يعتقد الجنرال الإسرائيلي المتقاعد جيورا إيلاند، أن إسرائيل ستواجه أشهراً من القتال في غزة، وذلك ما لم ينتهز رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الفرصة التي أتاحها اغتيال يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” لإنهاء الحرب، بحسب تعبيره.
ومنذ اغتيال زعيم “حماس” في 16 أكتوبر الجاري، كان إيلاند واحداً من مجموعة من كبار ضباط الجيش السابقين الذين شككوا في استراتيجية الحكومة الإسرائيلية في غزة، مع عودة القوات خلال وقت سابق من الشهر الجاري إلى مناطق شمال القطاع والتي تم اقتحامها بالفعل مرتين على الأقل من قبل.
وعلى مدى الأسابيع الثلاثة الماضية، تعمل قوات الاحتلال الإسرائيلي في محيط جباليا، شمال غزة، وهي المرة الثالثة التي تعود فيها إلى البلدة ومخيمها التاريخي للاجئين منذ بداية الحرب في أكتوبر 2023.
مغامرة إسرائيلية
يقول كثير من المسؤولين الأمنيين السابقين، إن الجيش الإسرائيلي يُغامر بالتورط في حملة مفتوحة المدة تتطلب وجوداً دائماً للقوات، بدلاً من النهج المفضل الذي يعتمد على اتخاذ إجراءات حاسمة وسريعة.
وقال الجنرال يوم توف سامية، رئيس القيادة الجنوبية السابق، لهيئة البث العامة الإسرائيلية “راديو كان”: “الحكومة الإسرائيلية تتصرف في تناقض تام لمفهوم الأمن الإسرائيلي”.
ويزعم الجيش الإسرائيلي أنه نقل نحو 45 ألف مدني فلسطيني من المنطقة المحيطة بجباليا، وأعلن قتل المئات من مقاتلي “حماس” خلال العملية، لكنه تعرض لانتقادات شديدة بسبب العدد الكبير من الضحايا المدنيين، وواجه دعوات واسعة النطاق لتعزيز دخول إمدادات المساعدات لتخفيف الأزمة الإنسانية، بينما ارتفعت حصيلة خسائره البشرية في المواجهات المباشرة مع مقاتلي “حماس”.
وكان إيلاند، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، هو المؤلف الرئيسي لمقترح نوقش كثيراً وأطلق عليه “خطة الجنرالات”، والذي قد يؤدي إلى “إخلاء شمال غزة من المدنيين بسرعة قبل تجويع مقاتلي حماس الباقين على قيد الحياة من خلال قطع إمدادات المياه والغذاء عنهم”.
وأثارت التحركات الإسرائيلية هذا الشهر اتهامات فلسطينية بأن الجيش تبنى خطة إيلاند التي تصورها كإجراء قصير الأمد لمواجهة “حماس” في الشمال، لكن الفلسطينيين يرون أنها تستهدف تطهير المنطقة بشكل دائم لإنشاء منطقة عازلة للجيش بعد الحرب.
ونفى الجيش الإسرائيلي، اتباعه خطة بهذا الشكل، ويعتقد إيلاند نفسه، أن الاستراتيجية المتبعة “لا تُمثل خطته، ولا احتلالاً تقليدياً”، وقال: “لا أعرف بالضبط ما يحدث في جباليا.. لكنني أعتقد أن القوات الإسرائيلية تفعل شيئاً يقع بين البديلين، الهجوم العسكري العادي وخطتي”.
منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في أكتوبر 2023، تعهد نتنياهو بإعادة الرهائن الإسرائيليين إلى ديارهم وتفكيك حركة “حماس”، كقوة عسكرية وحاكمة، مشدداً على أنه “لا ينوي البقاء” في غزة.
غياب استراتيجية الخروج
لكن حكومته لم تضع قط سياسة واضحة ومفصلة للتعامل مع عواقب الحملة العسكرية الواسعة، التي أودت بحياة نحو 43 ألف فلسطيني، وفقاً لمسؤولي وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، وتحول القطاع إلى أرض خراب إلى حد كبير، وهو ما سيتطلب مليارات الدولارات من المساعدات الدولية لإعادة إعماره.
ومنذ أشهر، ظهرت على السطح خلافات بين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف جالانت، وذلك في انعكاس لانقسام أوسع بين الائتلاف الحاكم والجيش، الذي لطالما فضَّل التوصل إلى اتفاق لإنهاء القتال، وإعادة الرهائن.
