حض حلف شمال الأطلسي (الناتو) الاتحاد الأوروبي وتركيا على تحسين علاقاتهما، في ظل تراجع الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن التزام بلاده تجاه الأمن الأوروبي، وسعى عواصم القارة إلى إعادة التفكير في تحالفاتها، وفق ما ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز”.
وقال مسؤولون مطّلعون للصحيفة إن الأمين العام للحلف مارك روته، دعا في محادثات خاصة قادة الاتحاد الأوروبي إلى تكثيف انخراطهم مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد سنوات من العلاقات المتوترة.
ويأتي ذلك في وقت يبحث فيه الاتحاد الأوروبي عن طرق لتعزيز التعاون مع تركيا ودول الجوار الأخرى غير الأعضاء في الاتحاد، في إطار خطط لتوسيع القدرات الدفاعية الأوروبية.
وأثارت تهديدات ترمب بسحب الضمانات الأمنية الأميركية من حلفاء الناتو الأوروبيين، إلى جانب مساعيه لإعادة العلاقات مع روسيا ووقف الدعم لأوكرانيا، قلق العواصم الأوروبية، كما دفع هذه الدول نحو زيادة الإنفاق الدفاعي، ودعت بعض العواصم الأوروبية إلى العمل ضمن “تحالف الراغبين” مع دول غير أعضاء في الاتحاد الأوروبي، مثل النرويج والمملكة المتحدة.
وشارك وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في وقت سابق من مارس، في اجتماع ضم القوى العسكرية الرئيسية في أوروبا عُقد في لندن، حيث تمت مناقشة دعم أوكرانيا والقضايا الدفاعية الأوسع.
وكان روته قد شدد خلال مأدبة غداء خاصة مع قادة الاتحاد الأوروبي في فبراير، على أهمية تعزيز التعاون مع تركيا، وحثّ الحاضرين على الانخراط مع أنقرة لإنجاح هذا المسعى، وفقاً لثلاثة مصادر مطّلعة على النقاش.
ورفض متحدث باسم روته – وهو رئيس وزراء هولندا السابق الذي شهدت علاقاته مع أردوغان توتراً شديداً خلال فترة ولايته التعليق على هذه التقارير.
“الأمور تتغير”
وكان روته قد صرّح أمام البرلمان الأوروبي في يناير، بأن “إشراك الحلفاء من خارج الاتحاد الأوروبي في جهود الصناعة الدفاعية للاتحاد أمر حيوي، في رأيي، لأمن أوروبا”.
وقال مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي، في إشارة إلى العلاقات مع تركيا: “الأمور تتغير. في مرحلة ما، يجب أن تقرر مَن تريد أن يكون ضمن فريقك، بغض النظر عن أي قضايا عالقة”.
لكنه أضاف: “يتعيّن على تركيا أيضاً توضيح موقفها الغامض تجاه روسيا”.
ولم تنضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وحلفائه في فرض عقوبات مباشرة على موسكو رداً على غزوها الشامل لأوكرانيا، كما حافظت على علاقات اقتصادية قوية مع روسيا.
ورغم أن مشاركة الاتحاد الأوروبي المباشرة في مسائل الدفاع والأمن تقتصر على مجالات مثل التنقل العسكري وبعض مهام حفظ السلام والمراقبة، إلا أن لدى التكتل أدوات مالية كبيرة لتشكيل التعاون في قطاع الصناعات الدفاعية.
ويشكّل قطاع الصناعات العسكرية التركي عنصراً رئيسياً في النقاش الدائر بين الدول الأعضاء بشأن ما إذا كان ينبغي للشركات الدفاعية من خارج الاتحاد الأوروبي الاستفادة من مبادرات التكتل الرامية إلى زيادة الإنفاق العسكري. وأوضح مسؤولون أن الدفع لتعزيز التعاون مع أنقرة يهدف أيضاً إلى تعزيز العلاقات الثنائية مع عواصم الاتحاد الأوروبي.
توترات مع أثينا وقبرص
ورغم أن تركيا تعتبر رسمياً مرشحاً للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إلا أن عملية الانضمام مجمدة منذ فترة طويلة. وقد علّق الاتحاد قنوات حوار متعددة – بما في ذلك تلك المتعلقة بالأمن والدفاع – جزئياً بسبب تصاعد التوترات مع اليونان.
وقال دبلوماسي يوناني إن أثينا لا تزال “حذرة وليست متشددة” بشأن التعاون الدفاعي المتزايد مع أنقرة. وأضاف: “على تركيا أن تكون بنّاءة في التعامل مع القضايا العالقة مع الدول الأعضاء”، مشيراً في هذا الصدد إلى اليونان وقبرص.
وتظل قبرص العضو في الاتحاد الأوروبي والتي انقسمت منذ عام 1974، واحدة من أكبر العقبات أمام تعميق العلاقات مع أوروبا.
ويشكو المسؤولون الأتراك من أن الوضع في الجزيرة، التي يزيد عدد سكانها قليلاً عن مليون نسمة، يعرقل المبادرات الرامية إلى توسيع التعاون بشأن القضايا الأمنية الأوروبية.
وأفاد عدد من الدبلوماسيين لصحيفة “فاينانشيال تايمز” بأن وصول ترمب قد “غيّر وجهات النظر”.
وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في حديثه مع الصحيفة الأسبوع الماضي، رداً على سؤال حول تأثير ترمب المحتمل على الترتيبات الأمنية في أوروبا: “نحن حالياً نحدد أفضل مسار للعمل. وإذا أدى ذلك إلى إنشاء هيكل أمني أوروبي جديد، فنحن مستعدون للتعاون”.