حذّر وزير الدفاع البريطاني من تزايد التهديدات الروسية لأمن بلاده، مشيراً إلى عبور سفينة تجسس روسية للمرة الثانية خلال الأشهر الثلاثة الماضية القنال الإنجليزي (بحر المانش)، في واقعة جديدة يبدو أنها تهدف إلى اختبار القدرات العسكرية البريطانية، حسبما ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز”.
وقال الوزير جون هيلي في كلمة أمام البرلمان، الأربعاء، إنه تم نشر سفينتين تابعتين للبحرية الملكية لمدة يومين لمراقبة مرور السفينة “يانتار”، والتي وصفها بأنها “سفينة تجسس روسية تُستخدم لجمع المعلومات الاستخباراتية، ورسم خرائط للبنية التحتية الحيوية تحت الماء في بريطانيا”.
وأضاف الوزير أن السفينة “يانتار” اكتشفت لأول مرة في المياه البريطانية العام الماضي، وكانت هناك غواصة بريطانية تراقبها.
وأردف هيلي: “روسيا تظل التهديد الأكثر إلحاحاً ومباشرةً لبريطانيا”، موجهاً رسالة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال فيها: “نحن نراكم، ونعلم ما تفعلونه، ولن نتردد في اتخاذ إجراءات حاسمة لحماية هذا البلد”.
وأخبر هيلي المشرعين البريطانيين، أنه قد غيَّر قواعد الاشتباك البحرية للسماح للسفينتين البريطانيتين بالاقتراب بشكل أكبر من السفينة “يانتار” ومراقبة تحركاتها، والتي غادرت بعد ذلك إلى المياه الهولندية.
وأوضح أنه في نوفمبر الماضي، تم رصد “يانتار” تبحر فوق البنية التحتية الحيوية البريطانية، إذ تم السماح لغواصة تابعة للبحرية الملكية بالظهور على السطح بالقرب من السفينة للتأكيد على أنها تحت المراقبة.
وفي ذلك الوقت، قالت بريطانيا إن السفينة “يانتار” كانت مصحوبة بالفرقاطة “جولوفكو” (سفينة من الجيل الجديد متعددة الأغراض مزودة بأسلحة صاروخية موجهة، ومُصمَمة لحل المشكلات في المناطق البحرية والمحيطية البعيدة)، وناقلة الدعم “فيازما”، قبل أن تغادر السفن إلى البحر الأبيض المتوسط.
ووفقاً للصحيفة، فإن السفن الحربية الروسية ظلت لسنوات تنفذ مهاماً بالقرب من بريطانيا وأماكن أخرى، لكن هيلي قدَّم قدراً “غير عادي” من التفاصيل حول عالم المراقبة العسكرية الذي عادةً ما يكون غامضاً، ما يؤكد القلق المتزايد بشأن النشاط الروسي، خاصةً حول الكابلات البحرية الحيوية التي تربط بريطانيا ببقية أوروبا.
توغلات روسية
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الواقعة هي الأحدث في سلسلة من التوغلات التي تقوم بها السفن والطائرات الروسية بالقرب من بريطانيا، كما أنها تأتي في وقت يتزايد فيه القلق في أوروبا بشأن التهديدات للبنى التحتية الحيوية وعمليات التخريب المحتملة، مع تحذير أجهزة الاستخبارات الغربية من نية الكرملين معاقبة القارة على دعمها لأوكرانيا.
ورغم قيام السُلطات بالربط بين أجهزة الاستخبارات الروسية وأعمال التخريب والحرائق المُتعمَدة والاعتداءات في مختلف أنحاء أوروبا في السنوات الأخيرة، فإن التهديدات البحرية أثارت القدر الأكبر من القلق، ودفعت إلى اتخاذ أكثر الردود جرأة.
وقال أليستير كارمايكل، وهو عضو في البرلمان البريطاني عن جزر أوركني وشيتلاند، إن “أنشطة يانتار قد تكون تصعيداً”، لافتاً إلى أنه ظل يحذر لمدة عامين تقريباً من أن السفن الروسية تعمل حول جزر شيتلاند، شمال اسكتلندا.
وأضاف كارمايكل: “هذا تهديد استراتيجي للمملكة المتحدة ككل، ولكنه مقلق بشكل خاص لمجتمعات جزرنا التي تعتمد على الكابلات للاتصالات الرقمية والطاقة”.
وأعلن حلف شمال الأطلسي “الناتو”، الأسبوع الماضي، نشر سفن حربية وطائرات دورية وطائرات مُسيَّرة لحماية البنية التحتية الحيوية في بحر البلطيق، بعد أن تم قطع العديد من الكابلات البحرية هناك، على ما يبدو بواسطة سفن كانت تسحب مراسيها على طول قاع البحر.
وتوجهت الشكوك بشأن قطع هذه الكابلات إلى السفن المرتبطة بكل من روسيا والصين، حيث ظلت سفن الاتحاد الأوروبي تحاصر سفينة تحمل علم الصين لأسابيع، بينما احتجزت فنلندا ناقلة نفط، قال خبراء ومسؤولون إنها قد تكون “جزءاً من جهود روسية لتجنب العقوبات الغربية”.
