بدأت ملامح إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لولايته الثانية تتبلور وسط مخاوف متزايدة بشأن توجه الولايات المتحدة نحو اليمين المتطرف، خاصة في ظل سيطرة الجمهوريين على البيت الأبيض والكونجرس.
وتجمع تشكيلة ترمب المُنتظرة بين الموالين القدامى، المتشددين أيديولوجياً، وأصحاب النفوذ الاقتصادي، مع طرح أسماء مثيرة للجدل مثل إيلون ماسك وكاش باتيل وتولسي جابارد وبيت هيجسيث.
وتُظهر اختيارات ترمب التزامه الواضح بتنفيذ أجندة أكثر صرامة من ولايته الأولى، إذ ركز على ضم متشددين في قضايا “الهجرة والسياسة الخارجية”، مؤكداً رغبته في الترحيل الجماعي، وتشديد القيود على الحريات الإنجابية.
ويتميز العديد من مرشحيه بأنهم من الموالين له، ما يقلل من احتمالية المعارضة الداخلية التي واجهها خلال إدارته السابقة، خاصة مع افتقار بعضهم للخبرة في الملفات الرئيسية المُوكلة إليهم.
وقال خبراء، تحدثوا مع “الشرق”، إن اختيار فريق ترمب من “مثيري الشغب” يعكس استعداده لإدارة جذرية تسعى لإحداث تغييرات غير مسبوقة في شكل أميركا السياسي ومؤسساتها، مما قد يترك آثاراً بعيدة المدى على الداخل والخارج.
كاش باتيل.. الأكثر رعباً
وتضم قائمة ترمب لإدارة الولايات المتحدة في ولايته الثانية عدداً لابأس به من الأسماء المثيرة للجدل، لكن كاش باتيل هو أكثر الشخصيات إثارة للجدل على الإطلاق، حتى أن العديد من الصحف الأميركية وصفته بأنه الاختيار الأكثر خطورة ورعباً في حكومة ترمب حتى الآن.
ورشح ترمب باتيل لإدارة مكتب التحقيقات الفيدرالي، بعد أيام من فوزه في الانتخابات، وقال عنه في منشور على منصة تروث للتواصل الاجتماعي إن “باتيل محامٍ ومحقق لامع ومقاتل من أجل أميركا أولاً، إذ قضى حياته المهنية في فضح الفساد والدفاع عن العدالة وحماية الشعب الأميركي، وسيعمل باتيل تحت إشراف المدعي العام العظيم، بام بوندي، لإعادة الإخلاص والشجاعة والنزاهة إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي”.
وتتوافق رؤية باتيل مع ترمب في أن مؤسسات إنفاذ القانون والأمن القومي، مثل الـ FBI ووزارة العدل، تحتاج إلى تطهير جذري لضمان الولاء وعدم تكرار ما يعتبرونه ملاحقات سياسية.
تقويض الاستقلالية
واعتبر أستاذ العلوم السياسية وعضو الأكاديمية الفخرية في “جامعة أوهايو”، بول بيك، في حديثه مع “الشرق”، إن هذا التوجه يمثل تحولاً خطيراً نحو تقويض استقلالية هذه المؤسسات، مما قد يعيد تشكيل دورها التقليدي، ويؤثر على التوازن بين السلطات في الولايات المتحدة.
وكان باتيل، الذي شغل سلسلة من المناصب الإدارية في نهاية فترة ولاية ترمب الأولى بما في ذلك مناصب في مجلس الأمن القومي والبنتاجون، قد أوصى في كتابه الصادر عام 2023 بعنوان “عصابات الحكومة” إغلاق المقر الرئيسي لـ FBI في واشنطن، ودعا إلى تطهير الرتب العليا من المكتب، والتي وصفها بأنها “تهديد للشعب”.
