عقد دبلوماسيون غربيون وعرب اجتماعات عدة خلال الأيام الماضية، لبحث التطوّرات في سوريا ودعم الانتقال السياسي، بعد الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد، الذي فر من البلاد قبل نحو أسبوع، بينما وصل المبعوث الأممي جير بيدرسون إلى دمشق، الأحد، لإجراء مباحثات مع فصائل المعارضة السورية التي تقودها “هيئة تحرير الشام” بشأن مستقبل البلاد.
تأتي الاجتماعات في الوقت الذي تتسابق قوى إقليمية وغربية على بسط نفوذها على أي حكومة مقبلة في سوريا، بعد ما أطاحت فصائل المعارضة المسلحة بقيادة “هيئة تحرير الشام”، الأسبوع الماضي، الرئيس بشار الأسد، وشكلت إدارة جديدة، ووعدت بنظام جديد “متسامح وشامل”.
وفي أعقاب محادثات في الأردن، واتصالات مباشرة مع فصائل المعارضة، أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، السبت، أن كبار الدبلوماسيين في الولايات المتحدة وتركيا والاتحاد الأوروبي ودول عربية، اتفقوا على أن الحكومة الجديدة في سوريا يجب عليها احترام حقوق الأقليات.
وقال بلينكن خلال مؤتمر صحافي، إن المجموعة اتفقت على بيان مشترك يدعو أيضاً إلى “حكومة شاملة” تمثل فئات الشعب وتحترم حقوق الأقليات، ولا توفر “قاعدة للجماعات الإرهابية”.
دعم وحدة سوريا
وأكد البيان المشترك أيضاً “الدعم الكامل لوحدة سوريا وسلامة أراضيها وسيادتها”، وهو التعليق الذي بدا موجهاً إلى إسرائيل التي توغلت في سوريا وسيطرت منذ سقوط الأسد على المنطقة العازلة المتفق عليها في عام 1974.
وأضاف بلينكن: “اتفاق اليوم يبعث رسالة موحدة إلى السلطة المؤقتة الجديدة والأطراف في سوريا حول المبادئ الضرورية لتقديم الدعم والاعتراف المطلوبين بشدة”.
وقال بلينكن أيضاً، إن المسؤولين الأميركيين أجروا “اتصالاً مباشرا” مع “هيئة تحرير الشام”، وحثوها وجماعات معارضة أخرى على المساعدة في تحديد مكان الصحافي الأميركي أوستن تايس، الذي اعتقل في سوريا في عام 2012.
وأضاف أن الولايات المتحدة شاركت أيضاً رؤيتها بشأن المرحلة الانتقالية في سوريا مع الجهات الفاعلة في سوريا.
اجتماعات العقبة
واستضاف الأردن اجتماعاً، السبت، في العقبة، بينما لم يتم توجيه الدعوة إلى روسيا وإيران اللتين كانتا تدعمان الأسد.
واجتمع بلينكن ومبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا جير بيدرسون، ومسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس، ووزير الخارجية التركي ووزراء خارجية الأردن والسعودية والعراق ولبنان ومصر والإمارات والبحرين وقطر. ولم يشارك في الاجتماع أي ممثل لسوريا.
واجتمع الدبلوماسيون العرب في وقت سابق على نحو منفصل، وأصدروا بياناً دعوا فيه إلى انتقال سياسي سلمي وشامل، يؤدي إلى إجراء انتخابات ودستور جديد لسوريا.
وذكر دبلوماسيون عرب حضروا المحادثات لوكالة “رويترز”، أنهم يسعون للحصول على تأكيدات من تركيا بأنها تدعم ذلك، فضلاً عن منع تقسيم سوريا على “أسس طائفية”.
ودعا البيان الختامي لاجتماع لجنة الاتصال العربية الوزارية بشأن سوريا، الذي انعقد في العقبة، السبت، إلى “تشكيل هيئة حكم انتقالية جامعة بتوافق سوري، وبدء العمل على إنشاء بعثة أممية لمساعدة سوريا لدعم العملية الانتقالية”، مديناً “توغل إسرائيل داخل المنطقة العازلة مع سوريا وسلسلة المواقع المجاورة لها في جبل الشيخ”.
وطالب البيان بالبدء في تنفيذ الخطوات التي حددها القرار للانتقال من المرحلة الانتقالية إلى نظام سياسي جديد، يلبي طموحات الشعب السوري بكل مكوناته، عبر انتخابات حرة ونزيهة، تشرف عليها الأمم المتحدة، استناداً إلى دستور جديد يقره السوريون، وضمن تواقيت محددة وفق الآليات التي اعتمدها القرار.
وأكد البيان أن هضبة الجولان أرض سورية عربية محتلة، يجب إنهاء احتلالها، كما طالب مجلس الأمن الدولي باتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف توغل الجيش الإسرائيلي في الأراضي السورية.
وفي أعقاب انهيار نظام الأسد، قال الجيش الإسرائيلي إن طائراته نفذت مئات الضربات في سوريا ودمرت الجزء الأكبر من مخزونات الأسلحة الاستراتيجية لديها.
وأمر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس القوات الإسرائيلية بالاستعداد للبقاء خلال فصل الشتاء على “جبل الشيخ”، وهو موقع استراتيجي يطل على دمشق، في إشارة جديدة على أن الوجود الإسرائيلي في سوريا سيستمر لفترة طويلة.