وفي غياب استراتيجية متفق عليها، تُواجه إسرائيل خطر الغوص في مستنقع غزة بالمستقبل المنظور، كما يقول عوفر شيلح، الباحث البارز في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي في تل أبيب.
وتابع شيلح: “الوضع حالياً خطير جداً لإسرائيل. نحن نتجه نحو وضع تعتبر فيه إسرائيل الحاكم الفعلي في غزة”.
تكلفة كبيرة على إسرائيل
مع تركيز الجيش الإسرائيلي حالياً على الحرب على لبنان، انخفض عدد فرق الجيش المنخرطة في الحرب على غزة إلى اثنتين، مقارنة بـ5 في بداية الحرب.
وبحسب تقديرات مصادر أمنية إسرائيلية، فإن كل فرقة في الجيش الإسرائيلي تضم ما بين 10 آلاف إلى 15 ألف جندي.
وقدَّر الجيش الإسرائيلي في بداية الحرب أن حركة “حماس” لديها 25 كتيبة، ويقول إنها دُمرت منذ فترة طويلة، وإن ما يقرب من نصف قواتها، أو نحو 17 ألفاً إلى 18 ألف مقاتل، لقوا حتفهم. لكن مجموعات من المقاتلين لا تزال تُنفذ هجمات خاطفة بطريقة الكر والفر ضد القوات الإسرائيلية.
وقال مقاتل من “حماس”، جرى التواصل معه عبر تطبيق للدردشة: “نحن لا نوقف مواجهة الدبابات فوق الأرض بشكل عشوائي ونقوم باختيار أهدافنا. نحن نعمل بالطريقة التي تمكننا من الصمود والقتال أطول فترة ممكنة”.
ورغم أن تلك الأساليب في القتال لن تمنع الجيش الإسرائيلي من التحرك في أنحاء غزة متى أراد، فإنها لا تزال قادرة على فرض تكلفة كبيرة على إسرائيل.
ولقي قائد اللواء المدرع 401 الإسرائيلي مصرعه في غزة هذا الأسبوع عندما خرج من دبابته للتحدث إلى قادة آخرين في نقطة مراقبة كان مقاتلون فلسطينيون زرعوا فيها عبوة ناسفة، ليصبح من بين أكبر القادة العسكريين الذين لقوا مصرعهم في غزة منذ اندلاع الحرب. كما لقي 3 جنود المصير ذاته، الجمعة.
خطر البقاء في غزة
واعتبر مسؤول عسكري إسرائيلي كبير سابق، لديه خبرة مباشرة في القطاع، وطلب عدم ذكر اسمه، أنه “بعد اغتيال السنوار، لم يعد هناك منطق يبرر البقاء في غزة”.
وأضاف المسؤول السابق، أنه ينبغي تنفيذ “عمليات منهجية” محددة في المستقبل إذا أعادت “حماس” تجميع صفوفها واستأنفت الهجوم على إسرائيل، لكن ترك القوات بصورة دائمة في غزة يُشكل خطراً كبيراً، ودعا إلى تخليص الرهائن والخروج من القطاع.
وقال مكتب نتنياهو في وقت سابق، الخميس الماضي، إن المفاوضين الإسرائيليين سيتوجهون إلى قطر هذا الأسبوع للانضمام إلى المحادثات المتوقفة منذ فترة طويلة، بشأن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
لكن موقف “حماس” ومن ستوافق إسرائيل على توليه إدارة القطاع عندما يتوقف القتال لا يزال غير واضح.
ونفى نتنياهو أي خطط للبقاء في غزة أو السماح للمستوطنين الإسرائيليين بالعودة، وهو أمر يخشاه العديد من الفلسطينيين.
إلا أن الأحزاب المتشددة المؤيدة للمستوطنين في ائتلافه الحاكم وكثيرين في حزب “الليكود” الذي ينتمي إليه نتنياهو، لا يريدون شيئاً أكثر من إلغاء خطة فك الارتباط الأحادية الإسرائيلية التي قام بها رئيس الوزراء السابق أرييل شارون في عام 2005، ونتج عنها إخلاء المستوطنات الإسرائيلية في غزة.
وفي وقت سابق من الخميس الماضي، قال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش الذي يرأس أحد الأحزاب المؤيدة للمستوطنين في ختام احتفالات “عيد العرش” اليهودي إنه يأمل في الاحتفال بالعيد العام المقبل في كتلة مستوطنات غزة القديمة المعروفة باسم “غوش قطيف”.