قاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب حملته الانتخابية متعهداً بإلغاء وكالات وإدارات فيدرالية بأكملها، لكن من الناحية القانونية، لا يمكنه ببساطة إنهاء منظمة أنشأها الكونجرس ويمولها سنوياً، باعتباره سلطة موازية للرئاسة، حسبما أوردت شبكة CNN.
ووجد ترمب وحلفاؤه، بقيادة الملياردير إيلون ماسك، وسيلة أخرى لتحقيق الأهداف ذاتها، عبر شلّ عمل الوكالات المستهدفة من قبل الجمهوريين وتجميد عملياتها وإبعاد كوادرها وإطلاق مراجعات لنشاطها، ومن ثم، قد يطلب من الكونجرس إلغاءها نهائياً.
وتشمل قائمة الوكالات الحكومية التي باتت في دائرة الخطر، بعد أسبوعين فقط من ولاية ترمب الثانية، مكتب حماية المستهلك المالي والكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID، ووزارة التعليم الفيدرالية.
مكتب حماية المستهلك المالي
أُنشئ مكتب حماية المستهلك المالي CFBP، بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2008، لحماية المستهلكين من الممارسات المالية غير العادلة، لكنه طالما كان هدفاً للجمهوريين.
وفي تطور سريع، تم تعليق جميع أعمال المكتب وإقالة مديره، روهيت تشوبرا، نهاية الأسبوع الماضي، قبل انتهاء فترة ولايته البالغة 5 سنوات.
وأصدر القائم بأعمال رئيس مكتب حماية المستهلك المالي، ووزير الخزانة سكوت بيسنت، قراراً بمراجعة سياسات المكتب لضمان “التوافق” مع توجهات الإدارة الجديدة.
الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID
تأسست الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID في عام 1961، بمبادرة من الرئيس جون كينيدي والكونجرس، لدعم الدول النامية وحماية المصالح الأميركية، إلا أن موظفيها وجدوا أنفسهم هذا الأسبوع ممنوعين من دخول مقرها الرئيسي، كما تم إغلاق موقعها الإلكتروني.
ووفقاً لتوجيه صادر مساء الثلاثاء، سيتم إيقاف عمل موظفي الوكالة حول العالم، اعتباراً من الجمعة، وإعادتهم إلى الولايات المتحدة.
وفي الوقت ذاته، أدى تجميد المساعدات الخارجية في انتظار مراجعة سياسات الوكالة، إلى تأثيرات واسعة النطاق على المنظمات غير الربحية وبرامج الإغاثة الدولية، ما أثار مخاوف من تراجع الدور الأميركي في التنمية العالمية.
ووصف الملياردير الأميركي إيلون ماسك، المسؤول عن وزارة الكفاءة الحكومية، الوكالة بأنها “شريرة”، وقال ترمب إنها تدار من قبل “اليسار الراديكالي”، أما القائم بأعمال مدير الوكالة، وزير الخارجية ماركو روبيو، فأبلغ المشرعين في رسالة، أنه سيبدأ مراجعة شاملة وإعادة هيكلة محتملة لأنشطة الوكالة لضمان “تحقيق الكفاءة القصوى ومواءمة العمليات مع المصلحة الوطنية”.
وفي منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، استخدم ماسك لغة حادة، قائلاً إنه “أمضى عطلة نهاية الأسبوع في إلقاء الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في آلة التقطيع”، في إشارة واضحة إلى تجميد المساعدات الخارجية.
وزارة التعليم
بعد أكثر من قرن على إنشاء وزارة التعليم الفيدرالية، ورفعها إلى مستوى وكالة مستقلة من قبل الكونجرس في عام 1979، أصبحت وزارة التعليم الهدف التالي لإدارة ترمب.
ووفق شبكة CNN، يجري إعداد أمر تنفيذي يوجّه الوزيرة المقبلة ليندا مكماهون، التي لم يتم التصويت بعد على تأكيد تعيينها بمجلس الشيوخ، للبدء في تقليص دور الوزارة عبر إجراءات تنفيذية.
وقال ترمب للصحافيين، الثلاثاء: “أبلغت ليندا بأنني أتمنى أن تؤدي عملها بشكل رائع، بحيث تجعل منصبها غير ضروري، أريدها أن تلغي وظيفتها وزارة التعليم”.