تجنب انهيار المؤسسات
يأتي ذلك في وقت طالب فيه مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، جير بيدرسون، القوى الخارجية ببذل الجهود لتجنب انهيار المؤسسات الحيوية السورية عقب الإطاحة ببشار الأسد.
وقال بيدرسون خلال لقائه مع بلينكن في العقبة، السبت: “يجب ضمان عدم انهيار مؤسسات الدولة، والحصول على المساعدات الإنسانية في أسرع وقت ممكن”.
بدوره، قال بلينكن، وفق ما نقله بيان الخارجية الأميركية، إن واشنطن والأمم المتحدة مصممتان على العمل معاً لدعم عملية انتقالية بقيادة سورية، حيث تلعب الأمم المتحدة دوراً حاسماً، وخاصة عندما يتعلق الأمر بتقديم المساعدة وحماية الأقليات.
“مصالح متضاربة” لواشنطن وأنقرة
ولدى تركيا والولايات المتحدة، العضوين في حلف شمال الأطلسي “الناتو”، مصالح متضاربة عندما يتعلق الأمر ببعض فصائل المعارضة المسلحة. واشتبك مسلحون مدعومون من تركيا في شمال سوريا مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي يقودها الأكراد.
وقوات سوريا الديمقراطية، التي تسيطر على بعض أكبر حقول النفط في سوريا، هي الفصيل الرئيسي في التحالف الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم “داعش”. وتقودها “وحدات حماية الشعب” الكردية، وهي جماعة تعدها أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني، الذي خاض قتالاً ضد الدولة التركية لمدة 40 عاماً، وتحظره أنقرة.
وبحسب مسؤول في الوفد الأميركي، أخبر بلينكن المسؤولين الأتراك خلال زيارة لأنقرة يومي الخميس والجمعة، بأنه يتعين منع تنظيم “داعش” من إعادة تنظيم صفوفه، وعدم تشتيت قوات سوريا الديمقراطية عن دورها في تأمين المعسكرات التي يُحتجز فيها عناصر التنظيم.
وقال المسؤول، إن المسؤولين الأتراك وافقوا على ذلك.
وصرح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان للتلفزيون التركي، الجمعة، بأن القضاء على وحدات حماية الشعب “هدف استراتيجي” لأنقرة، وحض قادة الجماعة على مغادرة سوريا.
“الجولاني”: نتواصل مع السفارات
من جانبه، قال زعيم “هيئة تحرير الشام”، أحمد الشرع، المعروف بـ”أبو محمد الجولاني” إلى أن فصائل المعارضة السورية “تتواصل مع سفارات غربية ونجري نقاشاً مع بريطانيا لإعادة تمثيلها في دمشق.. أهدافنا واضحة وخططنا جاهزة للبناء والتطوير في سوريا”، مشيراً إلى أن “البلاد لاتقاد بعقلية الثورة وهناك حاجة إلى قانون ومؤسسات”.
وأوضح الشرع في تصريحات لـ”تلفزيون سوريا” المعارض الذي يبث من إسطنبول: “هناك كواليس كثيرة في المعركة سيتم الكشف عنها لاحقاً.. ما حدث ليس صدفة، بل حضرنا له لسنوات.. لدينا خطط لعلاج كل أزمات سوريا ونحن في مرحلة جمع المعلومات.. ولدينا بعض الخطط الجاهزة للبناء والتطوير في سوريا.. وسيطرنا على مدن كبيرة، دون أن ينزح أحد..”.
وبشأن التواجد العسكري الروسي في سوريا، أوضح رئيس الإدارة العسكرية لفصائل المعارضة السورية، أن الفصائل “حاولت الابتعاد عن استفزاز الروس وإعطائهم فرصة لإعادة تقييم العلاقة معها”.
وأضاف: “كان بإمكاننا ضرب القواعد الروسية في سوريا، لكننا فضلنا بناء علاقات جيدة، حاولنا موازنة الأمور مع روسيا وأرسلنا رسائل لها وأعطينا فرصة من أجل بناء علاقة جديدة”.
وفد تركي قطري في دمشق
والتقى وفد تركي-قطري زار العاصمة السورية دمشق، الخميس، أبو محمد الجولاني ومحمد البشير، رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال، بهدف “دفع القيادة السورية الجديدة إلى الانخراط في المجتمع الدولي والدفع نحو حوار سياسي داخلي”، بحسب بيان صادر عن وزارة الإعلام السورية.
وذكرت الوزارة، على منصة “إكس” للتواصل الاجتماعي، أن الاجتماع يهدف إلى “تطوير رؤى مستقبلية للواقع السوري، ودفع القيادة السورية الجديدة للانخراط في البيئة العربية والإقليمية والدولية، والعمل على الدفع نحو حوار سياسي داخلي بين جميع الأطراف المعارضة والمساهمة في عملية النهضة السياسية والاقتصادية في البلاد”.
وسيطرت فصائل المعارضة السورية المسلحة على العاصمة دمشق، الأحد الماضي، إثر تقدم خاطف دفع الأسد للفرار إلى روسيا بعد حرب استمرت 13 عاماً، وإنهاء أكثر من 5 عقود من حكم عائلته.
وأعربت عدة دول فضلاً عن الأمم المتحدة وقادة مجموعة الدول السبع الكبرى عن استعدادهم لدعم عملية انتقالية في إطار يؤدي إلى حكم “موثوق وشامل وغير طائفي” في سوريا.