في أول اجتماع رسمي منذ أزمة لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض الشهر الماضي، انطلقت في مدينة جدة السعودية، الثلاثاء، محادثات بين مسؤولين أميركيين وأوكرانيين لبحث ملفات عدّة من بينها محاولة إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ 3 سنوات.
وتُعلّق الولايات المتحدة آمالاً كبيرة على المحادثات، بعدما تبدلت سياستها بشأن حرب أوكرانيا في إطار سعيها إلى إنهاء الصراع سريعاً، إذ تحولت واشنطن من حليف لكييف إلى الانخراط في محادثات مباشرة مع موسكو وقطع المساعدات العسكرية عن أوكرانيا ووقف تبادل معلومات المخابرات معها.
وفي المقابل، دفعت أوكرانيا باتجاه علاقات “براجماتية” مع واشنطن، بعد “مواجهة غير مسبوقة” بين زيلينسكي وترمب، في محاولة للتأقلم مع النهج الجديد بالبيت الأبيض، حيث من المتوقع أن تقترح كييف في المحادثات “وقف إطلاق نار محدود”، يشمل البحر الأسود والهجمات بالقذائف بعيدة المدى، فضلاً عن إطلاق سراح أسرى، وفق ما أوردت وكالة “أسوشيتد برس”.
بدوره، قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف إن الولايات المتحدة ستبلغ موسكو بنتائج المحادثات في جدة.
يرماك لـ”الشرق”: سنبحث تحقيق السلام الدائم
ورداً على سؤال لـ”الشرق”، قال أندريه يرماك مدير مكتب الرئيس الأوكراني قبيل بدء المحادثات في جدة، إن وفد بلاده “سيناقش مع الشركاء الأميركيين كيفية تحقيق سلام دائم وعادل لأوكرانيا”.
وقال يرماك: “لا أحد يريد السلام أكثر من الأوكرانيين، وأوكرانيا مستعدة لهذا الهدف، لأن هذا هو ما يريده الشعب الأوكراني بعد 3 سنوات من الغزو الشامل وبدء العدوان قبل 11 عاماً. نحن مستعدون لفعل أي شيء لتحقيق السلام”.
ورداً على سؤال بشأن ما إذا كان سيطلب من الجانب الأميركي تقديم ضمانات أمنية، قال: “نعم بالطبع، الضمانات الأمنية مهمة للغاية”.
من يشارك في المحادثات؟
يترأس الوفد الأميركي في المحادثات، وزير الخارجية ماركو روبيو، ومستشار الأمن القومي مايك والتز.
وقال روبيو في حديثه للصحافيين على متن طائرته قبل وصوله إلى جدة، الاثنين، إنه ومايك والتز سيقيمان ردود أوكرانيا في السعودية. فيما ذكر مسؤولان أميركيان أن وفد واشنطن سيحدد خلال الاجتماع ما إذا كانت أوكرانيا مستعدة لتقديم تنازلات ملموسة لروسيا لإنهاء الحرب.
وفي الجانب الآخر، يقود فريق التفاوض الأوكراني أندريه يرماك، أحد كبار مساعدي الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ووزير الخارجية أندريه سيبها، ووزير الدفاع رستم عمروف،ونائب رئيس الديوان الرئاسي بافلو باليسا.
إلّا أن زيلينسكي الذي قام بزيارة إلى السعودية، الاثنين، التقى خلالها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، قال إنه لن يحضر المحادثات مع المسؤولين الأميركيين في جدة.
ما هي أجندة المباحثات؟
وتركز المحادثات بين أوكرانيا والولايات المتحدة، الثلاثاء، على سبل إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، والتوصل إلى اتفاقية المعادن بين البلدين.
وقال مسؤول أميركي في وقت سابق لـ”رويترز”، إن الوفد الأميركي سيبحث أيضاً عن دلائل على جدية الأوكرانيين في تحسين العلاقات مع إدارة ترمب بعد أزمة اجتماع ترمب وزيلينسكي بالبيت الأبيض.
وأعرب مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، الاثنين، عن أمله في إحراز تقدم كبير في محادثات أوكرانيا، وتوقيع “صفقة المعادن” بين الولايات المتحدة وأوكرانيا.
أبرز محاور المباحثات الأميركية الأوكرانية في جدة
- سبل إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية
- التوصل إلى “اتفاق سلام محتمل” بين روسيا وأوكرانيا
- اتفاقية “المعادن النادرة” بين الولايات المتحدة وأوكرانيا
- تحسين العلاقات مع الإدارة الأميركية بعد أزمة اجتماع ترمب وزيلينسكي
- مشاركة المعلومات الاستخباراتية بين أوكرانيا والولايات المتحدة
وقال ويتكوف لشبكة “فوكس نيوز” قبيل مغادرته إلى جدة، الاثنين، إنه من المقرر أيضاً مناقشة مسألة مشاركة المعلومات الاستخباراتية بالاجتماعات، في أعقاب إعلان إدارة ترمب تعليق كافة المساعدات الأميركية إلى أوكرانيا ووقف التعاون الاستخباراتي، لكن ويتكوف قال إن بلاده “لم تحجب أبداً أي معلومات احتاجها الأوكرانيون لأغراض دفاعية”.
