قال مسؤولون في الإدارة الأميركية، إن مقترح الرئيس دونالد ترمب بشأن السيطرة على قطاع غزة وإعادة إعمارها، كان محصوراً في نطاق ضيق بين كبار مستشاريه، وظهر مؤخراً، ولم يكن معروفاً لدى المسؤولين خارج دائرة المقربين منه، حتى خلال التحضيرات لاجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حسبما أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال”.
ووعد الرئيس الأميركي، خلال حملته الانتخابية بتقليص دور الولايات المتحدة الخارجي، لكنه تبنى منذ توليه المنصب رؤية للعالم تميل في بعض الأحيان إلى “التوسع بدلاً من الانعزال”.
لكن ترمب أثار صدمة عالمية، الثلاثاء، عندما قال إن الولايات المتحدة يجب أن تتولى السيطرة على غزة على المدى الطويل، مقترحاً إعادة توطين الفلسطينيين في مصر أو الأردن أو دول أخرى، بينما يتم إعادة إعمار القطاع ليصبح “ريفييرا الشرق الأوسط”.
تحول موقف ترمب
وقالت “وول ستريت جورنال”، إن تصريحات ترمب تمثل “تحولاً لافتاً” في موقفه، الذي وصف الشرق الأوسط خلال فترته الرئاسية الأولى بأنه “دماء ورمال”، وفقاً لما ذكره مستشار قديم له. أما الآن، فإنه يقترح إعادة بناء غزة، وهي عملية يقول مساعدوه إنها قد تستغرق ما بين 10 و15 عاماً.
وفاجأ المقترح بعضاً من أشد مؤيديه في المجتمع اليهودي، إذ وصف أحد كبار الممولين الموالين لإسرائيل الفكرة بأنها “غير معقولة”، متسائلاً عن كيفية تنفيذها.
وقال إن مثل هذه السياسة “ستحتاج إلى أكثر من عام لتنفيذها، مع وجود متغيرات كثيرة تجعل تنفيذها أمراً معقداً”.
بدوره، قال نتنياهو خلال المؤتمر الصحافي، إن أحد أهدافه الرئيسية هو ضمان عدم وجود “إرهابيين” في غزة، مضيفاً أن ترمب أخذ هذا المفهوم “إلى مستوى أعلى بكثير”.
وأضاف: “هذا شيء يمكن أن يغير التاريخ، ومن الجدير حقاً استكشاف هذا المسار”، وفقاً لـ”وول ستريت جورنال”.
أميركا في قلب الصراعات
واعتبرت “وول ستريت جورنال”، أن السيطرة على هذا الإقليم المتنازع عليه بشدة، ستضع الولايات المتحدة في قلب الصراعات الدبلوماسية والأمنية الأكثر تعقيداً في العالم، ما يثير احتمالية أن يدفع ترمب البلاد نحو نوع من التدخلات الخارجية التي وعد الناخبين بتجنبها.
ولم يستبعد ترمب إمكانية إرسال قوات أميركية إلى غزة لتحقيق أهدافه.
وفي وقت يسعى فيه ترمب إلى توسيع النفوذ الأميركي في الخارج، فإنه يواصل تنفيذ أجندة “أميركا أولاً” التي تهدف إلى تعزيز التصنيع المحلي من خلال فرض رسوم جمركية قاسية على الحلفاء والخصوم.
وجمد ترمب المساعدات الخارجية وسعى إلى تقليص دور الوكالة الأميركية التنمية الدولية USAID، بحجة أن الحكومة ترسل أموالاً طائلة إلى الخارج، لكن ملف غزة يكشف مدى الجرأة التي يتعامل بها ترمب في ولايته الثانية.
ويرى ترمب في فوزه المريح في انتخابات نوفمبر الماضي “غطاءً سياسياً لاتخاذ قرارات وفقاً لغرائزه”، إذ وضع نصب عينيه الاستحواذ على جزيرة جرينلاند الاستراتيجية، وأثار نزاعاً لاستعادة السيطرة على قناة بنما، بل وصرح بأن كندا يجب أن تصبح الولاية الـ51 لأميركا.
وقال أحد مستشاري الرئيس، إن البعض تجاهل رغبة ترمب في السيطرة على جرينلاند أو قناة بنما، لكنه “جاد للغاية بشأن ذلك”.
ولفتت الصحيفة إلى أن خطة ترمب بشأن غزة، يظهر اعتماده على خبرته الطويلة كرجل أعمال ومطور عقاري، إذ ينظر إلى العالم كمساحة لتوسيع النفوذ الأميركي وتعزيز إرثه.
ففي الوقت الذي يسعى فيه لمنع حظر تطبيق “تيك توك” المملوك للصين، اقترح أن تستحوذ الولايات المتحدة على حصة ملكية في الشركة، وعندما يتحدث عن الغزو الروسي لأوكرانيا، فإنه يعبر عن أسفه للخسائر البشرية، سواء الأوكرانية أو الروسية، لكنه يركز أيضاً على تدمير المدن الجميلة هناك.
سياسة بمنظور عقاري
وأبدى دبلوماسيون مخضرمون دهشتهم من خطة ترمب لغزة، إذ قال دان شابيرو، السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل في عهد الرئيس السابق باراك أوباما: “إنه ليس اقتراحاً جاداً، وإذا تم تنفيذه، فسيتطلب تكاليف باهظة من حيث الأموال والقوات الأميركية، دون دعم من الشركاء الإقليميين الرئيسيين”.
وقالت “وول ستريت جورنال”، إن ملامح رؤية ترمب لغزة بدأت تظهر في تصريحاته العلنية والخاصة، ففي 20 يناير الماضي، بعد أدائه اليمين الدستورية، قال للصحافيين: “غزة موقع مثير للاهتمام، موقعها رائع، تطل على البحر، والطقس فيها هو الأفضل، كل شيء جيد. يمكن فعل أشياء جميلة هناك”. وعندما سئل عما إذا كان سيساعد في إعادة الإعمار، أجاب: “ربما أفعل”.
بدوره، قال ستيف ويتكوف، المطور العقاري الذي عينه ترمب مبعوثاً له في الشرق الأوسط، في مقابلة تلفزيونية، إن “غزة أصبحت غير صالحة للسكن بعد الضربات الإسرائيلية العقابية، متسائلاً عن مدى إنسانية السماح للناس بالعيش هناك قبل إعادة بنائها”.
وفي أواخر الصيف الماضي، أجرى ترمب مكالمة مع نتنياهو، قال فيها إن قطاع غزة يُعد قطعة عقارية متميزة، واقترح عليه التفكير في نوعية الفنادق التي يمكن بناؤها هناك، لكنه لم يذكر قضية سيطرة الولايات المتحدة عليه.
وطرح ترمب رؤية مماثلة على زعيم كوريا الشمالية، كيم جونج أون، خلال ولايته الأولى، معتبراً أن إمكانية بناء الفنادق والمشاريع التنموية على السواحل الكورية قد تكون حافزاً للتخلي عن الترسانة النووية.
وقالت “وول ستريت جورنال” إن ترمب لطالما تحدث عن السياسة الخارجية بمنظور عقاري، كما فعل خلال حملة لجمع التبرعات عندما تطرق إلى قراره في 2019، بدعم سيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية.