتمكن من إصلاح علاقتنا مع أحد أكبر شركائنا التجاريين وأكبر اقتصاد في العالم، فسيشكل ذلك خطراً واضحاً ومباشراً على خططنا للنمو وفرص العمل”، مضيفاً أن كل شيء، من وظائف القطاع الزراعي إلى الاستثمارات، قد يتأثر.
مع ذلك، ألقى ستينهايسن باللائمة على حزب “المؤتمر الوطني الإفريقي” في توتر العلاقات مع واشنطن، بسبب ما وصفه بـ”التقرّب من روسيا”، و”الرائحة الكريهة” التي تحيط بعلاقاته مع إيران.
لكنه دعا في الوقت نفسه الولايات المتحدة إلى منح الحكومة بعض المرونة، مشيراً إلى أنه ليس بإمكان جنوب إفريقيا سحب قضيتها من محكمة العدل الدولية.
من جانبه، رأى سونجيزو زيبي، زعيم حزب “رايز مزانسي” الوسطي، وهو عضو آخر الائتلاف الحاكم، أنه “لا يوجد فعلياً أي شيء يمكن لجنوب إفريقيا فعله لإرضاء إدارة ترمب”.
وأضاف أن الخلاف المتصاعد “ربما يُطرح وكأنه يتعلق بجنوب إفريقيا، لكنه أكبر من ذلك”، معتبراً أنه جزء من حملة أوسع ضد التعددية.
من جانبها، رفضت جماعات “الأفريكان” إلى حد كبير عرض اللجوء الذي قدمه ترمب. وقالت منظمة “أفريفوروم”، وهي جماعة ضغط محلية تدافع عن مصالح “الأفريكان”، إن أقل من 1% من أعضائها البالغ عددهم 300 ألف أبدوا اهتماماً بالهجرة إلى الولايات المتحدة كلاجئين.
وحذّر محللون من أن فقدان الوصول المعفى من الرسوم الجمركية إلى الأسواق الأميركية في حال إلغاء قانون “أجوا” ربما يوجه ضربة قاسية لقطاعات الصناعة في جنوب إفريقيا. وصدرت البلاد بضائع بقيمة 3.6 مليار دولار بموجب هذا القانون العام الماضي، وفقاً للصحيفة.