وقال ستيف ويتكوف، والذي يعمل على الترتيب للمحادثات إن بلاده تسعى إلى “التوصل إلى إطار عمل لاتفاقية سلام فضلاً عن وقف مبدئي لإطلاق النار”.
مطالب أوكرانية
وتحت ضغط من ترمب، يبذل زيلينسكي جهداً لإظهار التوافق رغم عدم حصوله على “ضمانات أمنية” أميركية تعتبرها كييف أساسية لأي اتفاق محتمل للسلام مع موسكو.
ويدعو زيلينسكي إلى هدنة للعمليات الجوية والبحرية إلى جانب تبادل للأسرى، فيما يقول إنه قد يكون اختباراً لمدى التزام روسيا بإنهاء الحرب.
وترفض موسكو فكرة الهدنة المؤقتة، التي تقترحها أيضاً بريطانيا وفرنسا، إذ تقول إنها محاولة لكسب وقت لكييف ومنع انهيارها العسكري.
ونقلت وكالة “أسوشيتد برس” عن مسؤولين أوكرانيين قولهما، الاثنين، إن الوفد الأوكراني مستعد خلال المحادثات لتوقيع اتفاقية مع الولايات المتحدة بشأن الحصول على المعادن الأرضية النادرة في أوكرانيا، وهي الصفقة التي يحرص ترمب على إبرامها. وتطرّق المسؤولان إلى “تدابير بناء الثقة”، دون مزيد من التفاصيل.
ووفقا لـ”أسوشيتد برس”، تحاول كييف “إصلاح الأضرار” التي حدثت عندما تحولت زيارة زيلينسكي إلى واشنطن في 28 فبراير إلى خلاف في المكتب البيضاوي مع ترمب ونائبه جيه دي فانس.
ولفتت إلى أن المسالة تتعلق بالمساعدات العسكرية والمعلومات الاستخباراتية التي قدمتها الولايات المتحدة، والتي ساعدت كييف في الحرب، وكلاهما معلق الآن، في حين تدفع واشنطن نحو التوصل إلى اتفاق سلام.
تفاؤل أميركي
ورجحت “أسوشيتد برس”، أنه في حال توصلت أوكرانيا والولايات المتحدة إلى “تفاهم مقبول” لدى ترمب، ربما يؤدي ذلك إلى تسريع ضغوط إدارته نحو محادثات سلام مع موسكو.
وكان ترمب عبّر، في وقت سابق الاثنين، عن اعتقاده بأن المحادثات المرتقبة بشأن أوكرانيا والتي تستضيفها السعودية، ستسفر عن “نتائج جيدة”.
وكان المبعوث الخاص للبيت الأبيض ستيف ويتكوف قال لشبكة FOX News، الاثنين، إن توقف تبادل المعلومات الاستخباراتية الأميركية مع أوكرانيا لم يحد من تبادل المعلومات الاستخباراتية الدفاعية.
وأضاف ويتكوف: “نحن لا نوقف أبداً المعلومات الاستخباراتية… لأي شيء دفاعي يحتاجه الأوكرانيون”.
مع ذلك، لا يزال تعليق مشاركة المعلومات الاستخباراتية الأميركية التي يمكن استخدامها لأغراض هجومية من قبل القوات الأوكرانية سارياً، حسبما ذكر مسؤول أميركي مطلع على الأمر لوكالة “أسوشيتد برس”.
وأشار المسؤول إلى أنه “من الممكن تحقيق تقدم نحو إعادة تبادل المعلومات الاستخباراتية مع أوكرانيا خلال المحادثات في السعودية”.
الجهود السعودية لإنهاء الأزمة
واضطلعت السعودية بأدوار وساطة متعددة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022، شملت التوسط في تبادل الأسرى بين موسكو وكييف، واستضافة المحادثات الأميركية الروسية، الشهر الماضي.
وأكدت وزارة الخارجية السعودية على استمرار المملكة في بذل جهودها لتحقيق سلام دائم لإنهاء الأزمة الأوكرانية، مشيرة إلى أن المملكة واصلت خلال الثلاث سنوات الماضية هذه الجهود من خلال استضافتها للعديد من الاجتماعات بهذا الخصوص.
وخلال جلسة مباحثات رسمية في جدة، الاثنين، أكد ولي العهد السعودي للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، حرص المملكة ودعمها لكافة المساعي والجهود الدولية الرامية لحل الأزمة الأوكرانية، والوصول إلى السلام.
وقال زيلينسكي في بيان عبر حسابه على منصة “إكس” للتواصل: “المملكة السعودية توفر منصة حاسمة للدبلوماسية، ونحن نقدر ذلك”.
وفي فبراير الماضي، أجرى مسؤولون من الولايات المتحدة وروسيا محادثات في الرياض، هي الأولى بين البلدين لبحث ترميم واستعادة العلاقات بين الدولتين عبر تسوية عدد من الملفات العالقة بينهما، مثل الطاقة وإعادة إحياء الحد من سباق التسلح، والأمن الأوروبي (الذي يشمل كذلك حرب أوكرانيا، وتحديات الأمن والسلام في الشرق الأوسط).
وقال الرئيس الأميركي حينها إن المحادثات التي جرت مع روسيا في الرياض كانت “جيدة جداً”، متوقعاً عقد قمة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين قريباً.