ورغم أنه من غير المرجح أن يوافق الكونجرس المنقسم بشدة على إلغاء الوزارة بالكامل، إلا أن مكماهون، التي قادت إدارة الأعمال الصغيرة خلال الولاية الأولى لترمب وحققت ثروتها كمؤسسة لاتحاد المصارعة WWE، قد تنجح في تقليص مهام الوزارة بشكل كبير ومن ثم دورها الخاص.
هل يُسرح المزيد من الموظفين؟
أفادت CNN، الثلاثاء، بأن إدارة ترمب قد تخطط لتسريح عدد كبير من الموظفين الفيدراليين الذين يرفضون قبول عرض تعويض مالي مثير للجدل قانونياً بحلول الخميس، في خطوة تندرج ضمن “تقليص القوة العاملة” المحتمل.
وتستخدم الإدارة الأميركية بقيادة ترمب، مخاوف الفصل الجماعي، إلى جانب تهديد نقل الوكالات إلى مواقع جديدة وفرض العمل من المكتب خمسة أيام في الأسبوع، بغض النظر عن اتفاقيات المفاوضة الجماعية، للضغط على الموظفين لقبول العرض المالي للخروج الطوعي.
وفي الوقت نفسه، تم إيقاف بعض الموظفين الإداريين عن العمل أو تهميشهم، خاصة أولئك العاملين في مبادرات التنوع.
ورغم موجة التسريحات المحتملة، إلا أنها لن تعني بالضرورة إنهاء عمل بعض الوكالات بالكامل، إذ ستظل هناك حاجة لوجود مكتب براءات الاختراع والعلامات التجارية ووزارة النقل ووزارة الأمن الداخلي وغيرها.
ومع ذلك، يبدو أن وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي FBI سيشهدان تغييرات جذرية من خلال عمليات فصل وإعادة هيكلة واسعة، لكنهما سيبقيان قيد التشغيل.
وفي الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، تم إيقاف موظفين عن العمل بعد محاولتهم منع ماسك من الوصول إلى نظام للمدفوعات، فيما قدم آخرون استقالاتهم. وكان ماسك قد أعرب عن استيائه من تمويل الوكالة لمبادرات التنوع في الخارج.
لكن بعد انتقادات واسعة من منظمات التنمية الدولية، تم تعديل قرار تجميد المساعدات الخارجية ليسمح بإعفاءات للمساعدات الإنسانية المنقذة للحياة، مثل برنامج مكافحة الإيدز الناجح في إفريقيا، ومع ذلك، أفادت الجهات المستفيدة من هذه المساعدات بصعوبة الحصول على الإعفاءات.
وقال وزير الخارجية ماركو روبيو، خلال مؤتمر صحافي في كوستاريكا، إنه إذا كانت أي وكالة غير قادرة على تنفيذ الإعفاءات، فإنه يشكك في كفاءتها ويتساءل ما إذا كانت “تتعمد عرقلة العملية لتحقيق أهداف سياسية”.
وكتب روبيو في رسالته إلى المشرعين: “يجوز نقل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وإعادة تنظيمها ودمج بعض البعثات والمكاتب في وزارة الخارجية، ويمكن إلغاء ما تبقى من الوكالة بما يتفق مع القانون المعمول به”.
ويبدو أن هناك اعترافاً بأن ترمب لا يستطيع، بتمريرة من قلمه الحاد، إنهاء وكالة حكومية ببساطة، لكن هذا لا يعني أنه لا يمكن إعادة تشكيلها وتقليص دورها بشكل جذري.
فعلى سبيل المثال، يمكن دمج بعض مهام الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ضمن وزارة الخارجية، رغم أن الوكالة أُنشئت خصيصاً لتكون كياناً منفصلاً عن البعثة الدبلوماسية الأميركية، كما أن الأمر التنفيذي الذي تجري صياغته لتقليص وزارة التعليم سيدفع الكونجرس إلى تمرير تشريع ينهي عمل الوزارة، التي توزع الأموال الفيدرالية بشكل أساسي على الولايات.
ومن المفارقات أن ترمب وقع في يناير الماضي، أمراً تنفيذياً، يسحب بعض سلطات التعليم من الولايات، ويفرض مزيداً من الرقابة الفيدرالية على المناهج الدراسية، مهدداً بقطع التمويل الفيدرالي عن المدارس التي تدرّس ما يعتبره “النظرية العرقية النقدية” أو موضوعات متعلقة بالعرق والجنس.