يستعد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لأداء اليمين الدستورية في القاعة المستديرة (الروتوندا) داخل مبنى الكابيتول وليس في الهواء الطلق، الاثنين المقبل، بسبب ظروف الطقس القاسية التي ستشهدها العاصمة واشنطن.
ورغم أن الخطوة غير معتادة، إلا أنها ليست الأولى، إذ اضطر الرئيس الراحل رونالد ريجان قبل 40 عاماً، لإقامة حفل تنصيبه لولايته الثانية داخل القاعة نفسها عام 1985.
وذكر ترمب على منصته Truth Social الجمعة، أن توقعات الطقس في العاصمة واشنطن تشير إلى انخفاض درجات الحرارة لـ”مستويات قياسية خطيرة”.
وأضاف: “هناك عاصفة قطبية تجتاح البلاد.. لا أريد أن أرى الناس يتأذون أو يتعرضون للإصابة بأي شكل”، مشيراً إلى أنه أمر بـ”إلقاء خطاب التنصيب، بالإضافة إلى الصلوات والخطب الأخرى، في قاعة الكابيتول في الولايات المتحدة”.
وقال ترمب إن أنصاره يمكنهم مشاهدة الحفل على شاشات داخل ساحة (كابيتال وان) الرياضية في وسط واشنطن التي تسع 20 ألف شخص.
وتُعد قاعة “الروتوندا” في مبنى الكونجرس خياراً بديلاً لاحتضان مراسم التنصيب التي عادة ما تقام في الهواء الطلق، في حال ساءت الأحوال الجوية.
وتتوقع الأرصاد الجوية أن تصل درجات الحرارة في واشنطن، الاثنين المقبل، خلال وقت تنصيب ترمب إلى نحو 7 درجات مئوية تحت الصفر، لكن الشعور بالبرد سيكون أكبر بسبب الرياح الباردة.
في معرض تبريره لقرار نقل المراسم إلى داخل مبنى الكونجرس، تطرق ترمب لقرار ريجان، والذي كان بمثابة افتتاحية “فريدة” لولايته الثانية في 21 يناير 1985.
حفل تنصيب ريجان
وأُقيمت مراسم تنصيب ريجان داخل مبنى الكابيتول بدلاً من الموقع التقليدي في الهواء الطلق. وقد اتُخذ القرار حينها بسبب الظروف الجوية شديدة البرودة التي شهدتها العاصمة واشنطن.
وتعد درجة الحرارة المتوقعة، الاثنين المقبل، الأبرد منذ تنصيب ريجان 1985 حيث انخفضت درجات الحرارة حينها إلى ما بين 23 و29 درجة مئوية تحت الصفر.
ونظراً لأن 20 يناير 1985 صادف يوم أحد، تم تأجيل مراسم تنصيب ريجان الرسمية إلى 21 يناير، وفقاً للعرف المتبع عندما يصادف يوم التنصيب يوم الأحد. لكن امتثالاً للدستور، أدى ريجان القسم في حفل خاص أقيم في البيت الأبيض في 20 يناير.
ومثلت البرودة الشديدة حينها مخاطر كبيرة على صحة وسلامة الحاضرين للحفل، بما في ذلك العدد الكبير من المشاهدين، وكبار الشخصيات، والمشاركين في الاحتفال.
وحسب التقاليد، تقام حفلات التنصيب في الجهة الغربية من مبنى الكابيتول، لكن درجات الحرارة المنخفضة دفعت اللجنة المنظمة لحفل تنصيب ريجان لإعادة النظر في الخطة.
وبعد التشاور مع خبراء الأرصاد الجوية والسلامة العامة، تقرر نقل المراسم إلى داخل قاعة “الروتوندا” في مبنى الكابيتول، وهي المرة الأولى التي يتم فيها نقل مراسم التنصيب إلى داخل المبنى بسبب حالة الطقس منذ تنصيب الرئيس أندرو جاكسون عام 1829.
ولم يتمكن سوى قرابة ألف شخص من حضور المراسم في قاعة “الروتوندا”، وهو عدد أقل بكثير مقارنة بعدد الحاضرين للحفل في حال إقامته في الهواء الطلق والذي يصل لعشرات الآلاف.
وتضمن الحفل مراسم أداء القسم التقليدية لرونالد ريجان أمام كبير القضاة حينها وارن إي برجر، قبل أن يلقي خطابه الثاني للتنصيب. وحضر المراسم عائلة ريجان، وأصدقاؤه المقربون، ومجموعة صغيرة من المسؤولين.
وأدار برجر أداء اليمين في البهو الكبير للبيت الأبيض. ووضع ريجان يده على نسخة من الكتاب المقدس العائلي، وهي نفس النسخة التي استخدمها في حفل تنصيبه لولايته الأولى.
وتسبب البرد القارس حينها كذلك في إلغاء العرض الاحتفالي، الذي يتضمن عادة عرضاً موسيقياً، وعربات مزينة، وعروضاً من مختلف أنحاء الولايات المتحدة.
وكان شعار ريجان لحفل تنصيبه “بداية جديدة لأميركا”، وكان يهدف إلى تمثيل التفاؤل، والتجديد لفترة ولايته الثانية.
