أثار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب وقف المساعدات العسكرية والتبادل الاستخباراتي مع أوكرانيا العديد من التوقعات حول تأثيراته على سير الحرب في كييف، وقد يُعيد هذا القرار ترتيب ساحة المعركة مع روسيا، إما عن طريق وقف القتال، أو تغيير موازين القوى لصالح روسيا من خلال منحها ميزة حاسمة، وفق ما ذكرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية.
ويُمكن لكييف، بمساعدة أوروبا، سواءً بالأسلحة أو الدعم الاستخباراتي، أن تواصل القتال خلال الصيف دون الحاجة إلى مزيد من المساعدات من الولايات المتحدة، لكن خسارة أحد أهم داعميها قد يسهل على روسيا مهاجمة خطوط دفاعها.
وأشار مسؤولون في إدارة ترمب إلى أن توقف الدعم الأميركي قد يكون قصير الأمد إذا استجاب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لمطالب البيت الأبيض.
وليلة الثلاثاء، أعرب الرئيس الأميركي، في خطابه أمام جلسة مشتركة للكونجرس، عن تقديره لرسالة وصلته من نظيره الأوكراني أبلغه فيها بأنه “مستعد للذهاب إلى طاولة المفاوضات”.
ولكن الصحيفة اعتبرت أن إدارة ترمب “تضع أقصى قدر من الضغط على كييف، فيما تضع قدراً قليلاً نسبياً من الضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والجيش الروسي، الذي استمر في مهاجمة المدن الأوكرانية”.
وقالت إنه “في حال تم النظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها وسيطاً غير عادل للسلام، فقد تبحث كييف عن طرق أخرى لمواصلة القتال بدعم من أوروبا”.
وقال خبراء عسكريون للصحيفة، إنه حتى الآن، “لم يتمكن الروس من تحقيق التفوق الجوي منذ غزو أوكرانيا قبل ثلاث سنوات، كما لم يتمكنوا من دمج الوحدات العسكرية في العمليات المشتركة بشكل فعَّال، وتكبدوا الكثير من الخسائر البشرية، لدرجة أن بوتين جلب 11 ألف جندي كوري شمالي للمساعدة في تخفيف الضغط على القوات”.
ولفتت “نيويورك تايمز” إلى أن كل ذلك حدث قبل أن يلقي ترمب بثقله خلف موسكو، ناقلة عن ألكسندر فيندمان، وهو ضابط سابق في الجيش الأميركي، من أصل أوكراني، وخدم في مجلس الأمن القومي في عام 2019، قوله إن “التأثير المباشر (لوقف المساعدات) سيكون على معنويات الجنود، إذ سيؤدي إلى تعزيز معنويات الروس وإحباط الأوكرانيين”.
خسارة الأسلحة المتقدمة
وأضافت الصحيفة أن قرار الرئيس الأميركي سيؤثر على تدفق الأسلحة والذخيرة التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، إذ سيؤدي إلى وقف عمليات تسليم المعدات من مخزونات وزارة الدفاع (البنتاجون)، بالإضافة إلى المساعدات عبر مبادرة المساعدة الأمنية لأوكرانيا، التي توفر الأموال التي يمكن لكييف استخدامها لشراء معدات عسكرية جديدة من شركات الدفاع الأميركية بشكل مباشر.
وأشارت “نيويورك تايمز” إلى أن القرار سيؤدي أيضاً إلى خسارة كييف الأسلحة المتقدمة، بما في ذلك الصواريخ الباليستية أرض-أرض، والمدفعية الصاروخية بعيدة المدى، وقطع الغيار، والصيانة والدعم الفني.
وتابعت: “تتمثل النقطة الحاسمة في أن توقف المساعدات العسكرية الأميركية سيوقف تسليم الصواريخ الاعتراضية المُستخدمة في أنظمة الدفاع الجوي (باتريوت) وNASAMS، التي حمت المدن الأوكرانية من الهجمات بالصواريخ والطائرات بدون طيار، بالإضافة إلى توقف تبادل المعلومات الاستخباراتية التي تستخدمها كييف لاستهداف القوات الروسية”.
