انضم رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر إلى قادة أوروبيين آخرين في التعبير عن الغضب من الملياردير الأميركي إيلون ماسك بعد “التدخل” في الخطاب السياسي لبلادهم، معتبراً أن أغنى رجل في العالم “تجاوز الحد”، بعد تعليقاته بشأن التعامل مع فضيحة عصابات استغلال الأطفال في بريطانيا.
وتأتي تصريحات ستارمر في أعقاب انتقادات وجهها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز وآخرين إلى الملياردير في قطاع التكنولوجيا، لمحاولته “التأثير على السياسة الخارجية”، وفق صحيفة “التايمز” البريطانية.
وقال ستارمر للصحافيين، الاثنين: “أولئك الذين ينشرون أكاذيب ومعلومات مضللة في كل مكان لا يهتمون بالضحايا، بل يهتمون بأنفسهم”، في هجوم مبطن للرد على عاصفة من الجدل على الإنترنت أثارها إيلون ماسك.
ومنذ عدة أيام، استغل ماسك، منصته للتواصل الاجتماعي “إكس”، لإعادة إحياء فضيحة استمرت لسنوات بشأن “اعتداءات جنسية” على الأطفال في بعض مناطق إنجلترا.
وفي أحد المنشورات، دعا ماسك الملك تشارلز الثالث إلى حل البرلمان وطلب إجراء انتخابات جديدة في بريطانيا. وفي منشور آخر، طالب بسجن وزيرة حماية الأطفال في حكومة ستارمر، جيس فيليبس، ووصفها بـ”الشر الخالص” و”المخلوق الشرير”. كما قال، الاثنين، إنه يجب أن يكون ستارمر في السجن أيضاً.
وقال ستارمر الاثنين، “لقد شاهدنا هذا السيناريو عدة مرات، حيث يجري تحريض الناس على الترهيب وتهديدات العنف، على أمل أن يقوم الإعلام بتضخيم الأمر”.
وأضاف: “عندما يؤدي سُمّ اليمين المتطرف إلى تهديدات خطيرة ضد جيس فيليبس وآخرين، فإنني أرى أنه تم تجاوز الحد”.
وأشار ستارمر إلى أنه يستمتع “بالمنافسة السياسية”، لكنه شدد على أن هذه النقاشات يجب أن “تستند إلى الحقائق والحقيقة، وليس على الأكاذيب”.
كما وجه ستارمر انتقادات لسياسيين من حزب المحافظين، الذين كان بعضهم في الحكومة خلال فضيحة استغلال الأطفال، لـ”انتهازهم الفرصة”، وكونهم “مستعدين للتخلي عن كرامتهم وكرامة بلدهم بحثاً عن الاهتمام”.
وذهب ماسك إلى حد توجيه اتهامات مباشرة لستارمر بأنه “متواطئ في اغتصاب بريطانيا”، وذلك “لفشله في التصدي لعصابات استدراج الأطفال أثناء توليه منصب الادعاء العام”.
ودافع ستارمر بشدة عن سجله في هذا المنصب، الاثنين، قائلاً إنه غيّر “النهج بالكامل” الذي كان يمنع سماع أصوات الضحايا، وحقق “أعلى عدد من القضايا المتعلقة بالاعتداءات الجنسية على الأطفال التي تنظرها المحاكم في التاريخ”.
وفي تقرير صدر عام 2014، تبين أن نحو 1400 طفل تعرّضوا للاعتداء من قبل عصابات من الرجال في مدينة روثرهام بشمال إنجلترا خلال الفترة بين عامي 1997 و 2013. واستغل اليمين المتطرف هذه الفضيحة لفترة طويلة، مشيراً إلى أن غالبية مرتكبي الجرائم كانوا من عرقيات “جنوب آسيوية”.
ورفضت حكومة ستارمر مؤخراً إجراء تحقيق وطني بشأن عصابات الاستغلال الجنسي للأطفال، مشيرة إلى سلسلة من التحقيقات القائمة بشأن القضية، وتقرير صدر في عام 2022، لا يزال تنفيذ نتائجه جارياً.