وبينما كان قرار نقل المراسم إلى داخل المبنى مخيباً للآمال، فقد أبرز اهتمام الإدارة بسلامة الجمهور وضرورة التكيف مع الظروف.
توماس جيفرسون (1801 – 1809)
وسبق أن أُقيم حفل تنصيب الرئيس الأميركي توماس جيفرسون في 4 مارس 1801 داخل مبنى الكابيتول، كما كان التقليد في بدايات نشأة البلاد، حيث كانت المراسم تُعقد في أماكن مغلقة تعكس طابع البساطة الذي ميز تلك الفترة.
ويُعد تنصيب جيفرسون حدثاً محورياً في التاريخ الأميركي، إذ شهد أول انتقال سلمي للسلطة بين الأحزاب السياسية، حيث خلف جيفرسون المنتمي للحزب الديمقراطي الجمهوري (الجمهوري لاحقاً) الرئيس جون آدامز من الحزب الفيدرالي.
ولم يكن اختيار مبنى الكابيتول لعقد مراسم التنصيب لأسباب لوجستية فقط، بل رمزاً للديمقراطية الأميركية الناشئة، ودور الكونجرس المركزي في النظام السياسي.
وتميز الحفل ببساطته ليعكس شخصية جيفرسون الذي رفض البهرجة، وألقى خطاباً يدعو لـ”الوحدة الوطنية”، ويشدد على أهمية الديمقراطية كـ”ركيزة أساسية للحكم”، مما جعل هذا الحدث نقطة فاصلة في ترسيخ قيم الجمهورية.
حوادث طقس في يوم التنصيب
جيمس مونرو (1817 – 1825)
أما حفل تنصيب الرئيس جيمس مونرو، فقد نُقل إلى الخارج لأن مبنى الكابيتول كان قد تعرض لأضرار جسيمة بعد حرب عام 1812 عندما أحرقت القوات البريطانية المبنى. وهكذا بدأت العادة بإقامة حفلات التنصيب في الهواء الطلق.
ويليام هنري هاريسون (مارس 1841 – أبريل 1841)
أما الرئيس ويليام هنري هاريسون، فيُعتقد على نطاق واسع، بحسب شبكة CNN، أنه أصيب بنزلة برد خلال حفل تنصيبه عام 1841، حيث ألقى خطاباً استمر ساعتين دون أن يرتدي معطفاً أو قبعة، وفقاً لمركز ميلر بجامعة فيرجينيا.
ويُعتقد أن هذا قد ساهم في إصابته بالالتهاب الرئوي لاحقاً. وتوفي بعد شهر واحد من توليه منصبه، مما جعل فترة رئاسته هي الأقصر في تاريخ الولايات المتحدة.
يوليسيس جرانت (1869 – 1877)
وجاء في تاريخ نشرته هيئة الأرصاد الجوية الوطنية، أنه أثناء مراسم أداء القسم لولاية ثانية للرئيس يوليسيس جرانت في الرابع من مارس 1873، انهار عدد من الطلاب العسكريين وضباط البحرية الذين كانوا يقفون بالخارج بدون معاطف، ومنعت الرياح العاصفة حتى المقربين منه على المنصة من سماع الخطاب.
وما زالت درجة الحرارة المنخفضة في صباح ذلك اليوم والتي بلغت 15 درجة مئوية تحت الصفر هي أقل درجة حرارة على الإطلاق لأحد أيام شهر مارس في واشنطن.
هوارد تافت (1909 – 1913)
في حين أن العشرين من يناير 1985 سجل أكثر الأيام انخفاضاً لدرجة الحرارة من حيث أيام التنصيب بحسب الموقع الرسمي الحكومي National Weather Service (NWS)، إلا أن في 4 مارس 1909، كان أحد أكثر أيام التنصيب تحدياً في تاريخ الولايات المتحدة بسبب الظروف الجوية القاسية.
إذ واجه الرئيس ويليام هوارد تافت عاصفة ثلجية قوية قبل يوم الحفل، مما أدى إلى تساقط نحو 10 بوصات من الثلوج على العاصمة واشنطن.
وترافق التساقط الكثيف للثلوج مع رياح قوية تسببت في سقوط الأشجار وأعمدة الهاتف، مما أدى إلى اضطرابات واسعة النطاق.
وتوقفت القطارات عن العمل، وأصبحت شوارع المدينة غير قابلة للعبور.
ولإزالة الثلوج من مسار الموكب، عمل نحو 6 آلاف عامل باستخدام 500 عربة على إزالة حوالي 58,000 طن من الثلوج والطين. ورغم هذه الجهود، أجبرت الأحوال الجوية السيئة على نقل مراسم التنصيب إلى الداخل في قاعة مجلس الشيوخ
وعلى الرغم من عدم تسجيل درجة الحرارة بشكل دقيق في ذلك اليوم، إلا أن الجمع بين التساقط الكثيف للثلوج والرياح القوية جعل هذا اليوم أحد أكثر حفلات التنصيب تأثراً بالطقس في التاريخ.