شهدت العديد من المدن والمناطق السورية، في أول جمعة بعد إسقاط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، احتفالات وصفها كثيرون بـ”التاريخية وغير المسبوقة”، في يوم أطلق عليه “جمعة النصر”، إذ رفرفت الأعلام التي ترفعها فصائل المعارضة المسلحة منذ اندلاع الانتفاضة ضد نظام الأسد في عام 2011.
واجتمعت حشود كبيرة في ساحة الأمويين وسط العاصمة السورية دمشق، احتفالاً بـ”جمعة النصر” التي انتظرها السوريون طويلاً، بالإضافة إلى ريف دمشق حيث ردد السوريون شعار “سوريا حرة”.
كما شهدت مدن حلب وحمص وحماة ودرعا والسويداء واللاذقية وإدلب ودير الزور وغيرها، احتفالات كبيرة وحاشدة، وذلك بعد أن دعا قائد إدارة العمليات العسكرية في فصائل المعارضة المسلحة، أحمد الشرع، المعروف بـ”أبو محمد الجولاني”، الشعب للنزول إلى الميادين احتفالاً بـ”انتصار الثورة”.
وأعلنت إدارة العمليات العسكرية في سوريا، صباح الجمعة، أن “عناصر الأمن تنفذ انتشاراً مكثفاً أثناء المظاهرات لتأمين سلامة المشاركين”، وأن “الأمن العام سيتعامل بحزم مع أي شخص يثبت تورطه في إطلاق نار خلال المظاهرات”، داعية إلى “الالتزام بالسلوك السلمي خلال المظاهرات حفاظاً على سلامة الجميع”.
وقبيل صلاة الجمعة، غصّت ساحة الأمويين والمناطق المحيطة بها بالسوريين من جميع أطياف الشعب السوري، شملت عسكريين سابقين ومدنيين، وصولاً إلى من عايشوا مآسي الحرب، حيث رددوا: “واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد”، وهي هتافات تعبر عن وحدة الشعب في مواجهة التحديات والآلام التي مروا بها.
وفي الجامع الأموي بدمشق، أدى عدد كبير من السوريين أول صلاة جمعة بإمامة رئيس الحكومة السورية المؤقتة، محمد البشير.
أحد الحاضرين يدعى خالد الإمام، ويقول إنه خسر اثنين من إخوته وأكثر من 15 فرداً من عائلته في عمليات قصف وحصار لمسقط رأسه في مدينة داريا، إنها “المرة الأولى التي يحتفل فيها بساحة الأمويين. كانت داريا مدمرة، والدماء كانت تسيل في كل مكان. اليوم، نشعر بأننا استعدنا جزءاً من كرامتنا”. وأضاف واصفاً الحشود: “اليوم، لأول مرة، نشعر أن دمشق أصبحت لنا.. إنها ليست المدينة التي كنا نعيش فيها في ظل حكم الأسد.. اليوم، أصبحت شامنا حرة”.
“اليوم بداية جديدة لسوريا”
بدوره، قال أحد المحتفلين يدعى أحمد صلاح، وهو موظف حكومي في دمشق، إن “اليوم بداية جديدة لسوريا، بداية حقيقية بعيداً عن الاستبداد والفساد والقمع.. حلمنا اليوم هو بناء وطن ديمقراطي يسوده القانون والمساواة”.
وأضاف أحمد، وهو يعبّر عن تطلعاته للمستقبل: “نريد سوريا موحدة، من دون تفرقة بين الناس، نريد تعليماً وصحة للجميع، نريد أن نعيش بحرية وكرامة”.
هذه كانت كلمات العديد من المحتفلين الذين توافدوا إلى ساحة الأمويين، حيث أعربوا عن حلمهم في سوريا المستقبل التي تعتمد على العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان.
وفي حلب، قال محمود عمر: “كنا نعيش تحت وطأة الخوف طوال سنوات، ولكن اليوم نشعر أننا استعدنا جزءاً من حياتنا. حلب ليست مدينة الأسد، هي مدينة كل السوريين”.