كما كتب كتاباً للأطفال بعنوان “المؤامرة ضد الملك”، يروي قصة التحقيقات في العلاقات المحتملة لحملة ترمب في عام 2016 مع الروس، حيث عمل باتيل على تعزيز السردية التي تروج لوجود “فساد سياسي” داخل مكتب التحقيقات الفيدرالي، موجهاً الاتهام للمحققين بأنهم منحازون ضد ترمب، مُضخماً من رواية “الدولة العميقة” واستهدافها الرئيس المنتخب.
وساهم باتيل بشكل كبير في كتابة مذكرة “ديفين نونيس”، رئيس لجنة الاستخبارات في ذلك الوقت، والتي زعمت أن مكتب التحقيقات الفيدرالي أساء استخدام سلطته للحصول على تصاريح مراقبة على أعضاء في حملة ترمب.
واعتبر أستاذ التاريخ السياسي في “جامعة بينجهامتون” في نيويورك والخبير في السياسة الأميركية الحديثة، دونالد نيمان، في حديث لـ”الشرق”، أن تعيين كاش باتيل مديراً لمكتب التحقيقات الفيدرالي يهدد بتحويل وكالة إنفاذ القانون الوطنية إلى “أداة حزبية”، واصفاً ذلك بأنه أمر مخيف؛ لأن الرؤساء ووزارة العدل على مدار الخمسين عاماً الماضية عملوا لاستعادة الـ FBI من المؤسسة المُسيّسة التي أنشأها مديرها الأول، جيه إدجار هوفر.
ويرى أستاذ العلوم السياسية والعضو المنتسب لمركز الهجرة العالمية في “جامعة كاليفورنيا ديفيس”، براد جونز، أن في اختيار ترمب شخصيات “مثيرة للجدل”، مثل كاش باتيل، مبالغة في تقدير نفوذه.
وأضاف جونز، في حديثه مع “الشرق”، أن “ترمب يتصرف كما لو أن انتخابات 2024 الرئاسية كانت انتصاراً ساحقاً أو تفويضاً شعبياً، في حين أنها لم تكن كذلك، حيث حصل ترمب على أقل من 50% من الأصوات الشعبية، ونتيجة الانتخابات حُسمت فقط ببضعة مئات الآلاف من الأصوات في الولايات المتأرجحة الرئيسية”.
تفويض شعبي
وقال جونز إن الانتخابات لم تكن بمثابة تفويض شعبي، لكن ترمب يتصرف كما لو كانت كذلك، “فقد يبالغ في تقدير قوته من خلال ترشيح شخصيات مثيرة للجدل للغاية”، لكن الكاتب الجمهوري جون جيزي أكد أن من “حق الرئيس” اختيار من يراهم مناسبين لتحقيق أجندته.
وفي حديثه مع “الشرق”، قال جيزي إن “التركيز الأكبر في أي إدارة رئاسية يجب أن يكون على أجندة الرئيس ومدى التزام فريقه بتنفيذها، وليس على هوية الأشخاص الموجودين في مجلس الوزراء”.
وأضاف جيزي أن “ترمب مثل الرئيس الأسبق فرانكلين روزفلت، إذ اعتمد كلاهما على اختيار شخصيات موالية له، وأشخاص يثق بهم، سواء كانوا أصدقاء أو داعمين سياسيين”.
وتابع:” أعضاء مجلس وزراء روزفلت كانوا موالين بشدة لأجندته وبرامجه، والأمر نفسه ينطبق على اختيارات ترمب، ممن يظهرون الولاء لرؤيته وبرنامجه السياسي، فالنجاح يعتمد على توافق فريق الرئيس مع أجندته وتنفيذها بقوة، وليس على التنوع أو الجدل حول هوية الأعضاء في الحكومة”.
من نفس المعسكر الجمهوري، يتحفظ المستشار السياسي ورئيس شركة “نورث ستار أوبينين ريسيرش” لاستطلاعات الرأي العام والشؤون العامة، وايت أيريس، على ترشيحات ترمب، مؤكداً أنها مثيرة للجدل.
