يبدأ الرئيس الإيراني مسعود بيزشكيان زيارة رسمية إلى موسكو، الجمعة، يبحث خلالها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العلاقات الثنائية وتطورات الأوضاع في المنطقة، ولكن أهم حدث مرتقب في هذه الزيارة، هو توقيع البلدين اتفاقية تعاون استراتيجي طال انتظارها، والتي من المرجح أن تثير قلق الغرب.
فقبل أيام معدودة من تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الذي قاد خلال ولايته الأولى سياسة الضغوط القصوى على طهران، أعلنت روسيا وإيران عزمهما توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة.
وقال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف إنه لا يوجد أي ربط بين تاريخ توقيع الاتفاقية وتنصيب ترمب.
وأضاف في تصريحات لوكالة “إرنا” الإيرانية أن “التكهنات العديدة حول اختيار موعد توقيع معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين إيران وروسيا عشية صعود ترمب إلى السلطة، لا تثير سوى الابتسامة، دعوا منظري المؤامرة يستمتعون”.
وفي حديث لـ”الشرق”، رأى مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية الدكتور محمد صالح صدقيان، أن هناك “عاملين مهمين في الاتفاقية” المرتقبة، هما “المضمون والتوقيت”، لافتاً إلى سعي كلا البلدين لإعادة صياغة العلاقات بينهما بشكل يخدم المصالح المشتركة، إلى جانب الأمن والاستقرار في المنطقة.
وقال: “المضمون يتمثل في الاتفاقية الاستراتيجية التي استفادت من اتفاقية سابقة قبل أكثر من عقدين، أخذت في الاعتبار الظروف الجديدة التي تحيط بالمنطقة وبروسيا وإيران”، مشيراً إلى أن هذه الاتفاقية تمتد لمدة 20 عاماً، وتشمل مجالات متعددة أمنية وسياسية واقتصادية، وقضايا أخرى.
أما عامل التوقيت، وفقاً لصدقيان، يكمن في تزامن الاتفاق مع دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض في 20 يناير الحالي.
وقال: “بالتالي هذه رسالة واضحة للولايات المتحدة، حيث أن ترمب ربما يريد الضغط على إيران أو روسيا، لكن البلدين يسعيان إلى إعادة صياغة العلاقات بينهما بالشكل الذي يستطيع أن يخدم المصالح المشتركة والأمن والاستقرار في المنطقة”.
واعتبر صدقيان أن توقيع هذه الاتفاقية من شأنه أن يتصدى لمحاولات فرض عقوبات أكثر على موسكو وطهران، موضحاً أن إيران قررت بعد انسحاب ترمب من الاتفاق النووي عام 2018 وفرض المزيد من العقوبات عليها، التوجه نحو الشرق، وزيادة تعاملها مع روسيا، والصين، ودول جنوب شرق آسيا، إضافة إلى الهند وباكستان.
وانضمت إيران إلى مجموعة “بريكس”، و”منظمة شنغهاي للتعاون” ومنظمات أخرى، في إطار سعيها للابتعاد عن العقوبات الغربية المفروضة عليها.
أبرز محاور الاتفاقية
وفي حين لم تعلن بعد التفاصيل الدقيقة للاتفاقية الروسية الإيرانية الجديدة، أوضح المسؤولون الروس أنها ستغطي كامل نطاق العلاقات الروسية الإيرانية المتعددة الأوجه، بما في ذلك تعزيز التعاون في المجالات العسكرية والسياسية والتجارية والاقتصادية، وتطوير العلاقات الثنائية في المجالات العلمية والتعليمية والثقافية والإنسانية.
من جانبه، أشار السفير الإيراني لدى روسيا كاظم جلالي، إلى أن هذه الاتفاقية تتضمن 47 مادة وتغطي جميع مجالات التعاون الثنائي، وستكون سارية المفعول على مدى 20 عاماً، لافتاً إلى أنه عند صياغة هذه الاتفاقية، كان التركيز الرئيسي على “مبادئ السيادة واحترام السلامة الإقليمية للدولتين”.
وبدورها، قالت الخارجية الإيرانية إن الاتفاقية تشمل قضايا التعاون في مجالات الاقتصاد والشحن والسكك الحديدية والنقل البحري والجوي والمواصلات والطاقة، والرعاية الصحية، والزراعة، والحد من آثار الكوارث الطبيعية، ومكافحة التحديات المشتركة، والجريمة المنظمة و”مكافحة الإرهاب”، والتعاون في الصناعة والاستثمار، والتبادل التكنولوجي والعلمي في مختلف المجالات.