غضب أوروبي
واعتبرت شبكة CNN الأميركية في تقرير، الاثنين، أن ماسك “أقحم نفسه على نحو متزايد” في الخطاب السياسي لدول أخرى، بعد نجاحه في مساعدة الرئيس المنتخب دونالد ترمب على إعادة انتخابه في الولايات المتحدة.
والشهر الماضي، أيد ماسك حزب “البديل من أجل ألمانيا”، الذي ينتمي إلى اليمين المتطرف، قبيل الانتخابات الفيدرالية المقرر إجراؤها في فبراير.
وبالإضافة إلى سلسلة منشورات على منصات التواصل الاجتماعي، كتب ماسك مقالاً في صحيفة ألمانية كبرى في عطلة نهاية الأسبوع، معلناً دعمه للحزب، الذي وُجهت إليه اتهامات بإحياء إيديولوجيا وشعارات من “حقبة النازية”.
ورداً على ذلك، قال متحدث باسم الحكومة الألمانية خلال مؤتمر صحافي، الاثنين، إن تأثير إيلون ماسك على الشعب الألماني محدود، مضيفاً: “الناس العاديون والعقلاء والمحترمون يشكلون الأغلبية في هذا البلد”.
وتابع المتحدث: “نتصرف كما لو أن تصريحات السيد ماسك على تويتر (إكس) يمكن أن تؤثر على بلد يبلغ عدد سكانه 84 مليون نسمة بالأكاذيب أو أنصاف الحقائق أو التعبير عن الرأي. لكن ببساطة هذا ليس هو الحال”.
وعند سؤاله عن كيفية الرد على منشورات ماسك، قال المستشار الألماني أولاف شولتز، الذي يواجه تحديات، لوسائل إعلام ألمانية: “لا تعطوا الاهتمام للمتصيدين”.
كما دعا ماسك بشكل مستمر إلى إجراء انتخابات جديدة في بريطانيا، على الرغم من أن الانتخابات الأخيرة جرت قبل ستة أشهر فقط. وأعلن دعمه لحزب “الإصلاح البريطاني اليميني، والأحد، حض ماسك زعيمه نايجل فاراج إلى الاستقالة، قائلاً إنه “لا يملك ما يلزم” لقيادة الحزب.
وعلى الرغم من أن ماسك لم يدعم مرشحاً آخر بشكل فوري، لكنه سبق أن دعا إلى إطلاق سراح تومي روبنسون، الناشط اليميني المتطرف المسجون. وكان روبنسون قاد مجموعات يمينية متطرفة في بريطانيا، وله عدد متزايد من المتابعين على منصات التواصل الاجتماعي.
وفي حديثه الاثنين، انتقد ستارمر أولئك الذين “يشجعون” تومي روبنسون، الذي سُجن لمدة 18 شهراً في أكتوبر بعد أن اعترف بازدراء المحكمة بسبب تكرار اتهامات كاذبة ضد لاجئ سوري.
وقال ستارمر عن مؤيدي روبنسون: “إنهم يدعمون رجلاً ذهب إلى السجن بعد أن كاد يسبب انهيار قضية استغلال الأطفال”. وأضاف أن هذا يُظهر “أنهم لا يهتمون بالضحايا، بل يهتمون بأنفسهم”.
وأصبح قادة أوروبيون آخرون أكثر قلقاً من تدخل ماسك في الخطاب السياسي في دول أخرى. إذ وصف رئيس الوزراء النرويجي يوناس جار ستوره، الاثنين، هذا التطوّر بأنه “مقلق”.
بدوره، عبّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن دهشته إزاء تصرفات ماسك، قائلاً: “إذا كنا قد أخبرنا أن مالك أكبر شبكة اجتماعية سيدعم حركة رجعية دولية ويتدخل بشكل مباشر في الانتخابات، بما في ذلك في ألمانيا، من كان ليصدق ذلك؟ هذا هو العالم الذي نعيش فيه، وفيه يجب علينا إجراء الدبلوماسية”.