وقال أيريس لـ”الشرق” إن هؤلاء المرشحين لديهم خبرة أقل في المجالات التي تم ترشيحهم لها مقارنة بالمرشحين السابقين في الإدارات السابقة.
واعتبر أيريس أن “سبب اختيارهم يعود إلى رؤية ترمب السياسية، حيث ترشح لرئاسة الولايات المتحدة بهدف إحداث تغيير جذري في طريقة عمل واشنطن وهز النظام التقليدي”، لافتاً إلى أن ترمب يؤمن بأن هؤلاء المرشحين، رغم قلة خبرتهم، سيحققون هذا الهدف من خلال تحدي الأساليب التقليدية المتبعة في الحكومة، والعمل على تنفيذ أجندته السياسية الجديدة.
الولاء الكامل.. كلمة السر
وتتسع قائمة الشخصيات المثيرة للجدل لتشمل عدداً من الأسماء الذين يشتركون في صفة واحدة فقط، على حد قول أستاذ الشؤون الحكومية في “جامعة كورنيل”، ريتشارد بنسل، وهي “الولاء الكامل لترمب”.
ووصف بنسل تشكيلة ترمب من المرشحين، في حديثه مع “الشرق”، بأنها “سفينة من الحمقى، لن تكون قادرة على تنسيق القرارات فيما بينها، ناهيك عن بقية الأمة الأميركية”.
وقال بنسل “إنهم كفريق، هم الأكثر إثارة للجدل بين جميع الترشيحات التي قدمها رئيس منتخب حديثاً في تاريخ الولايات المتحدة”، مشيراً إلى أن بعض الجمهوريين خطرون ومثيرون للشغب لأسباب مختلفة، من بينها نقص الخبرة في التعامل مع السياسات المتعلقة بوزاراتهم، واعتناقهم آراء متطرفة في مجموعة واسعة من القضايا بعضها على حافة اللاعقلانية والاستقرار النفسي الظاهر”.
وأوضح بنسل بأن هناك اتهامات بسوء السلوك الجنسي بما في ذلك الاغتصاب، وانعدام النزاهة الأخلاقية بما في ذلك الولاء المشكوك فيه للولايات المتحدة، وافتقارهم إلى الاستقلالية عن الرئيس المنتخب، وبالتالي عدم قدرتهم على مقاومة أوامره، بغض النظر عن مدى تطرفها أو عدم قانونيتها.
وأضاف بنسل أن “التزامهم المشكوك فيه بإدارة الأعمال اليومية بالحد الأدنى من الحس السليم يُعد مشكلة إضافية”.
وتأتي على قائمة ترشيحات ترمب تولسي جابارد، النائبة الديمقراطية السابقة عن هاواي، مديرة للمخابرات الوطنية الأميركية، على الرغم من أنها “لم تعمل حتى في لجنة الاستخبارات بالكونجرس”.
وانتقدت جابارد ترمب في السابق؛ بسبب نهجه تجاه الشرق الأوسط خلال فترة ولايته الرئاسية الأولى، ووصفته بأنه “خطير”.
وبعد فشل حملتها الرئاسية في 2020 وتركها الحزب الديمقراطي في 2022، انضمت إلى الحزب الجمهوري في أكتوبر.
واتُهمت جابارد بالدفاع عن روسيا وترديد الدعاية الروسية “المشككة” في أن النظام السوري بقيادة الرئيس الهارب بشار الأسد كان وراء هجوم بالأسلحة الكيميائية أدت إلى سقوط العشرات من الأشخاص.
وباعتبارها مديرة للمخابرات الوطنية، وهو المنصب الذي تم إنشاؤه في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001، ستشرف جابارد على 18 وكالة استخبارات بميزانية تبلغ حوالي 70 مليار دولار، وتعمل كمستشارة رئيسية للرئيس في شؤون الاستخبارات، وهو ما اعتبره نيمان أمراً يبعث على القلق.