وأضافت أن اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة تهدف إلى أن تصبح مرحلة حاسمة في تطور العلاقات بين روسيا وإيران.
وفي حديث لـ”الشرق”، اعتبر المدير العام لمركز الدراسات الإيرانية المعاصرة في روسيا الدكتور رجب صفروف، أن الاتفاقية تنقل العلاقة بين طهران وموسكو إلى “مستوى أعلى وجديد”.
وقال إن هذه الاتفاقية “ستمنح روسيا مزيداً من الوزن على الساحة الدولية، وهذا لن يعجب الولايات المتحدة، وسيزعج إسرائيل وتركيا والأوروبيين ودول أخرى”.
بدوره، أشار الدبلوماسي الإيراني السابق هادي أفقهي إلى أن هذه الاتفاقية “هي الأولى بهذا الحجم” بين طهران وموسكو، “حيث يتجاوز سقفها الـ600 مليار دولار”، وتأتي في وقت تواجه إيران وروسيا “عقوبات قاسية” من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وقال أفقهي في حديث لـ”الشرق”، إن “الاتفاقية السابقة كانت تتجدد كل 5 سنوات، وفي إطار محدود موضوعياً وتقنياً وتخصصياً، لكن الاتفاقية الجديدة جاءت بعد عمل امتد لسنوات، وتشمل الكثير من المجالات، بما فيها العسكرية من حيث بيع وشراء السلاح، ونقل التكنولوجيا. كما أنها تمتد لعقدين”.
وأضاف: “هناك موضوع استراتيجي مهم، وهو مد خط الغاز من روسيا إلى إيران ومن ثم التعاون في مجال الغاز بين البلدين، وهذا يُمثل طريقاً للالتفاف عن العقوبات المفروضة على البلدين”.
من جانبه، يرى المحلل السياسي والخبير في مركز دراسات الشرق الأوسط في موسكو والمحاضر في جامعة الصداقة الروسية فرهاد إبراغيموف، أن روسيا كانت منذ وقت بعيد “تنظر إلى إيران كأحد أهم الشركاء لها في منطقة الشرق الأوسط، يجب التذكير هنا أن روسيا وإيران جيران عند بحر قزوين. كما أن هناك الكثير ما يوحد البلدين، خاصة في ظل الوضع الجيوسياسي الراهن”.
وفي حديثه لـ”الشرق”، أشار إبراغيموف إلى أن “إيران من أهم شركاء روسيا، كما أن إيران سوق متطور وواعد، ويجب أن نتذكر أن إيران وقعت اتفاقية مشابهة مع الصين منذ 3 سنوات، وروسيا لا تضيع مثل هذه الفرصة، ومهتمة ببقاء إيران في مجال اهتماماتها”.
اتفاقية روسيا وإيران لعام 2001
في عام 2001، وقعت موسكو وطهران اتفاقية لمدة 10 سنوات بشأن أسس العلاقات ومبادئ التعاون، تضمنت 21 مادة، مع تمديدها تلقائياً لفترات لاحقة كل 5 سنوات، وذلك ما لم يخطر أحد الطرفين الطرف الآخر كتابياً بإنهاء الاتفاقية قبل عام واحد على الأقل من انتهاء المدة.
وأبرز ما جاء في هذه الاتفاقية:
- يتعهد الطرفان بعدم استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات المتبادلة، وعدم استخدام أراضيه لارتكاب أعمال عدوانية أو تخريبية أو انفصالية ضد الطرف الآخر.
- في حالة تعرض أحد الطرفين للعدوان من قبل أي دولة، لا يقدم الطرف الآخر أي مساعدة عسكرية أو غيرها للمعتدي من شأنها تسهيل استمرار العدوان، ويساعد في ضمان حل الخلافات التي تنشأ على أساس ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي.
- الاتفاق على حل أي نزاعات قد تنشأ بين البلدين بالوسائل السلمية بشكل حصري.
- يعمل الطرفان على توفير الظروف القانونية والاقتصادية والمالية والتجارية المواتية للأنشطة الثنائية والمتعددة الأطراف والاستثمارات المشتركة في أراضي كل منهما وفي بلدان ثالثة.
- العمل على تعزيز تطوير العلاقات طويلة الأمد والمفيدة للطرفين بغرض تنفيذ المشاريع المشتركة في مجالات النقل والطاقة، بما في ذلك الاستخدام السلمي للطاقة النووية وبناء محطات الطاقة النووية، والصناعة، والعلوم والتكنولوجيا، الزراعة والرعاية الصحية.
