قالت مصادر أميركية مطلعة، إن فريق الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، يدرس الخيارات المتاحة لمنع إيران من صنع وامتلاك سلاح نووي، بما في ذلك “شن غارات جوية وقائية”، في خطوة من شأنها كسر السياسة القديمة المتمثلة في احتواء طهران بالدبلوماسية والعقوبات، حسبما أوردت صحيفة “وول ستريت جورنال”.
وذكرت الصحيفة الأميركية، أن خيار توجيه ضربات عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية يخضع حالياً لمراجعة أكثر جدية من بعض أعضاء فريق ترمب، فيما عزا بعض المسؤولين بالفريق تلك المناقشات إلى “ضعف موقف إيران الإقليمي والكشف عن تزايد أنشطتها النووية في الآونة الأخيرة”.
ونقلت الصحيفة عن مصدرين مطلعين، القول إن ترمب عبّر لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مكالماتهما الأخيرة عن قلقه من أن تحقق إيران إنجازاً نووياً مفاجئاً في عهده، ما يشير إلى أنه يبحث عن مقترحات لمنع هذه النتيجة.
وأضافت أن “الرئيس المنتخب يريد خططاً تحول دون اشتعال حرب جديدة، لا سيما تلك التي قد ينجر إليها الجيش الأميركي، إذ أن شن ضربات على منشآت طهران النووية يمكن أن يضع الولايات المتحدة وإيران على مسار تصادمي”.
خياران أمام ترمب
وقالت المصادر المطلعة على خطط ترمب، إن الفريق الانتقالي للرئيس المنتخب يبتكر ما يطلق عليه استراتيجية “الضغط الأقصى 2.0” ضد النظام الإيراني، وهي تكملة لنهجه السابق في فترة ولايته الأولى، الذي ركز على العقوبات الاقتصادية الصارمة.
وهذه المرة، يعمل الرئيس المنتخب ومساعدوه على صياغة خطوات عسكرية يمكن أن تكون محورية لحملته المناهضة لطهران، وإن كانت لا تزال مقترنة بعقوبات مالية أكثر صرامة.
وأوضحت المصادر أن خيارين عريضين ظهرا في المناقشات، بما في ذلك في بعض المحادثات التي جرت مع ترمب، أحدها ينطوي على زيادة الضغط العسكري من خلال إرسال المزيد من القوات الأميركية والطائرات الحربية والسفن إلى الشرق الأوسط.
أما الآخر فيمكن للولايات المتحدة من خلاله بيع أسلحة متقدمة لإسرائيل، مثل القنابل الخارقة للتحصينات، ما يعزز قوتها النارية الهجومية لإخراج المنشآت النووية الإيرانية من الخدمة.
ويرى مساعدو ترمب والمقربون منه الذين يؤيدون الخيارات العسكرية لفترة ولايته الثانية، أن الفكرة الرئيسية ستكون دعم الضربات الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية مثل “نطنز” و”فوردو” و”أصفهان”، وربما حتى إشراك الولايات المتحدة في عملية مشتركة.
دبلوماسية أميركية سابقة
وتمتلك إيران ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب وحده لبناء أربع قنابل نووية، مما يجعلها الدولة الوحيدة غير النووية التي تنتج 60% من المواد الانشطارية التي تقترب من الدرجة المستخدمة في الأسلحة، إذ يرى مسؤولون أن ذلك لن يستغرق سوى بضعة أيام لتحويل هذا المخزون إلى وقود نووي صالح للاستخدام في الأسلحة.
وذكرت المصادر المطلعة أن التهديد باستخدام القوة العسكرية، وخاصة إذا اقترن بالعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة والتي تنجح في شل الاقتصاد الإيراني، قد يقنع طهران بأنه لا يوجد خيار سوى حل الأزمة دبلوماسياً.
وهذه الاستراتيجية استخدمها ترمب مع كوريا الشمالية في ولايته الأولى، رغم تعثر الدبلوماسية في نهاية المطاف، لكن من غير الواضح أي خيار قد يختاره ترمب، الذي تحدث عن تجنب حرب عالمية ثالثة والتوسط في صفقات مع طهران.
وفي حين أصر ترمب على أنه يسعى إلى تجنب التصعيد الهائل في الشرق الأوسط، قال لمجلة “تايم” في مقابلة نشرت الخميس إن هناك فرصة لأن تخوض الولايات المتحدة حرباً مع إيران، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن طهران “خططت لاغتياله”.