ويقول إن “ترشيح جابارد لهذا المنصب سيضع شخصاً كان بمثابة مدافع عن بوتين ويفتقر إلى أي خبرة بمجال الاستخبارات في منصب حيوي للأمن القومي، وإذا تم تأكيد تعيينها، أتساءل إلى أي مدى سيكون حلفاء الولايات المتحدة على استعداد لمشاركة معلومات حساسة مع وكالات الاستخبارات الأميركية”.
مواقف مثيرة للجدل
ويعد بيت هيجيث، أحد مقدمي برنامج “فوكس آند فريندز ويك إند” على قناة “فوكس نيوز”، الذي رشحه ترمب لوزارة الدفاع، نموذجاً آخر لاختيارات ترمب المُقلقة.
وبعيداً عن خبرته القليلة في مجال الأمن القومي، اتخذ هيجيث العديد من المواقف المثيرة للجدل، خاصة في ما يتعلق بالجيش الأميركي والسياسة الخارجية، إذ انتقد هيجيث بشدة سياسات التنوع والشمول داخل الجيش، معتبراً أنها “تُضعف جاهزيته، ورفض مشاركة النساء في القتال”.
ودعا إلى العفو عن الجنود المتهمين بجرائم حرب، مما أثار استياءاً واسعاً.
في الإطار الخارجي يُعد هيجسيث من أبرز داعمي إسرائيل، حيث يرى أنها “حليف استراتيجي للولايات المتحدة”، بينما يعارض إيران بشدة، داعياً إلى فرض عقوبات صارمة عليها، وانتهاج سياسات متشددة للحد من نفوذها الإقليمي وبرنامجها النووي.
وقال نيمان إن “هيجيث أساء إدارة منظمات غير ربحية صغيرة كان يديرها، ما لا يعطيني الكثير من الثقة في قدرته على إدارة أكبر بيروقراطية في الحكومة الأميركية”.
وأضاف نيمان أن “آراء هيجيث وتعليقاته الجنسية تجعله اختياراً غريباً في وقت تُشكّل فيه النساء 20% من الجيش، وتواجه جهود تجنيد عناصر جديدة صعوبات كبيرة”.
تبرير ترشيحات ترمب
غير أن الكاتب الجمهوري جون جيزي برر ترشيحات ترمب، قائلاً “إن كل رئيس، بدرجات متفاوتة، يقوم بتعيينات مثيرة للجدل، تصل بعضها إلى اعتماد تعيينهم بالحكومة الأميركية، بينما لا يتمكن البعض الآخر من ذلك، وعادةً ما يسحب المرشحون ترشيحهم قبل إجراء تصويت في مجلس الشيوخ”.
وذكر جيزي أن بيل كلينتون اضطر إلى سحب ترشيحه الأول لمنصب المدعي العام بسبب توظيفها عاملة منزلية دون اقتطاع الضرائب من راتبها، أما ترشيحه الثاني لمنصب المدعي العام فقد واجه مشكلة شخصية مماثلة، ولم يُرسل الترشيح حتى إلى مجلس الشيوخ.
وفي حالة ترمب، لفت جيزي إلى أن الجدل المحيط بكاش باتيل يأتي بشكل أساسي من تصريحاته التي توحي بالانتقام من معارضي ترمب، بينما يرتبط الجدل حول جابارد بمزاعم صداقتها لبوتين وبشار الأسد في سوريا، وحول هيجسيث بسلوكه الشخصي قبل 6 سنوات أو أكثر من ذلك، قائلاً: “لا توجد مسائل لا يمكن إدارتها من قِبل فريق قوي في البيت الأبيض أو من خلال شهادات صريحة للمرشحين خلال جلسات الاستماع الخاصة بهم”.
