خلص التقرير النهائي، الذي أصدره المحقق الأميركي الخاص جاك سميث بعبارات قاطعة، إلى أن دونالد ترمب، المقرر تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة خلال أقل من أسبوع، كان من الممكن إدانته بتهم جنائية متعددة على جهوده المزعومة في إلغاء نتائج انتخابات عام 2020 بشكل غير قانوني، لو لم يقرر الناخبون إعادته إلى البيت الأبيض في انتخابات عام 2024.
كان هذا أحد الاستنتاجات الأساسية الواردة في التقرير النهائي لسميث بشأن تحقيقه في قضية التدخل في الانتخابات، الذي نشرته وزارة العدل الأميركية، الثلاثاء، بعد أن مهد السبيل لنشره حكم قضائي أصدرته قاضية فيدرالية، في وقت متأخر الاثنين، وفق شبكة ABC News.
وحدد التقرير مسار التحقيق، الذي أسفر عن اتهام ترمب في عام 2023 بأربع تهم جنائية تتعلق بالانخراط في ما أسماه “مخطط إجرامي” لإلغاء نتائج انتخابات عام 2020 في محاولة لتقويض الديمقراطية، والبقاء في السلطة، بحسب التقرير. ودفع ترمب بأنه غير مذنب في جميع التهم.
وأسقطت هذه الدعوى القضائية بالإضافة إلى قضية الوثائق السرية التي رفعها سميث ضد ترمب، بعد إعادة انتخابه في نوفمبر بسبب سياسة وزارة العدل منذ فترة طويلة التي تحظر الملاحقة القضائية لرئيس في المنصب.
حصانة الرئيس
وجاء في التقرير أن “وجهة نظر وزارة العدل بأن الدستور يحظر استمرار توجيه لائحة اتهام والملاحقة القضائية لرئيس هي وجهة نظر قاطعة، ولا تتوقف على خطورة الجرائم الواردة، أو قوة الأدلة التي قدمتها الحكومة، أو أسس الملاحقة القضائية، التي يؤيدها مكتب (المحقق الخاص) بشكل كامل”.
وأضاف: “في الواقع، لولا انتخاب السيد ترمب وعودته الوشيكة إلى الرئاسة، يقدر المكتب أن الأدلة المقبولة كانت كافية لإصدار ودعم حكم بالإدانة في المحاكمة”.
وذكر التقرير أنه بعد إجراء مقابلات مع 250 شاهد بشكل طوعي، واستدعاء 55 شخصاً للإدلاء بشهاداتهم أمام هيئة المحلفين الكبرى، وتنفيذ العشرات من أوامر الاستدعاء ومذكرات التفتيش، والتدقيق في تيرابايت من البيانات المتاحة في متناول العامة، خلص فريق سميث إلى أنه يمكنهم إقناع هيئة المحلفين بما لا يدع مجالاً للشك بأن ترمب ارتكب جرائم فيدرالية متعددة عندما حاول إلغاء نتائج الانتخابات.
وأضاف التقرير أن “الخط الرئيسي لجميع الجهود الإجرامية للسيد ترمب كان الخداع، وتعمد تقديم ادعاءات كاذبة بتزوير الانتخابات، وتظهر الأدلة أن السيد ترمب استخدم هذه الأكاذيب كسلاح لعرقلة مهمة حكومة فيدرالية تشكل الأساس للعملية الديمقراطية في الولايات المتحدة”.
فوز ترمب عرقل المحاكمة
وخلص تقرير المحقق الخاص إلى أن ترمب انخرط في “جهد إجرامي لم يسبق له مثيل” من أجل التمسك بالسلطة بعد خسارته انتخابات 2020.
وتضمن تفاصيل قرار سميث تقديم لائحة اتهام مكونة من 4 تهم ضد ترمب، متهماً إياه بالتخطيط لعرقلة جمع الأصوات والتصديق عليها بعد هزيمته في عام 2020 أمام الرئيس الديمقراطي جو بايدن.
وخلص التقرير إلى أن الأدلة كانت كافية لإدانة ترمب في المحاكمة، لكن عودته الوشيكة إلى البيت الأبيض، المقررة في 20 يناير الجاري، جعلت ذلك مستحيلاً.
