اعتبر مسؤولون في أوكرانيا، وعدد من العواصم الغربية الحليفة لواشنطن، أن استراتيجية إدارة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن للتعامل مع الغزو الروسي لأوكرانيا، التي وصفوها بأنها “غير كافية ومتأخرة للغاية”، كلّفت كييف “فرصة النصر”، حسبما ذكرت “بلومبرغ”.
وأشارت “بلومبرغ” في تقرير، الجمعة، إلى أنه خلال الشهر الأخير المتبقي لبايدن في منصبه، ركزت إدارته على استغلال كل الموارد المتبقية لديها، لتقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا، وفرض المزيد من العقوبات، التي تهدف إلى “إضعاف” الاقتصاد الروسي.
وتوقع مسؤولون أنه بغض النظر عما يفعله بايدن خلال أسابيعه الأخيرة، فإن أوكرانيا تتجه نحو “تسوية قاسية”، ربما يضطر فيها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى ترك مساحات شاسعة من الأراضي في “وضع معلق”، مقابل ضمانات أمنية لا ترقى إلى عضوية حلف شمال الأطلسي “الناتو” التي طالب بالحصول عليها.
وأشار المسؤولون، الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم، إلى أن النتيجة ستكون إلى حد كبير نتيجة لقرارات اتخذها بايدن، أو امتنع عن اتخاذها، خلال العامين الماضيين.
وعلى الرغم من إرسال الولايات المتحدة مساعدات عسكرية وأسلحة تبلغ قيمتها أكثر من 90 مليار دولار، فإن بعض الحلفاء محبطون من بايدن لتأخره في اتخاذ قرارات حاسمة، لتقديم أسلحة أكثر تقدماً في مراحل حاسمة في الصراع.
وذكرت “بلومبرغ” أنه في خريف عام 2022، كانت القوات الأوكرانية تضع القوات الروسية في موقف دفاعي، وكان زيلينسكي يطالب بايدن بالحصول على المزيد من الأسلحة لاستغلال الفرصة لصالحه، لكن بايدن تردد.
وأشار مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إلى أن تفكيره (الرئيس بايدن) كان متأثراً باحتمال، أن يؤدي التصعيد إلى استخدام روسيا ترسانتها النووية.
تباين بشأن موقف بايدن
وقال وزير الدفاع البريطاني السابق جرانت شابس في مقابلة: “لا شك أن مشاعره (بايدن) كانت في المكان المناسب، لقد أدرك أهمية الوقوف مع أوكرانيا ضد العدوان الروسي”.
وأضاف شابس: “ومع ذلك، كان نهجه حذراً ومتردداً للغاية في كثير من الأحيان، حيث امتنع عن تقديم الدعم الحاسم المطلوب لترجيح الميزان”.
في حين رفض سوليفان هذا الرأي، قائلاً في 7 ديسمبر الجاري، إن العملية الأميركية لتسليح أوكرانيا قبل وأثناء الحرب كانت تمثل “إنجازاً غير عادي”. والواقع أن الدعم الأميركي كان حاسماً لضمان عدم اجتياح أوكرانيا، وخاصة في بداية الحرب، وحشد الحلفاء بعد الغزو.
وأعرب مسؤولون أميركيون آخرون، طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم، عن إحباطهم من بعض الحكومات الأوروبية، التي قالوا إنها كانت بطيئة في تقبل أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيقوم بالغزو، وأصبحت بعد ذلك مترددة في شحن جميع الأسلحة، على الأقل حتى علمت بـ”الانتهاكات” ارتكبها الروس.
وأشار المسؤولون إلى أن أوروبا كانت غالباً ما تنزعج من فرض عقوبات أشد صرامة على موسكو، وحتى مع تخفيف حدة موقف الولايات المتحدة بشأن مطالبة أوكرانيا بالانضمام إلى الناتو، ظلت المعارضة في برلين، وأماكن أخرى ثابتة.
وقال مسؤولون آخرون، إن المفارقة، هي أن النتيجة بالنسبة لأوكرانيا في الوقت الراهن مشابهة بغض النظر عما إذا كان بايدن، أو الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب في السلطة.
وطالب ترمب بوقف فوري لإطلاق النار، وأشار مرشحوه في مجلس الأمن القومي إلى أن أي اتفاق من المرجح أن يجعل أوكرانيا مضطرة إلى قبول تجميد أراضيها على طول خطوط المعركة الحالية، والتخلي عن طموحها للانضمام إلى “الناتو” في أي وقت قريب.
“هوس” بخطر التصعيد النووي
وبعيداً عما وصفته بلعبة “تبادل الاتهامات”، أشارت “بلومبرغ” إلى حقيقة أكثر عمقاً تحبط المسؤولين على جانبي الأطلسي، وهي أنه على الرغم من كل الحديث عن إحياء عواصم أوروبية لقوتها العسكرية، لا تزال الولايات المتحدة الدولة الوحيدة في حلف “الناتو” التي يمكنها ترجيح كفة الميزان في صراع كبير يشمل روسيا، لذا فإن نتيجة الحرب في أوكرانيا سوف تتشكل حتماً من خلال قرارات تتخذ في البيت الأبيض.
واعتبر أحد المسؤولين، أن بايدن بصفته محارب قديم في الحرب الباردة، شارك في مفاوضات الحد من الأسلحة مع الاتحاد السوفييتي، كان “مهووساً” بخطر التصعيد النووي.
