تقود ألمانيا جهوداً أوروبية تهدف إلى تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا منذ عهد الرئيس السوري السابق بشار الأسد، وذلك في إطار مساعٍ غربية لدعم الانتقال السياسي والمساهمة في إعادة إعمار البلاد بعد 13 عاماً من الحرب الأهلية المدمرة، وفق صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن مصادر مطلعة، الثلاثاء، أن مسؤولين ألمان وزعوا وثيقتين مقترحتين بين عواصم الاتحاد الأوروبي قبل فترة وجيزة من عيد الميلاد، تتضمنان مقترحات لقطاعات رئيسية يمكن أن يشملها تخفيف العقوبات الأوروبية المفروضة على سوريا.
واقترحت ألمانيا تخفيف الإجراءات العقابية مقابل تنفيذ الإدارة السورية الجديدة إصلاحات محددة، في محاولة للحفاظ على بعض النفوذ على قائدها الفعلي أحمد الشرع.
وتسعى برلين إلى حشد الدعم لنهجها من قِبَل الدول الأعضاء الـ26 الأخرى في الاتحاد الأوروبي، وذلك خلال اجتماع وزراء خارجية التكتل المزمع عقده في بروكسل يوم 27 يناير الجاري.
ويأتي هذا التحرك بعد أن أصدرت الولايات المتحدة، الاثنين، مجموعة محدودة من الإعفاءات من العقوبات المفروضة على سوريا.
وكشفت الوثيقتان الألمانيتان عن آلية تدريجية يمكن من خلالها للاتحاد الأوروبي رفع القيود المفروضة على دمشق، مقابل اتخاذ الإدارة السورية الجديدة خطوات إيجابية في قضايا اجتماعية، بما في ذلك حماية الأقليات وحقوق المرأة، وضمان عدم انتشار الأسلحة، حسبما ذكر أحد المطلعين على الأمر.
ورفضت وزارة الخارجية الألمانية التعليق للصحيفة على هذه المقترحات.
قطاعات رئيسية مشمولة في مقترح ألمانيا
تأتي هذه المقترحات وسط سلسلة من الزيارات المكثفة التي أجراها دبلوماسيون غربيون إلى دمشق خلال الأسابيع الأخيرة، وتشمل تخفيف القيود على القطاع المصرفي لتسهيل تدفق الأموال إلى البلاد، وكذلك على قطاع الطاقة للمساعدة في معالجة أزمة انقطاع الكهرباء الحادة.
كما تتضمن المقترحات تخفيف العقوبات المفروضة على قطاع النقل الجوي، ورفع القيود على نقل الأصول الخاصة التي تُعيق حالياً السوريين المنفيين الراغبين في العودة إلى وطنهم من اصطحاب سياراتهم أو فتح حسابات مصرفية.
وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد أصدرت إعفاء لمدة 6 أشهر يسمح بإجراء معاملات معينة مع الحكومة السورية، إلى جانب بعض المدفوعات المتعلقة بالطاقة والتحويلات المالية الشخصية.
وأوضحت الوزارة أن هذه الخطوة تهدف إلى “ضمان عدم إعاقة العقوبات للخدمات الأساسية، واستمرار وظائف الحوكمة في جميع أنحاء سوريا، بما في ذلك توفير الكهرباء والطاقة والمياه والصرف الصحي”.
وقال شخص مطلع على المناقشات داخل الاتحاد الأوروبي إن التكتل، على غرار واشنطن، قد يجعل أي تخفيف للعقوبات مؤقتاً، لضمان إمكانية إعادة فرضها إذا لزم الأمر.
ووفقاً لمسؤول مشارك في هذه المباحثات، لم يتضح بعد ما إذا كان هناك دعم بالإجماع بين الدول الأعضاء الـ27 في الاتحاد الأوروبي لتخفيف العقوبات، حيث ما زالت بعض العواصم تطالب بإجراء تقييم شامل للإدارة الجديدة في دمشق وكيفية إدارتها للبلاد.
ولا يزال العديد من المسؤولين الغربيين حذرين بشأن أحمد الشرع، الذي قاد “هيئة تحرير الشام” التي ساهمت إلى جانب فصائل المعارضة السورية المسلحة في الإطاحة بنظام بشار الأسد.
وأبدى الشرع تأييده لتشكيل حكومة شاملة تضم مختلف الأقليات العرقية والدينية في سوريا، لكنه عيّن وزراء من المسؤولين السابقين في “حكومة إدلب” المدعومة من “هيئة تحرير الشام”، التي كانت تسيطر على شمال غرب سوريا لسنوات قبل الإطاحة ببشار الأسد، وفق “فاينانشيال تايمز”.
جدير بالذكر أن الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والعديد من الجهات الدولية تصنف هيئة تحرير الشام كـ”منظمة إرهابية”، بحسب الصحيفة البريطانية.
من جهتها، قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، خلال زيارتها لدمشق مع نظيرها الفرنسي نيابة عن الاتحاد الأوروبي، الأسبوع الماضي، إن الاتحاد الأوروبي يريد دعم سوريا في انتقال سلمي وشامل.
لكن السياسية المنتمية إلى “حزب الخضر”، أكدت أن أوروبا “لن تموّل، بالطبع، أسْلمة المجتمع”، على حد وصْفها.
فيما قالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، بعد اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الشهر الماضي، إن التكتل يجب أن يقرر ما إذا كان “مستعداً لتكييف سياسة العقوبات عندما نرى خطوات إيجابية، ليست مجرد كلمات، بل خطوات وأفعال فعلية من الإدارة السورية الجديدة”.
وأضافت كالاس: “نحن 27 دولة ديمقراطية، وهذا يستغرق وقتاً. لكن يجب أن تكون لدينا خطة جاهزة عندما نرى هذه الخطوات، حتى نكون مستعدين للتحرك بشكل إيجابي في هذا الصدد”.