ودافع سميث، الذي واجه انتقادات شديدة من ترمب، أيضاً عن التحقيق الذي قاده وعن ممثلي الادعاء الذين شاركوا فيه.
وكتب سميث في رسالة تضمنت تفاصيل عن هذا التقرير أن “ادعاء السيد ترمب بأن قراراتي كممثل ادعاء كانت متأثرة، أو موجهة من إدارة بايدن أو جهات سياسية أخرى، هو في كلمة واحدة، مثير للسخرية”.
محامو ترمب: “دوافع سياسية”
وبعد نشر التقرير، وصف ترمب سميث في منشور على منصته للتواصل الاجتماعي تروث سوشيال (Truth Social) بأنه “ممثل ادعاء أحمق لم يتمكن من إحالة قضيته إلى المحاكمة قبل الانتخابات”.
وفي رسالة موجهة إلى وزير العدل ميريك جارلاند نشرتها الوزارة، وصف محامو ترمب التقرير بأنه “هجوم له دوافع سياسية”، وقالوا إن إصداره قبل عودة ترمب إلى البيت الأبيض من شأنه أن يضر بالانتقال الرئاسي.
وكانت القاضية الفيدرالية إيلين كانون، التي عيّنها ترمب، منعت الأسبوع الماضي نشر التقرير الكامل حول تحقيقات سميث في قضايا ترمب التي أدت إلى قضيتين جنائيتين منفصلين.
وفي أحدث حكم لها، الاثنين، سمحت كانون بنشر الجزء الخاص بالقضية التي اتهمت ترمب بـ”التآمر” لإلغاء خسارته في انتخابات 2020 أمام منافسه الديمقراطي آنذاك جو بايدن.
وحددت كانون جلسة استماع، الجمعة، للنظر في ما إذا كان بإمكان وزارة العدل نشر الجزء من تقرير التحقيق الذي يتناول قضية شهدت توجيه الاتهام إلى ترمب بتخزين وثائق سرية في منتجع مارالاجو بعد مغادرته البيت الأبيض في 2021.
وقالت وزارة العدل إنها لن تكشف عن هذا الجزء من التقرير بشكل علني، طالما أن الإجراءات الجنائية ضد اثنين من شركاء ترمب في القضية لا تزال جارية.
وكانت كانون أسقطت قضية الوثائق السرية في يوليو، معتبرة أن تعيين المحقق الخاص جاك سميث كان غير قانوني. كما تخلت وزارة العدل عن كلا القضيتين بعد فوز ترمب في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر، استناداً إلى سياسة الوزارة التي تمنع ملاحقة رؤساء الولايات المتحدة أثناء توليهم المنصب.
استقالة سميث
وأعلن مكتب وزارة العدل أن سميث استقال من منصبه، الجمعة، بعد أن نقل تقريره إلى المدعي العام ميريك جارلاند، كما جاء في هامش ملف قضائي تم تقديمه خلال عطلة نهاية الأسبوع.
ولكن على الرغم من أن كانون سمحت بنشر التقرير المتعلق بتدخل ترمب في الانتخابات، لكنها منعت وزارة العدل من مشاركة جزء آخر من التقرير مع المسؤولين في الكونجرس، والمتعلق بتخزين ترمب للوثائق السرية في منتجع مارالاجو في بالم بيتش، بولاية فلوريدا.
وفي محاولة للتوصل إلى تسوية، قالت وزارة العدل إنها لن تجعل التقرير عاماً، بل ستشاركه مع مسؤولين مختارين في الكونجرس للمراجعة الخاصة، لكن القاضية إيلين كانون أوقفت هذه الخطط وحددت جلسة استماع بعد ظهر الجمعة.
وبصفته مدعياً سابقاً في جرائم الحرب، تولى سميث قضيتين من أصل 4 قضايا جنائية واجهها ترمب بعد مغادرته المنصب الرئاسي. ومع ذلك، توقفت الإجراءات القضائية بعد أن أسقط قاضٍ عيّنه ترمب في فلوريدا إحدى القضيتين، فيما قضت المحكمة العليا الأميركية بأن الرؤساء السابقين يتمتعون بحصانة من الملاحقة القضائية عن الأعمال الرسمية. ولم تُعرض أي من القضيتين على المحاكمة.