- عقد مشاورات منتظمة وتبادل المعلومات والخبرة في المجالات الاقتصادية والعلمية والتقنية من أجل التعرف بشكل أفضل على بعضهما البعض، والاستفادة من إمكانات كلا البلدين في هذه المجالات.
- العمل على تسهيل الأنشطة في البلدين لرجال الأعمال والمتخصصين العاملين في مواقع التعاون المشترك إلى أقصى حد، وتوفير الظروف اللازمة لعملهم وإقامتهم.
- العمل على تطوير التعاون على المستوى الإقليمي باستخدام الفرص والإمكانات المتاحة لديهما في مختلف المجالات، بما في ذلك النقل والطاقة.
- يعقد الطرفان مشاورات منتظمة، بما في ذلك على مستوى عال، بشأن قضايا تطوير وتعزيز العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون المتعدد الأطراف بمشاركة الدول الأخرى في المنطقة، فضلاً عن إجراء المفاوضات، واتخاذ التدابير اللازمة لتعزيز الاستقرار وضمان الأمن، وزيادة مستوى التعاون في المنطقة.
- في حالة نشوء وضع ينتهك السلام والأمن أو يحمل تهديداً بانتهاكهما أو قادر على إثارة التوتر الدولي، تبدأ الأطراف على الفور مشاورات فيما بينها لمناقشة التدابير التي يمكن اتخاذها لحل مثل هذا الوضع.
- السعي لتعزيز دور وفعالية الأمم المتحدة كأداة عالمية للحفاظ على السلام والأمن الدوليين، وإيجاد حلول فعالة للمشاكل الدولية الملحة. والعمل على تعميق تفاعلهم داخل الأمم المتحدة والمنظمات والمنتديات الدولية الأخرى.
- التعاون في تعزيز عملية نزع السلاح وتخفيض جميع أنواع أسلحة الدمار الشامل والقضاء عليها في نهاية المطاف.
- التعاون على المستويين الثنائي والمتعدد الأطراف للقضاء على الإرهاب الدولي، ومكافحة احتجاز الرهائن، والجريمة، والاتجار بالمخدرات، وتهريب الأسلحة، والأشياء التاريخية والثقافية وغيرها من الأشياء الثمينة.
أسباب التأجيل
بدأت عملية تطوير الاتفاقية الروسية الإيرانية عام 2014، واستمرت في ظل عدة حكومات إيرانية، وتُعتبر الوثيقة الجديدة نسخة محدثة من اتفاقية التعاون الطويل الأمد التي وقعتها الدولتان في نهاية 2001.
وبشأن تأجيل التوقيع على الاتفاقية، تحدث البعض عن وجود خلافات بين البلدين، وهناك من يرى أنه خلال الصراع في سوريا أعادت إيران النظر في روسيا كحليف حقيقي، فيما اعتبر آخرون أن مصرع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي كان أحد عوامل التأجيل.
وبحسب رأي المدير العام لمركز الدراسات الإيرانية المعاصرة في روسيا رجب صفروف، “الوضع الجيوسياسي يتطور بشكل سريع إلى درجة أن العاملين على الاتفاقية لم يتمكنوا من مواكبة ذلك إلى جانب الحرب في أوكرانيا. والصراعات في منطقة الشرق الأوسط والتغييرات السياسية في إيران”.
وتابع: “إضافة إلى ذلك، العمل على الاتفاقية آلية صعبة ومعقدة. كما كان للعقوبات التي فرضت على البلدين تأثير على عملية التحضير للاتفاق”.
من جانبه، رجح مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية محمد صالح صدقيان أن “تأجيل توقيع الاتفاقية جاء ربما نتيجة ظروف تتعلق بأوكرانيا والعملية العسكرية الروسية الخاصة هناك، وتتعلق كذلك بدارسة أجواء أفضل، لأن هذه الاتفاقية كانت موقعة قبل أكثر من 20 عاماً، وبالتالي أراد البلدان أن تتناغم الاتفاقية الجديدة مع الظروف الجديدة التي تمر بها المنطقة والعالم أجمعه”.
ومن جهة أخرى، ربط المحلل السياسي والخبير في مركز دراسات الشرق الأوسط في موسكو فرهاد إبراغيموف هذا التأجيل بقدوم إدارة جديدة في إيران على خلفية مصرع رئيسها السابق إبراهيم رئيسي في حادث تحطم مروحية.
