يبدو أن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر على وشك اكتشاف ما إذا كان نهجه القانوني في الشؤون الدولية سيصمد أمام واقع عالمي تتصدره إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بحسب “بلومبرغ”.
ويعقد فريق الأمن القومي البريطاني اجتماعات رفيعة المستوى مع نظيره الأميركي خلال الأسبوع المقبل، في محاولة لإيجاد أرضية مشتركة بشأن قضايا السياسة الخارجية التي قد تهدد متانة “العلاقة الخاصة” بين البلدين، في وقت لا يحتمل فيه الاقتصاد البريطاني المزيد من التحديات.
ومن المقرر أن يلتقي مستشار الأمن القومي البريطاني، جوناثان باول، نظيره الأميركي مايك والتز في الولايات المتحدة، بينما يستضيف وزير الدفاع البريطاني جون هيلي، الأربعاء، اجتماعاً لحلفاء أوكرانيا في بروكسل، بمشاركة وزير الدفاع الأميركي بيت هيجسيث. في المقابل، سيجتمع وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي مع نظيره الأميركي ماركو روبيو في مؤتمر ميونيخ للأمن نهاية الأسبوع المقبل.
وبحسب “بلومبرغ”، تشمل أجندة المحادثات، المقترح الذي طال انتظاره من الرئيس الأميركي لإنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا، إضافة إلى موقفه من خطة ستارمر المثيرة للجدل بشأن التنازل عن السيادة على موقع قاعدة عسكرية أميركية-بريطانية رئيسية في المحيط الهندي، وكذلك حجم الإنفاق الدفاعي البريطاني الذي يرى ترمب ضرورة زيادته.
الرسوم وجرينلاند على رأس الأولويات
كما ستكون قضايا الرسوم الجمركية، والوضع في غزة، وجرينلاند، والعقوبات الأميركية على المحكمة الجنائية الدولية، والانفراجة في العلاقات بين لندن وبكين، من بين الملفات التي تتطلب معالجة دقيقة.
ووفقاً لمصادر مطلعة تحدثت لـ”بلومبرغ”، يأمل ستارمر في زيارة ترمب بواشنطن خلال الأسابيع المقبلة.
وأشار مسؤولون بريطانيون إلى أن محادثاتهم مع الإدارة الأميركية الجديدة حتى الآن لم تسفر عن وضوح كبير بشأن موقف واشنطن من هذه القضايا، لكنهم يأملون في تحقيق تقدم خلال الاجتماعات المباشرة.
ورغم أن ترمب وصف ستارمر سابقاً بأنه “يساري جداً” وانتقد دعم نشطاء حزب العمال لمنافسته الديمقراطية، كامالا هاريس، خلال الانتخابات، إلا أنه خفف من حدة موقفه مؤخراً، واصفاً رئيس الوزراء البريطاني بأنه “شخص جيد جداً”، معرباً عن ثقته في إمكانية حل الخلافات التجارية بين البلدين.
وحتى الآن، تستند السياسة الخارجية الناشئة لكير ستارمر إلى المبادئ ذاتها التي يعتمدها في الحكم الداخلي وهي: الحذر والتوقع المسبق للأحداث والتركيز على سيادة القانون.
لكن التحدي الأكثر حساسية سياسياً بالنسبة لرئيس الوزراء يتمثل في الخلاف حول القاعدة العسكرية الاستراتيجية في جزر تشاجوس.
ويسعى ستارمر للحصول على دعم ترمب لاتفاق يقضي بتسليم سيادة الأرخبيل، الذي تسيطر عليه بريطانيا منذ أكثر من قرنين، إلى موريشيوس، مع تأجير القاعدة لبريطانيا والولايات المتحدة لمدة قرن إضافي. وبينما عارض ماركو روبيو هذه الفكرة العام الماضي قبل توليه وزارة الخارجية، ولم تعلن إدارة ترمب الجديدة بعد عن موقف رسمي.
وأصبح هذا الملف عبئاً سياسياً متزايداً على ستارمر داخلياً، إذ يتهمه حزب المحافظين والمعارض اليميني نايجل فاراج بـ”التخلي عن الأراضي البريطانية” ومنح الصين مكسباً استراتيجياً.
وحتى داخل حزب العمال الحاكم، هناك أصوات وزارية وشخصيات في مكتب ستارمر تشكك في جدوى منح الأولوية لهذا القرار، لما قد يسببه من تداعيات سياسية ودبلوماسية دون تحقيق مكاسب انتخابية تُذكر.
الخلفية القانونية
ولعبت الخلفية القانونية لستارمر دوراً محورياً في هذا القرار، حيث فاجأ العديد داخل حزبه بتعيين المحامي المتخصص في القانون الدولي، ريتشارد هيرمر، في منصب المدعي العام رغم عدم امتلاكه خبرة سياسية. واستند مكتب رئيس الوزراء إلى المشورة القانونية التي قدمها هيرمر في الدفاع عن اتفاق تشاجوس.
وفي ظل الحكومة المحافظة السابقة، حذرت المشورة القانونية الرسمية من خطر أن تقضي المحاكم الدولية بضرورة نقل السيادة على جزر تشاجوس إلى موريشيوس، ما قد يهدد مستقبل القاعدة العسكرية هناك.
وعند توليه منصبه، قدم ريتشارد هيرمر، في إطار إصلاحات تهدف إلى تعزيز ما يُعرف بتوجيه المخاطر القانونية من قبل محامي الحكومة، توجيهاً أكثر وضوحاً لداونينج ستريت.
وأوضح، وفقاً لمصادر مطلعة، أن ستارمر قد يجد نفسه في وضع انتهاك للقانون الدولي، ما قد يؤدي إلى خسارة القاعدة العسكرية بالكامل. بناءً على ذلك، قبل ستارمر المشورة وسرّع المفاوضات مع موريشيوس، التي بدأتها حكومة المحافظين السابقة.
وقال ستارمر أمام البرلمان هذا الأسبوع: “بدون وضوح قانوني، لا يمكن للقاعدة أن تعمل بالشكل المطلوب عملياً. هذا يضر بأمننا القومي ويشكل مكسباً لمنافسينا.”
ويتركز القلق الرئيسي حول قدرة بريطانيا على استخدام الاتصالات الفضائية لإدارة العمليات العسكرية من القاعدة، حيث تتمتع كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة بحق الوصول الكامل وغير المقيد إلى الطيف الكهرومغناطيسي، وفقا لما كشفته “بلومبرغ” هذا الأسبوع.