وأضاف جيزي أنه غالباً ما “يتحول المرشحون المثيرون للجدل إلى مسؤولين قادرين على إثارة إعجاب المواطنين بعد تعيينهم”، لافتاً إلى أنه في عام 1969، أثار ترشيح الرئيس نيكسون لحاكم ألاسكا والتر جيه لمنصب وزير الداخلية انتقادات بسبب مزاعم علاقاته بصناعات النفط والتنمية، “لكنه حصل في النهاية على الموافقة، واتضح لاحقاً أنه أصبح شخصية بطولية بالنسبة للمجتمع البيئي”.
اختبارا لولاء “الشيوخ”
وتنتظر ترشيحات ترمب تصديق مجلس الشيوخ ذي الأغلبية الجمهورية، في يناير، لكن بنسل يراهن على أن بعض ترشيحات ترمب قد تسقط أمام عتبة المجلس.
وقال بنسل إن المرشحين مثيرون للجدل إلى درجة أن ترمب قد خسر بالفعل أحد مرشحيه، وهو مات جايتز، الذي سحب اسمه من ترشيحه لمنصب المدعي العام. متوقعاً أن بيت هيجسيث، المرشح لمنصب وزير الدفاع، سينسحب هو الآخر، وقد تتبعهم تولسي جابارد، أما روبرت كينيدي، المُرشح لمنصب وزير الصحة والخدمات الإنسانية، فقد يتمكن من اجتياز تصويت مجلس الشيوخ، “رغم أن ذلك ليس مؤكداً”.
ورجح بنسل أن يُهزم كاش باتيل في مجلس الشيوخ أيضاً، “لكن لن يتم النظر في هذا الترشيح قبل أن يستقيل المدير الحالي، كريستوفر راي”.
من جانبه، رجح جونز أن يرفض الساسة، أو بعضهم، المرشحين المتطرفين الواضحين “وواسعي التأثير”، بينما يتوقع الجمهوري جيزي أن تمر تلك الأسماء في مجلس الشيوخ، قائلاً: “سيوافق الشيوخ على تلك الترشيحات ما لم يواجه المرشح فضيحة أو اعتراضاً كبيراً في مجلس الشيوخ يدفعه للانسحاب قبل التصويت”.
وأشار جيزي إلى أنه عندما يسيطر حزب الرئيس على مجلس الشيوخ، يكون هناك ميل لدعم مرشحيه رغم الانتقادات، “وقد حدث ذلك مع تأكيد تعيين بيتسي ديفوس وجيف سيشنز في 2017 رغم المعارضة الكبيرة، مما يبين أن الانتماء الحزبي يلعب دوراً مهماً في تجاوز الجدل”.
ومع ذلك، يعتقد جونز أن ترمب يقوم بهذه الخطوات، في الأساس، لاختبار ولاء أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، وهم الأشخاص الذين يجب عليهم المصادقة أو رفض هذه التعيينات.
وقال جونز إنه على الرغم من أن انتخابات 2024 لم تكن انتصاراً كاسحاً، فإن الحقيقة الواضحة هي أن ترمب حقق نتائج جيدة للغاية عبر معظم الفئات الديموجرافية، حيث أظهرت هذه المجموعات تحولاً نحو ترمب وابتعاداً عن منافسته الديمقراطية كامالا هاريس.
ولفت جونز إلى أنه وبسبب سيطرة ترمب وحركة “اجعلوا أميركا عظيمة مجدداً” MAGA على الحزب الجمهوري، هناك مخاوف من أن بعض السياسيين الجمهوريين، الذين قد يعارضون بشكل شخصي ترشيحات ترمب المتطرفة، سيختارون في النهاية دعمها علناً لإظهار ولائهم له.
وهذا يعكس مدى النفوذ الذي أصبح يتمتع به ترمب داخل الحزب، حيث يُجبر السياسيون على دعم خطواته، حتى لو كانت مثيرة للجدل، خوفاً من خسارة قاعدته الشعبية.