اتفاق المعادن
وبحسب مسؤولين في إدارة ترمب، فإن الهدف من حجب المساعدات هو الضغط على زيلينسكي لحمله على توقيع اتفاق يمنح الشركات الأميركية حق الوصول إلى المعادن الأوكرانية.
ونقلت الصحيفة عن أحد مسؤولي الإدارة الأميركية قوله إنه إذا تم التوصل إلى اتفاق، فإن تبادل المعلومات الاستخباراتية سيستمر وستتدفق الإمدادات العسكرية التي كان قد تم تخصيصها من قبل إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن مرة أخرى، لكن ليس من الواضح حجم المساعدات العسكرية الجديدة التي سيكون ترمب مستعداً لتقديمها لكييف.
وتحاول القوات الروسية استعادة المزيد من الأراضي في منطقة كورسك في روسيا التي استولت عليها أوكرانيا العام الماضي، وتستعد لمزيد من القتال على طول الخطوط الأمامية الرئيسية في منطقة دونباس بشرق أوكرانيا.
وتقول دارا ماسيكوت، المتخصصة في الشؤون العسكرية الروسية في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي: “لقد كانوا يستعيدون مواقعهم، ويحاولون إصلاح بعض الأضرار التي تسبب فيها الهجوم الذي وقع في الخريف الماضي.. وأتوقع أن يبدأ هجوم آخر على الأرجح بحلول مايو المقبل”.
موارد أوروبية بديلة
وقالت “نيويورك تايمز” إن أوكرانيا، التي عززت إنتاجها الخاص من الأسلحة، وأوروبا، ليستا خاليتين من الموارد التي يمكن استخدامها بعد توقف المساعدات الأميركية، موضحة أن القارة، وخاصةً فرنسا وبريطانيا، تزود كييف بصور الأقمار الاصطناعية التي يمكن استخدامها لتحديد الأهداف الروسية في ساحة المعركة.
ومع ذلك، فإن الأقمار الاصطناعية الأوروبية لا تركز على تحركات الجيش الروسية بقدر ما تفعل أقمار التجسس الأميركية، ولذا فإن المسؤولين الأوكرانيين يقرون بأن استمرار توقف تبادل المعلومات الاستخباراتية سيكون له عواقب سلبية.
وإذا استمر توقف عمليات التسليم إلى ما بعد أوائل الصيف، فقد تفقد أوكرانيا إمداداتها من بعض الأسلحة المتقدمة، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي المتطورة، والصواريخ الباليستية أرض-أرض، وأنظمة الملاحة، والمدفعية الصاروخية بعيدة المدى.
وقالت “نيويورك تايمز” إن نقص هذه الأسلحة لفترة طويلة قد يضر بقدرة قدرة أوكرانيا على استهداف مواقع بعيدة، كما قد يجعل مدنها وقواتها أكثر عرضة للهجمات بالصواريخ والقذائف والطائرات المُسيرة.
وقال البنتاجون، الاثنين، إن إدارة ترمب أرسلت بعض الأسلحة التي وعدت بها إدارة بايدن أوكرانيا، بما في ذلك “مئات من أنظمة الصواريخ الموجهة متعددة الإطلاق (GMLRS) والأسلحة المضادة للدبابات وآلاف القذائف المدفعية”.
وقال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية لـ”نيويورك تايمز” إن عمليات التسليم ستتوقف بموجب توجيهات ترمب، على الأقل إلى أن يقرر الرئيس أن أوكرانيا “أظهرت التزاماً صادقاً بمفاوضات السلام مع روسيا”.
القاعدة الصناعية الأوكرانية
لكن جورج باروس، الخبير في الشأن الروسي بمجموعة “معهد دراسة الحرب” البحثية الأميركية، يرى أن “طبيعة أنواع أنظمة الأسلحة التي يستخدمها الأوكرانيون حالياً تختلف عن تلك التي كانوا يعتمدون عليها بشكل كبير في الأشهر الأولى من الحرب”.
وأضاف أن “القاعدة الصناعية الدفاعية الأوكرانية شهدت نمواً كبيراً، ويمكنها إنتاج الكثير من الأشياء التي تحتاجها”.