ونقلت الصحيفة عن جاستن كرومب الرئيس التنفيذي لشركة “سيبيلاين” للاستخبارات الخاصة، والذي يتابع السفينة منذ سنوات، قوله إن “يانتار” التي دخلت الخدمة منذ نحو عقد من الزمن هي سفينة تجسس متطورة للغاية، طورتها إدارة أبحاث أعماق البحار في روسيا خصيصاً للبحث عن الكابلات البحرية المهمة، مضيفاً أن السفينة مزودة بغواصتين مستقلتين يمكنهما العمل على نطاق واسع وبشكل غير مُكتشَف إلى حد كبير.
وتابع: “على الرغم من أن يانتار قد تكون قادرة على القيام بأعمال تخريبية، فمن المرجح أن تُستخدَم للبحث عن الكابلات، وربما استغلالها لجمع المعلومات الاستخباراتية، أو رسم خرائط لمواقعها من أجل عمليات مستقبلية”.
ورغم أن أجهزة الاستخبارات والخبراء يقولون إن قطع الكابلات البحرية يتناسب مع يتم وصفه بـ “الدليل السري للكرملين”، فإنه ثبت أنه من الصعب الكشف فعلياً عن أدلة تربط روسيا بحوادث التخريب الأخيرة، والتي نفى الكرملين انخراطه فيها.
قطع الكابلات البحرية
في الساق، أعلنت السُلطات الفنلندية، الأربعاء، أن التحقيق الأولي في قطع العديد من الكابلات البحرية الحيوية الشهر الماضي بات يقترب من نهايته، لكنها قالت إنه سيكون من السابق لأوانه القول ما إذا كانت أي دولة تقف وراء هذا العمل.
وخلص المحققون إلى أن ناقلة النفط التي تم ضبطها “إيجل-إس”، التي غادرت ميناءً روسياً قبل وقت قصير من قطع الكابلات، قد جرَّت مرساها لمسافة تصل إلى 100 كيلومتر عبر قاع البحر، وهو عمل يقول الخبراء إنه يصعب أن يكون عرضياً.
وقد حدد خبراء الشحن أن السفينة “إيجل-إس” تنتمي إلى ما يُسمى بـ “أسطول الظل” الروسي، وهي مجموعة من الناقلات القديمة التي تستخدمها موسكو لنقل النفط الخام سراً حول العالم لإمداد آلة الحرب الروسية في أوكرانيا، ولا تزال الناقلة وتسعة من أفراد طاقمها قيد الاحتجاز في فنلندا.
ويقول الخبراء إنه لطالما أبدت روسيا اهتماماً بشبكة الكابلات البحرية الغربية، وعلى مدى السنوات الماضية، أمضت السفن البحرية والتجارية الروسية بعض الوقت قبالة سواحل إيرلندا، حيث تربط مجموعة من الكابلات البحرية أوروبا بأميركا الشمالية.
ونقلت الصحيفة عن إليزابيث براو، وهي باحثة في “المجلس الأطلسي” وتدرس النشاط البحري الروسي، قولها: “ما لا نعرفه هو سبب قيامهم بذلك”، وتساءلت: “هل هم فقط يبعثون برسالة مفادها أننا يمكننا التواجد فوق الكابلات البحرية كما نريد وأنتم لا تستطيعون فعل أي شيء حيال ذلك؟ أم يقومون بإجراء استطلاع للقيام بأعمال قد يرغبون في تنفيذها في المستقبل؟ أم يقومون ببعض الأنشطة العدائية؟”.
وأضافت: “لا يوجد الكثير مما يمكن للدول فعله حيال ذلك، لأن القانون البحري الدولي لا يمنع السفن الروسية من العمل في هذه المناطق”.
وكانت بريطانيا واحدة من أكثر الدول التي دعمت أوكرانيا منذ الغزو الروسي في عام 2022، وزادت حدة التوترات بين لندن وموسكو في العام الماضي، عندما أطلقت كييف صواريخ “ستورم شادو” البريطانية على منطقة كورسك الروسية.
وفي أكتوبر الماضي، وفي خضم تصاعد التوترات بين البلدين، قال رئيس جهاز الأمن الداخلي البريطاني MI5، كين ماكالوم، إن عملاء الاستخبارات الروسية كانوا في مهمة لـ”إحداث فوضى في الشوارع البريطانية والأوروبية”، متهماً وكالة الاستخبارات العسكرية الروسية بارتكاب “أعمال خطيرة تتم بتهور متزايد”، بما في ذلك حالات من “الحرق المتعمد، والتخريب”.
وأفادت بريطانيا مؤخراً بالمزيد من الإجراءات العسكرية الروسية الصريحة، ففي سبتمبر الماضي، أعلنت إطلاق طائرات Typhoon البريطانية لاعتراض طائرتين روسيتين من طراز Bear-F كانتا تعملان بالقرب من المجال الجوي للمملكة المتحدة، كما قالت إن البحرية البريطانية تعقبت 4 سفن روسية،عبر القناة الإنجليزية وبحر الشمال.