قبل أيام من انتخابات الرئاسة الأميركية، أعرب خبراء دستوريون عن مخاوفهم من سيناريوهات محتملة تتعلّق بالنتائج ربما تتطور إلى أزمات؛ سواء أُعلن فوز المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، أو منافسها الجمهوري دونالد ترمب، وفق ما أوردت صحيفة “فاينانشيال تايمز”.
وذكرت الصحيفة البريطانية في تقرير، أنه وقت متأخر من ليلة الانتخابات الرئاسية الأميركية قبل 4 سنوات، رأى الرئيس السابق دونالد ترمب ما يُسمى بـ”سراب أحمر”، واستغل فرصة تفوقه على منافسه الديمقراطي آنذاك جو بايدن في عدد الأصوات في عدة ولايات متأرجحة.
ونحو الساعة 02:30 صباحاً بالتوقيت المحلي في ذلك اليوم، ظهر ترمب أمام كاميرات البيت الأبيض ليعلن فوزه، قائلاً إن أي بطاقات اقتراع تُفرز بعد ذلك ستكون “مزورة”.
وكان ترمب يسعى إلى استغلال الفارق الكبير في عدد الناخبين الديمقراطيين، الذين صوّتوا عبر البريد مقارنة بالجمهوريين، ما يعني أن “التحوّل الأزرق” في النتائج سيحتاج إلى بعض الوقت ليظهر. واستغرق الأمر 3 أيام إضافية حتى تُكمل ولاية بنسلفانيا فرز أصواتها، وإعلان فوز بايدن.
وقالت “فاينانشيال تايمز”، إن حملة ترمب للادعاء بأن “الانتخابات مسروقة”، بدأت بعد واقعة اقتحام الكابيتول في 6 يناير 2021، وتبعتها أكثر من 60 دعوى قضائية “فاشلة”، للتشكيك في صحة نتائج الانتخابات.
ووفق للصحيفة، لا تزال هذه الحملة مستمرة، إذ تستند حملة ترمب لانتخابات عام 2024 بشكل صريح إلى ادعائه بأنه “تعرّض للخداع” في الانتخابات الرئاسية قبل 4 سنوات، وربما ينبغي الاستعداد لانتخابات “متنازع عليها مرة أخرى، أو (سيناريو) أسوأ من ذلك”.
أزمتان محتملتان
وفي تقريرها، استشهدت الصحيفة بمقولة مارك توين، إن “التاريخ قد لا يعيد نفسه، ولكنه يتشابه كثيراً”. ويرى خبراء دستوريون أن هذه الانتخابات ربما ينتج عنها أزمتين بعد انتهائها.
وأوضحت “فاينانشيال تايمز” أن الأزمة المحتملة الأولى ترتبط بإعلان المرشحة الديمقراطية ونائبة الرئيس، كامالا هاريس، فائزة، إذ سيؤدي هذا السيناريو إلى اندلاع “حرب قانونية وإعلامية”، تهدف إلى منع التصديق على فوزها. ولن يجهض هذه الأزمة إلا فوز هاريس “غير المحتمل” في خمس من الولايات السبع المتأرجحة على الأقل.
أما الأزمة الأخرى فترتبط بفوز ترمب بالانتخابات، ويُتوقع أن تبدأ في 21 يناير المقبل، وهو اليوم التالي لتنصيبه، إذ يشعر خبراء دستوريون بقلق إزاء ما قد يفعله ترمب في ولايته الثانية من خلال “استعادة قبضته على السلطة، أكثر من قدرته على إلغاء فوز هاريس”.
فارق ضئيل
وقالت، روزا بروكس، من مركز جورج تاون القانوني، للصحيفة: “إذا فازت هاريس حتى بهامش ضئيل، فمن غير المرجح تكرار أحداث 6 يناير”، مضيفة: “هذه المرة، لن يكون ترمب رئيساً، وعملية التصديق ستكون أقوى بكثير، وبايدن لن يتسامح مع العنف”.
مع ذلك، ستظل هناك مخاطر حقيقية في حال فوز هاريس بفارق ضئيل. فبخلاف فوز بايدن في انتخابات 2020، الذي كان متوقعاً في متوسطات استطلاعات الرأي لعدة أشهر، يفصل بين ترمب وهاريس فوارق طفيفة في معظم الولايات الحاسمة.
وحصل بايدن على 6 ملايين صوت أكثر من ترمب، وفاز بـ306 أصوات في المجمع الانتخابي مقابل 232 صوت لترمب. ومع ذلك، استغرق إعلان النتائج في أريزونا 9 أيام، و16 يوماً في جورجيا. ولم يمنع فوز بايدن الواضح إنكار الجمهوريين للانتخابات.
ورجحت “فاينانشيال تايمز” أن يستغرق فرز الأصوات في انتخابات هذا العام “وقتاً أطول ويكون أكثر توتراً”، إذا تكررت هذه الهوامش الضئيلة في انتخابات هذا العام.
وأشارت إلى أن أي فوز بفارق أقل من 0.5% سيؤدي إلى إعادة فرز تلقائي في عدة ولايات متأرجحة، الأمر الذي قد يستغرق أياماً أو حتى أسابيع.
آلية جديدة
ولفتت “فاينانشيال تايمز”، إلى أن اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري رفعت أكثر من 100 دعوى قضائية تطعن في إجراءات التصويت وصلاحية قوائم الناخبين، بدعم من مجموعات محافظة مقربة من ترمب. وفي مثل هذا الوقت قبل 4 سنوات، لم تكن هناك أي قضايا مرفوعة، بحسب الصحيفة.
وقال إيان باسن، رئيس منظمة “حماية الديمقراطية” غير الربحية التي تراقب المخالفات الانتخابية، للصحيفة: “معظم هذه الدعاوى تافهة ولن تحقق شيئاً يُذكر، لكنها تُظهر أن لعبة ترمب القانونية أكثر تنظيماً هذه المرة”.
لكن آلية الانتخابات الأميركية أصبحت أكثر قوة أيضاً، فقد أقر الكونجرس قبل عامين قانوناً يجعل من الصعب على المجالس التشريعية تقديم قوائم بديلة من الناخبين تتعارض مع النتائج الشعبية في ولاياتهم. وقال باسن: “من الصعب جداً تصور أن المجالس التشريعية الجمهورية يمكنها القيام ذلك الآن”.
“تهديد آخر”
ونوّهت “فاينانشيال تايمز” إلى إمكانية تأثر النظام العام بالمعلومات المضللة تثير قلقاً أكبر، موضحة أن هذه المعلومات تشمل مقاطع الفيديو المفبركة بالذكاء الاصطناعي التي تصور تلاعباً في صناديق اقتراع، أو تهديدات كاذبة بوجود قنابل تهدد بغلق مراكز الاقتراع.
وأضافت الصحيفة أن الشبكات المحافظة، مثل FOX News التابعة لروبرت مردوخ، تتجنب تداول شائعات التزوير التي انتشرت في انتخابات 2020.
وأُلزمت FOX News العام الماضي بدفع 787.5 مليون دولار تعويضاً لشركة “دومينيون سيستمز” لأنظمة التصويت، بعد نشرها اتهامات بلا أدلة، بشأن تورط أجهزتها في عمليات “تزوير انتخابية”.
وقالت “فاينانشيال تايمز”، إن “معظم المعلومات المضللة” تأتي من منصة “إكس”، المملوكة لإيلون ماسك، أغنى رجل في العالم، والذي يُعد أحد أقوى أسلحة ترمب الجديدة.