ومع ذلك، يصر بعض حلفاء ترمب على أن الأشهر الأولى من عودته إلى منصبه تقدم له فرصة نادرة لمواجهة التراكم النووي الإيراني، بينما النظام في وضع ضعيف.
ويقول المسؤولون في الفريق الانتقالي لترمب، إنهم ينوون إبقاء العقوبات الحالية وفرض عقوبات جديدة، بما في ذلك إعادة تصنيف جماعة الحوثي في اليمن المدعومة من طهران كمنظمة إرهابية أجنبية، ومنع الدول التي تشتري النفط الإيراني من شراء الطاقة الأميركية.
وكان مسؤولون سابقون، قالوا إن ترمب درس فكرة الضربات الاستباقية للبرنامج النووي الإيراني في نهاية ولايته الأولى، بعد وقت قصير من كشف المفتشين الدوليين عن نمو مخزون إيران من المواد النووية، لكن ترمب، بعد أن ترك منصبه، نفى منذ ذلك الحين أنه فكر في العمل العسكري بجدية، مدعياً أن كبار مساعدي الدفاع وضعوا خطط حرب ودفعوه إلى تفويض ضربة.
قدرات إيرانية
وتصر الإدارة القادمة على أن شبكة وكلاء طهران لا يمكن مواجهتها بالكامل ما لم يتم حرمان إيران من الموارد الاقتصادية والعسكرية.
وكان جواد ظريف، نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية، كتب في مجلة “فورين أفيرز” الأسبوع الماضي، أن مسعود بيزشكيان “مستعد لإدارة التوترات مع الولايات المتحدة ويأمل في إجراء مفاوضات متساوية فيما يتعلق بالاتفاق النووي، وربما أكثر”.
ويقول المسؤولون الإيرانيون إنهم “لن يتفاوضوا مع الولايات المتحدة تحت الضغط، وأخبروا المسؤولين الأوروبيين في جنيف الشهر الماضي أنهم لن يتخذوا أي خطوات أحادية الجانب لتقليص برنامجهم النووي”.
وأوضح المسؤولون منذ فترة طويلة أن رد فعلهم على أي ضربة سيكون “طرد” مفتشي الأمم المتحدة والانسحاب من معاهدة منع الانتشار النووي، التي تلزم طهران بعدم تطوير الأسلحة النووية، والدولة الوحيدة التي فعلت ذلك هي كوريا الشمالية، التي بدأت في إنتاج الأسلحة النووية سراً، وهو المسار الذي ألمحت طهران إلى أنها قد تسلكه.
ووفقاً لتقديرات استخباراتية أميركية صدرت الأسبوع الماضي، فإن إيران تمتلك بالفعل ما يكفي من المواد الانشطارية لإنتاج أكثر من 12 قنبلة نووية. ورغم أنها لا تبني قنبلة نووية حالياً، إلا أنها أصبحت أكثر استعداداً للقيام بذلك بفضل الأبحاث التي أجرتها في الأشهر الأخيرة.
إدانات دولية
كان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، أعلن في أواخر الشهر الماضي أن بلاده ستقوم بتشغيل عدة آلاف من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، وذلك رداً على قرار للوكالة الدولية للطاقة الذرية أفاد بأن طهران لم تتعاون بشكل كاف مع الوكالة وطلب تقريراً شاملاً عن أنشطتها النووية في موعد أقصاه ربيع عام 2025.
وحذر الاتحاد الأوروبي في نوفمبر الماضي من أن إيران انحرفت عن التزاماتها بموجب الاتفاق النووي وزادت من مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60 بالمئة، كما ركبت الآلاف من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة الجديدة.
وذكر المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمالوندي أن بلاده لم تتفق على ألا يتجاوز تخصيب اليورانيوم نسبة 60 بالمئة “بل لدينا أوامر بزيادة السرعة والعمل جار على ذلك تدريجياً”.
وفي وقت سابق هذا الأسبوع، أدانت دول الترويكا الأوروبية فرنسا وألمانيا وبريطانيا ما قالت إنها خطوات اتخذتها إيران لتوسيع برنامجها النووي عبر زيادة معدل إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60 بالمئة في منشأة فوردو، وطالبت إيران بوقف التصعيد النووي على الفور.
وعبرت الدول الأوروبية الثلاث في بيان مشترك عن قلقها إزاء قيام إيران بزيادة عدد أجهزة الطرد المركزي العاملة وبدء الاستعدادات لتركيب بنية تحتية إضافية للتخصيب “مما يزيد من قدرة إيران على التخصيب”.