دولة مؤسسات ودولة عميقة
ولا يتوقف تأثير ترمب على الحزب الجمهوري فقط، بل يمتد ليؤثر ويعيد تشكيل النظام السياسي والمؤسسات الأميركية بوضع شخصيات مثيرة للجدل على قمتها.
ويعتقد بيك أن هدف ترمب من اختيار هذه الشخصيات هو إحداث تغيير جذري داخل النظام السياسي والإداري الأميركي، من خلال مهاجمة وتقويض الهياكل القائمة التي يعتبرها جزءاً مما يُسميه “الدولة العميقة” وهو مصطلح يشير به ترمب ومؤيدوه إلى شبكات غير مرئية داخل الحكومة تعمل، حسب زعمهم، على تقويض إرادة الشعب أو إدارته.
وقال بيك إن المرشحين الذين اختارهم ترمب يمكن أن يغيروا بشكل جذري النظام السياسي الأميركي؛ بسبب مواقفهم المثيرة للجدل وعدم احترامهم للمؤسسات السياسية التقليدية في الولايات المتحدة، مثل الكونجرس والقضاء ووكالات الحكومة الفيدرالية.
ويتقاطع رأي بيك مع مخاوف نيمان في أن العديد من المرشحين لا يحترمون المؤسسات مثل وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي، “التي قد تكون غير مثالية لكنها خدمت البلاد جيداً لأنها ظلت إلى حد كبير فوق الصراع السياسي”، مشيراً إلى أن العديد منهم يتجاهلون سيادة القانون، ولا يفهمون أن ولاءهم للدستور وليس للرئيس.
غير أن بنسل أشار إلى أن ترمب قد أحدث، بالفعل، تغييراً جذرياً في النظام السياسي من خلال تحويل الحزب الجمهوري بالكامل ليعكس رؤيته وأسلوبه الشخصي، وهو ما يعني أن الحزب، الذي كان يمثل مجموعة من المبادئ التقليدية، أصبح يتبنى بشكل أساسي سياسات وأفكار ترمب.
ولفت بنسل إلى أن مرشحي ترمب لمناصب حكومية قد يقومون بتفكيك البيروقراطية التقليدية التي تعتمد على أسس من القوانين والمؤسسات الراسخة “هذا التفكيك قد يهدم التقاليد والممارسات التي حافظت على استقرار الحكومة لفترة طويلة”.
ومع ذلك، شكك بنسل في قدرة ترمب ومرشحيه على بناء بديل مستدام لهذه الممارسات، لأنهم، حسب رأيه، يفتقرون إلى التركيز والاتساق المطلوبين لإنشاء أنظمة جديدة أو قابلة للاستمرار، فيقول “إن أسلوب ترمب وفريقه يتسم بقصر النظر والافتقار إلى التماسك، ما يعني أنهم قد يقومون بتدمير القديم دون تقديم أي شيء جديد وفعّال يحل محله”.
من جانبه، حذّر جونز من تضخيم ترمب وفريقه سردية “الدولة العميقة”، وقال إذا حدث ذلك فإن الولايات المتحدة ستكون في وضع خطير للغاية.
وأضاف جونز: “من وجهة نظري أرى أن التركيز الأساسي للإدارة المقبلة هو الانتقام من الأفراد والوكالات التي يعتقد ترمب أنها كانت معادية له، ولا أعتقد ولو للحظة أن ترمب يهتم فعلياً بأي مجموعة معينة من السياسات، باستثناء ربما الترحيل الجماعي وتخفيض الضرائب للأثرياء”.
واعتبر جونز أن ترمب ونوعية المرشحين الذين اختارهم، يتم تعيينهم ببساطة لزعزعة استقرار المؤسسات تحت رواية زائفة مفادها أن هناك نوعاً من “الدولة العميقة” التي يجب القضاء عليها، قائلاً إن “التهديد الذي تشكله الإدارة المقبلة على استقرار الديمقراطية والالتزام بالأعراف الديمقراطية حقيقي وخطير للغاية”.