تعهد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الاثنين، بـ”استعادة الولايات المتحدة لقناة بنما”، خلال خطاب تنصيبه، مستشهداً بعقيدة “المصير الواضح” (Manifest Destiny) التوسعية التي سادت في أميركا خلال القرن التاسع عشر.
وكرر ترمب تهديده الذي أطلقه قبل يوم التنصيب بإعادة فرض السيطرة الأميركية على القناة، واتهم بنما مرة أخرى بـ”خرق الوعود التي قطعتها على نفسها” بعد نقل الملكية إليها في عام 1999، وأنها “تنازلت عن تشغيل القناة للصين”، وهي ادعاءات نفتها الحكومة البنمية بشدة.
وقال ترمب: “لم نسلمها للصين. لقد سلمناها لبنما وسنستعيدها”، قبل أن يضيف: “الولايات المتحدة بحماقة منحت القناة لبنما”.
ولم يذكر ترمب تفاصيل أخرى، عن متى أو كيف ينوي القيام باستعادة القناة، لكنه رفض في السابق استبعاد الاستخدام المحتمل للقوة العسكرية، الأمر الذي أثار انتقادات من أصدقاء واشنطن وأعدائها في أميركا اللاتينية على حد سواء.
وتابع ترمب قائلاً: “لقد عوملنا بشكل سيئ للغاية بسبب هذه الهدية الحمقاء التي لم يكن ينبغي أن نمنحها (لبنما) أبداً، وقد تم كسر وعد بنما لنا، لقد تم انتهاك غرض صفقتنا، وروح معاهدتنا تماماً”.
وزعم ترمب أن السفن الأميركية “تتعرض لرسوم زائدة بشكل كبير، ولا يتم التعامل معها بشكل عادل بأي شكل من الأشكال”.
“المصير الواضح”
وبينما لم يذكر ترمب جرينلاند أو كندا في خطاب تنصيبه، إلا أنه قدم تلميحات عن التطلعات الإقليمية والتوسعية خلال ولايته الثانية، التي تستمر أربع سنوات.
وقال ترمب: “ستعتبر الولايات المتحدة نفسها مرة أخرى دولة متنامية، دولة تزيد ثروتها، وتوسع أراضيها، وتبني مدنها، وترفع توقعاتها وتحمل علمها إلى آفاق جديدة وجميلة”. وأضاف: “سنسعى لتحقيق مصيرنا الواضح فوق النجوم، بإطلاق رواد فضاء أميركيين إلى كوكب المريخ”.
وعبارة “المصير الواضح” صيغت في منتصف القرن التاسع عشر، وهو اعتقاد ديني بأن على المستوطنين الأوائل التوسع في أميركا الشمالية. واستُخدمت هذه العبارة لتبرير الاستيلاء على أراض في المكسيك، ومن الأميركيين الأصليين.
وتعد تصريحات ترمب بشأن بنما في خطاب التنصيب، التهديد الأبرز للرئيس الـ47 للولايات المتحدة بشأن ما يوصف بـ”أجندته التوسعية”، علماً أنه أعلن أيضاً تغيير اسم خليج المكسيك إلى خليج أميركا.
وفي الفترة التي سبقت تنصيبه، قال ترمب إنه يريد الاستحواذ على جزيرة جرينلاند، ووصف الإقليم الدنماركي بأنه يشكل أهمية حاسمة للأمن القومي للولايات المتحدة، كما طرح مراراً فكرة تحويل كندا إلى ولاية أميركية
رئيس بنما: القناة ستبقى ملكاً لبنما
وتصر بنما على أنها تعامل جميع السفن التي تمر عبر القناة بشكل عادل، وقالت إن الصين ليس لديها سيطرة على إدارتها.
ورد رئيس بنما خوسيه راؤول مولينو، الاثنين على تصريحات ترمب، معلناً أن بلاده “أدارت القناة بشكل مسؤول” أمام التجارة العالمية، بما في ذلك للولايات المتحدة، وأن القناة “كانت وستظل تابعة لبنما”.
وكان وزير خارجية بنما خافيير مارتينيز آشا، قد اعتبر في 8 يناير الجاري، أن قناة بنما جزء من تاريخ نضال البلاد واستحقاق لا رجعة فيه، مشدداً على أنها ملك للبنميين “وستظل كذلك”، كرد على تصريحات ترمب المتكررة.
ويعتبر البنميون يوم 31 من ديسمبر عيداً وطنياً بامتياز، له مكانته الكبيرة، حيث استلمت حكومة بلادهم في مثل هذا التاريخ قبل 25 عاماً إدارة القناة بشكل كامل من الولايات المتحدة، وذلك بعد توقيع اتفاقية توريخوس-كارتر عام 1977 والتي انتهى بها التواجد الأميركي عام 1999.
وقناة بنما مسؤولة عن قرابة 6% من حركة التجارة العالمية، حيث تبلغ قيمة البضائع التي تعبر القناة حوالي 270 مليار دولار سنوياً، كما تُعد الولايات المتحدة أكثر الدول اعتماداً على القناة. ففي عام 2024 عبرت القناة شحنات باتجاه أميركا بحجم 160 مليون طن، تليها الصين مباشرة بـ45 مليون طن.
واتهم منتقدو ترمب باستخدامه لغة تستحضر “الإمبريالية الحديثة”، مشيرين إلى أن مثل هذا الخطاب قد يشجع روسيا على حربها في أوكرانيا، ويعطي مبرراً للصين إذا قررت “غزو تايوان”، وفق ما أوردت “رويترز”.
وقناة بنما هي ممر مائي اصطناعي طوله 82 كيلومتراً يربط بين المحيطين الهادئ والأطلسي عبر بنما، ما يوفّر للسفن آلاف الأميال والسفر لأسابيع حول الطرف الجنوبي لأميركا الجنوبية الذي يتعرض لأجواء عاصفة وجليدية.
وتُعد الرحلة التي تقطعها السفن المتجهة من لوس أنجلوس إلى نيويورك عبر القناة أقصر بنحو 8 آلاف ميل (أو ما يعادل 22 يوماً) مقارنة بالسفر عبر مضيق ماجلان قبالة تييرا ديل فويجو، وهو أرخبيل في أقصى جنوب أميركا اللاتينية.
وتنقل القناة السفن عبر بحيرة جاتون، التي ترتفع نحو 26 متراً فوق مستوى سطح البحر، عبر سلسلة من الأهوسة المائية. ويتطلب عبور كل سفينة نحو 200 مليون لتر من المياه العذبة.