كما شارك الآلاف أيضاً بالاحتفالات في ساحة “سعد الله الجابري” بمدينة حلب، وفي مدينة اللاذقية أيضاً شارك الأهالي بالاحتفالات، كما وتجمع عشرات الآلاف في محافظات درعا وحماة وفي ساحة “السبع بحرات” بدير الزور، وأمام مسجد “خالد بن الوليد” بحمص وفي ساحة مدينة إدلب وأريافها.
ومن حماة، حيث شهدت ساحة العاصي أول مظاهرة عام 2011، قال أنور قدور: “عدنا إلى ساحة العاصي بعد 13 عاماً، اليوم نحتفل بالنصر على نظام بشار الأسد”.
وانطلقت مظاهرات كذلك كبيرة بساحة الكرامة في مدينة السويداء، ذات الأغلبية الدرزية، مع تصاعد أصوات المتظاهرين المرددين لشعارات وأغانٍ وطنية.
“التفاؤل بالمستقبل”
الاحتفالات في دمشق وما حولها لم تكن مجرد تصفيق وهتافات، بل كانت أيضاً لحظة تحمل الكثير من الأمل والتطلع إلى المستقبل، إذ قال أحد الحاضرين يدعى علاء خليل: “نريد أن نعيش بسلام في بلدنا، نريد أن نبني سوريا من جديد.. نحن لا نطلب المستحيل، فقط نريد أن نعيش بكرامة وأن نحقق حلمنا في وطن حر”.
وتعكس هذه الكلمات تطلعات الشعب السوري، الذي قدم آلاف الضحايا من أجل الحرية، ولا يزال يأمل في تحقيق العدالة والمساواة في وطنه.
مخاوف وآمال
ورغم الاحتفالات الطاغية في “جمعة النصر”، فإن الكثير من السوريين يحملون مخاوف وتحديات بشأن المستقبل، أبرزها في الملف الاقتصادي، إلى جانب إرساء حكم ديمقراطي، والعدالة للمعتقلين والضحايا، لكن التفاؤل يبقى حاضراً.
وقال أحد الشباب المشاركين في الاحتفالات يدعى عماد الزعبي: “نحن لا نطلب معجزات، بل نريد أن نبني معًا بلدًا خاليًا من القمع، وندافع عن حقوقنا”، يقول محمد الحريري، أحد المشاركين من محافظة درعا، الذي كان جزءًا من الحراك الثوري منذ انطلاقته.
وأضاف الزعبي: “نريد أن نشهد سوريا جديدة، ليس فيها أي تفرقة، سوريا حيث يتمكن كل شخص من تحقيق أحلامه من دون خوف أو قيود”.
وتعهد “الجولاني”، الأربعاء، بملاحقة أي شخص متورط في تعذيب المعتقلين أو قتلهم في السجون، والتي من بينها سجن “صيدنايا” الشهير، خلال حكم الأسد، ولكنه يسعى حالياً لتحقيق توازن بين مطالبات الضحايا بتحقيق العدالة، وضرورة تجنب العنف، وضمان تلقي الدعم الدولي.
وحدد رئيس حكومة تصريف الأعمال في سوريا، محمد البشير، الثلاثاء، مهام حكومته التي ستستمر حتى مارس 2025، في “ضبط الأمن” و”الحفاظ على استقرار المؤسسات”، و”ضمان عدم تفكك الدولة”، إلى حين “البت في القضايا الدستورية”.
وتواجه حكومة البشير تحديات اقتصادية وسياسية ثقيلة، منها كيفية التعامل مع الوجود الروسي عبر قاعدتين جوية وبحرية، واستمرار القصف الإسرائيلي الكثيف، وملف إعادة إعمار سوريا، والذي سيكون مهمة كبيرة بعد 13 عاماً من الحرب التي قتلت مئات الآلاف.
وبينما يواجه السوريون تحديات اقتصادية جسيمة، فإنهم يعانون أيضاً من ضعف الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه إلى جانب هبوط قيمة الليرة.
ويراقب العالم ليرى ما إذا كان بوسع حكام سوريا الجدد تحقيق الاستقرار في بلد قد تسعى فيه الأطراف المختلفة للانتقام بعد حرب أهلية استمرت 13 عاماً.