وفي مواجهة الدعوات إلى بذل المزيد من الجهد، قال مسؤولون أميركيون بشكل متكرر، إن المخاطر كانت كبيرة للغاية، كما عبر حلفاء آخرون، مثل ألمانيا، عن مخاوف مماثلة، بحسب “بلومبرغ”.
وقال مسؤولان أوروبيان رفيعان، إن المشكلة الأساسية، هي أن استراتيجية بايدن كانت على ما يبدو تستهدف تجنب خسارة أوكرانيا “دون تحديد مسار للنصر”، لافتين إلى أن هذا ترك أوكرانيا “حبيسة صراع طويل الأمد، كلّف عشرات الآلاف من الأرواح”.
وقال وزير خارجية لاتفيا بايبا براز في مقابلة: “نعتقد أن إرسال المزيد من الأسلحة في وقت سابق كان ليكون حاسماً للغاية. لكن هذا هو الحال”.
“نهج بديل”
ونوّهت “بلومبرغ” بأن ” الرهان بكل شيء”، لم يكن الخيار الوحيد المتاح أمام بايدن، فبعد أقل من عام من بدء الحرب، عرض رئيس هيئة الأركان المشتركة آنذاك مارك ميلي نهجاً بديلاً لم يكن ليتسبب في نفس خطر التصعيد الروسي، وهو دفع زيلينسكي إلى محادثات مع بوتين.
وفي نوفمبر 2022، قال ميلي: “إن الجيش الروسي يعاني حقاً. عليك أن تجري التفاوض في وقت تكون فيه في أقوى حالاتك، ويكون خصمك في حالة ضعف”.
ولكن في تلك المرحلة من الصراع، كانت مثل هذه الاقتراحات تعتبر غير مقبولة، وكان شعار المسؤولين الغربيين، في العلن وفي السر، هو أن زيلينسكي والأوكرانيين فقط هم من يقررون متى يتفاوضون.
ووفقاً لمسؤول أوروبي كبير، كان لدى بايدن خياران استراتيجيان؛ هما: زيادة الدعم للسماح لكييف بإنهاء المهمة، أو الدفع باتجاه مفاوضات السلام، ولم يختر أي منهما.
ورغم أن الولايات المتحدة زادت من إمدادات الأسلحة قبل “الهجوم المضاد الفاشل” في عام 2023، قال مسؤولان بريطانيان سابقان إنهما حاولا إقناع بايدن بأن الأمر يتطلب قدر أكبر من الأسلحة وبسرعة أكبر، لكنهما واجها مخاوفه من التصعيد النووي.
وقال أحد المسؤولين البريطانيين إن “هذه المخاوف مبالغ فيها، لأن التهديدات الروسية أثبتت في كل مرحلة أنها وهمية”.
في المقابل، قال مسؤولون أميركيون، إن تنفيذ هجمات تخريبية في أوروبا واستهداف موسكو المتزايد للبنية التحتية للطاقة في أوكرانيا تظهر على العكس من ذلك، أن بوتين كان مستعداً للتصعيد، لذا كان عليهم أن يأخذوا تهديداته النووية على محمل الجد.
مسؤولية استثنائية
وقال وزير الخارجية أنتوني بلينكن خلال فعالية في واشنطن هذا الأسبوع، إن “الرئيس (بايدن) يتحمل مسؤولية أخرى استثنائية، كانت المسؤولية تقع بشكل رئيسي على عاتقه، وكانت مسؤوليته التأكد من أن أوكرانيا لديها كل ما يمكننا توفيره للتعامل مع العدوان، ولكن أيضاً تجنب صراع مباشر مع روسيا. نحن لسنا بحاجة إلى صراع مباشر بين القوى المسلحة نووياً”.
وأوضح مسؤولون في واشنطن، أن الولايات المتحدة أرسلت في نهاية المطاف كل ما يمكنها إرساله، عندما سمحت المخزونات، وعندما كانت قدراتها في التقييم منطقية في ساحة المعركة. ولهذا الغرض، ساعد تكثيف إمدادات الذخيرة في تقليص تفوق روسيا الذي جعلها تطلق قذائف أكثر بعدة مرات من الأوكرانيين في وقت سابق من الصراع.
كما قال مسؤولون أميركيون إنه لا يمكن لأي قدرة وحيدة أن تشكل “حلاً سحرياً”، وإن أوكرانيا تعاني الآن من نقص في القوى العاملة أكثر من الأسلحة.
وفي وقت سابق من هذا العام، ذكر رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA ويليام بيرنز، أنه كان يوجد “خطر حقيقي لاستخدام محتمل للأسلحة النووية التكتيكية” في خريف عام 2022، لكن لا ينبغي للولايات المتحدة وحلفائها أن يخشوا مما وصفه بـ”التلويح بالقوة” من جانب موسكو. والتقى بيرنز بنظيره الروسي في تركيا في نوفمبر من ذلك العام، لتحذيره من استخدام الأسلحة النووية.
مع ذلك، بينما كان بايدن “يشعر بالذنب” بشأن ما إذا كان سيرسل المزيد من الدفاعات الجوية أو قذائف طويلة المدى أو طائرات مقاتلة إلى كييف، وجّه بوتين صواريخه إلى مدن أوكرانيا، ما أدى إلى إضعاف اقتصاد كييف وعزيمة شعبها، وتدهور قدرة الدولة التي مزقتها الحرب على الرد، في حين مُنحت موسكو الوقت الحاسم للتحضير، وتكييف دفاعاتها.