وقال إبراغيموف: “على مدى 6 أشهر من وجود بيزشكيان في السلطة، تساءل كثيرون حول ما إذا كان سيتم توقيع الاتفاقية، كان هناك حديث بأن التوقيع قد يتم على هامش قمة قادة بريكس في قازان، وبعدها تحدث البعض عن أن التوقيع قد لا يتم”.
وأضاف أن “الإدارة الإيرانية الجديدة تتألف من شخصيات جديدة، لم تكن منخرطة في العمل على الاتفاقية السابقة، ولذلك تطلب الأمر وقتاً لدراستها”.
تعاون دفاعي بين إيران وروسيا
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي صرّح في وقت سابق، أن اتفاقية الشراكة الاستراتيجية تهدف إلى تطوير جميع جوانب العلاقات الثنائية، بما في ذلك التعاون الدفاعي، مشدداً في الوقت نفسه أنها لا تتضمن “تشكيل تحالف عسكري”.
وقال عراقجي في تصريح للتلفزيون الإيراني الرسمي، إن “هذه الاتفاقية شاملة حقاً وتغطي جميع جوانب العلاقات الثنائية، مع إيلاء اهتمام خاص بالاقتصاد والتجارة، كما أنها تتضمن التعاون في مجال الأمن والدفاع”.
من جانبه، أكد نظيره الروسي سيرجي لافروف أن هذه الاتفاقية ليست موجهة ضد أي دولة، بل تهدف لضمان أمن الدولتين.
وأوضح خلال مؤتمر صحافي أن “الاتفاقية مع إيران أو مع كوريا الشمالية ليست موجهة ضد أي دولة، بل تهدف إلى تعزيز قدرات روسيا وإيران وأصدقائنا في أجزاء مختلفة من العالم، من أجل تطوير الاقتصاد بشكل أفضل، وحل القضايا الاجتماعية، وضمان قدرات دفاعية موثوقة”.
ورداً على سؤال عما إذا كانت أطراف ثالثة تعرب عن قلقها بشأن اتفاق موسكو وطهران، أشار لافروف إلى أن هذا يتم عادة في الغرب، “لأنهم يريدون دائماً العثور على موضوع ما في أي قضية من شأنها إظهار أن روسيا وإيران والصين وكوريا الشمالية يعدون شيئاً ضد أحد ما”.
مخاوف غربية
في سبتمبر الماضي، اتهمت واشنطن طهران رسمياً بتسليم صواريخ بالستية قريبة المدى لموسكو لاستخدامها في الحرب الأوكرانية. وفرضت حينها عقوبات على شركات وسفن اعتبرتها متورطة في نقل أسلحة إيرانية، فيما نفت طهران هذه الاتهامات.
ثم فرضت بروكسل ولندن خلال نوفمبر عقوبات على خطوط الشحن الإيرانية، تشمل حظر تصدير أو نقل أو توريد أو بيع مكونات تستخدم في تطوير وإنتاج الصواريخ والمسيرات من الاتحاد الأوروبي إلى إيران.
ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” في وقت سابق، عن مصادر مطلعة، أن ترمب، بعد أن يتولى منصبه، يدرس إمكانية شن ضربات جوية استباقية على إيران.
ورأى الخبير في الشؤون الأوروبية محمد رجائي بركات، أن أعضاء حلف شمال الأطلسي “الناتو” قد يعتبرون هذه الاتفاقية استمراراً للتهديد الروسي للدول الغربية، وكذلك بمثابة دعم لإيران كي تتشدد في مواقفها الحالية، لا سيما ما يجري من أحداث في سوريا ولبنان والشرق الأوسط.
وحول الموقف الأوروبي من هذه الاتفاقية، قال بركات: “أعتقد أنه ليس هناك ما يمكن فعله بهذا الخصوص. فالدول الغربية تبنّت أقصى العقوبات ضد روسيا وإيران، ولذلك أعتقد أن الأمر سيبقى كما هو عليه في الوقت الحالي”.
ولطالما نفت روسيا على مدى سنوات تلقيها أي مساعدات عسكرية إيرانية أو كورية شمالية فيما يخص الحرب في أوكرانيا.
بدوره، اعتبر فرهاد إبراغيموف أن الاتفاقية ستزعج الغرب، وقال: “ترمب قد يعرب عن بعض الانزعاج، لكن الاتفاقية لن توقع خلال فترة ولايته. في كل الأحوال روسيا وإيران دولتان ذات سيادة وبوسعهما فعل ما يرونه مناسباً”.