وتباطأت وتيرة الهجمات الروسية خلال الأسابيع الأخيرة في بعض أكثر الجبهات سخونة، حيث تكبدت القوات الروسية “خسائر فادحة خلال عملياتها الهجومية”، وفقاً لما قاله العقيد أوليكسي خيلشينكو، قائد إحدى الألوية الأوكرانية في شرق البلاد، خلال مقابلة هاتفية مع “نيويورك تايمز”.
وأضاف خيلشينكو أن “الهجمات التي كانت تضم في السابق ما بين 10 إلى 15 جندياً باتت تقتصر الآن على مجموعات هجومية صغيرة لا تزيد عن خمسة جنود”.
وقال باروس إن معظم الخسائر التي تُلحقها القوات الأوكرانية بالجانب الروسي ناجمة عن طائرات مُسيرة محلية الصنع وأسلحة أخرى منتجة داخل أوكرانيا.
وأضاف: “لذلك، ليس الأمر كما لو أن الأوكرانيين على الخطوط الأمامية سيعانون من نفاد معداتهم الأساسية على الفور”.
لكن ما ستعاني أوكرانيا من نفاده، بحسب باروس وخبراء آخرين، هو صواريخ الاعتراض الخاصة بمنظومة “باتريوت”، التي ساعدت الدفاعات الجوية للبلاد.
وتمتلك الدول الأوروبية صواريخ الاعتراض الخاصة بمنظومة “باتريوت”، لكنها ستضطر إلى التضحية بجزء من مظلتها الدفاعية الجوية لتقديمها لأوكرانيا. وقد يكون ذلك “طلباً صعباً” في وقت لم يعد فيه حلفاء الناتو قادرين على الافتراض بأن الولايات المتحدة ستساعد في الدفاع عنهم إذا تعرضوا لهجوم، بحسب الصحيفة.
وسيجتمع القادة الأوروبيون في بروكسل، الخميس، لبحث كيفية دعم أوكرانيا وتعزيز قدراتها العسكرية.
خدمة ستارلينك
ولم يتضح بعد موقف خدمة الإنترنت الفضائي “ستارلينك” من قرار التجميد الذي اتخذه ترمب. وتُشغل هذه الخدمة شركة “سبيس إكس” التابعة لإيلون ماسك، وقد كانت عنصراً حاسماً للجيش الأوكراني منذ الأيام الأولى للحرب، حيث مكنت الجنود من التواصل وتبادل المعلومات دون الحاجة إلى استخدام الرسائل النصية عبر شبكات الهاتف المحمول، التي يسهل اعتراضها، وفق “نيويورك تايمز”.
وخلال اجتماع متوتر في المكتب البيضاوي الأسبوع الماضي، قال ترمب لزيلينسكي إنه ليس في موقف قوي. وأضاف: “أنت لا تملك الأوراق في الوقت الحالي”.
ومع ذلك، يرى مسؤولون عسكريون أنه لا يمكن لأحد التنبؤ بتأثير تعليق المساعدات وتبادل المعلومات الاستخباراتية على مسار الحرب.
وقال الفريق المتقاعد فريدريك بي. هودجز، القائد السابق للجيش الأميركي في أوروبا، للصحيفة إن تصريح ترمب بأن “الأوكرانيين لا يملكون الأوراق” يشير، برأيه، إلى أن المحيطين بالرئيس الأميركي لا يفهمون طبيعة الحرب، أو الأسباب التي تجعل الرجال والنساء مستعدين للقتال، حتى لو كانوا في موقف أضعف عددياً”.
ويرى هودجز أن أوكرانيا قد تحقق النصر، أو على الأقل تكون في وضع أفضل بكثير، إذا قدم الأوروبيون الدعم الذي “بإمكانهم تقديمه”. وأضاف: “سيكونون قد فعلوا ذلك دون الولايات المتحدة، وستكون النتيجة فقدان المصداقية وفقدان النفوذ”.
أما السيناريو الآخر، وهو نجاح روسيا في أوكرانيا، فقد يكون أكثر قتامة بالنسبة لإدارة ترمب، وفقاً لخبراء عسكريين. إذ إن انتصار روسيا قد يشجع بوتين على تحقيق طموحاته التوسعية، مما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى حرب كبيرة في أوروبا”.
وذكر جونز، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن الولايات المتحدة حاولت في الماضي البقاء خارج حروب القوى الكبرى في أوروبا، لكنها لم تنجح في ذلك.