عندما علم المهاجر السوري المقيم في برلين أسامة سبسبي، أن فصائل المعارضة المسلحة السورية استولت على مدينة حمص، حيث نشأ، فعل شيئاً لم يكن ليخطر على بال أحد قبل أيام قليلة؛ حجز تذكرة للعودة إلى الوطن.
يقول سبسبي، الذي يصف نفسه بأنه ناشط ضد النظام المنهار: “نحن الشعب السوري نعيش فرحة لا توصف. أنا أتطلع بشدة لرؤية أفراد عائلتي، الذين ما زالوا على قيد الحياة”، حسبما نقلت “بوليتيكو”.
سافر سبسبي، وهو عضو في الشتات السوري في برلين ويبلغ من العمر 29 عاماً، إلى الأردن، حيث كان يخطط لعبور الحدود لرؤية زوجته وإخوته في حمص، وزيارة موقع دفن والده، الذي قال إنه “تعرض للتعذيب على يد رجال الأسد ولقي حتفه لاحقاً في المعارك. وقال إنه ينوي المساعدة في إعادة بناء منزل العائلة المدمر.
ويرغب العديد من الساسة الأوروبيين رؤية السوريين الذين يعيشون في أوروبا، يسيرون على خطى سبسبي وأن يعودوا إلى وطنهم.
ومع صعود القوى اليمينية المتطرفة في أوروبا، واقتراب موعد الانتخابات الفيدرالية في ألمانيا، ترى القوى الأوروبية المناهضة للهجرة بشكل متزايد الآن فرصة لعكس تدفق اللاجئين غير المسبوق في عامي 2015 و2016، والذي تسببت فيه إلى حد كبير الحرب في سوريا، وفق “بوليتيكو”.
العودة إلى الديار
وتأتي قرارات مراجعة سياسات اللجوء في الوقت الذي ارتفعت فيه شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة المناهضة للهجرة في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي في الأشهر الأخيرة.
في النمسا، أعلن وزير الداخلية عن خطط لترحيل المهاجرين السوريين، بينما في ألمانيا، الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي التي استوعبت أكبر عدد من اللاجئين السوريين، طالب الساسة المحافظون الحكومة بوضع خطة لترحيل السوريين.
وقال السياسي الألماني المحافظ ينس سبان الاثنين، إن “أي شخص يريد العودة إلى سوريا، سنستأجر طائرات له ونعطيه مبلغاً أولياً قدره 1000 يورو”، كما اقترح أن تخطط البلدان التي استقبلت معظم اللاجئين السوريين لعقد “مؤتمر إعادة الإعمار والعودة” في الربيع لتسهيل عمليات الترحيل.
وقال ماركوس سودر، وهو زعيم محافظ بارز ورئيس وزراء بافاريا، في بودكاست هذا الأسبوع: “إذا تغير هذا الوضع الآن، ولم يعد هناك سبب فعلي لتقديم طلب اللجوء، فلن يكون هناك سبب قانوني للبقاء في البلاد”.
وأوقفت عدة دول أوروبية بينها بلجيكا وفرنسا واليونان طلبات اللجوء السورية، وفق “بوليتيكو”.
تزايد المخاوف
يتمتع سبسبي، الذي وصل إلى ألمانيا في عام 2015 وسط موجة من حوالي 500 ألف طالب لجوء، بميزة يفتقر إليها العديد من السوريين؛ فهو مواطن ألماني، مما يضمن له الحرية في العودة إلى برلين، حيث يعيش مع شقيقه وأخته.
ولا يتمتع السوريون الآخرون بمثل هذه الميزة، والحديث عن العودة يجعل الكثير منهم يشعرون بالقلق الشديد، خاصة بالنظر إلى حالة عدم اليقين العميقة بشأن ما سيحدث بعد ذلك في سوريا، حسبما نقلت “بوليتيكو”.
منذ سقوط الأسد، تلقى طارق العوس، وهو ناشط في منظمة الدفاع عن اللاجئين الألمانية، عدداً من الرسائل القلقة من السوريين في ألمانيا.
وقال العوس في مقابلة مع “بوليتيكو” إن اللاجئين السوريين يشعرون بالخوف من أن تلغي الحكومة الألمانية تصاريح إقاماتهم. وأضاف: “الكثير من الناس يشعرون بخيبة أمل”.
ويرى العديد من الساسة في ألمانيا أنه من السابق لأوانه الحديث عن الترحيل، بما في ذلك المستشار أولاف شولتز نفسه.
وقال شولتز هذا الأسبوع على التلفزيون العام الألماني: “ربما إذا سارت الأمور على ما يرام، سيقول كثير من الناس من تلقاء أنفسهم إنهم يريدون الآن المشاركة في إعادة بناء بلادهم. لكن في الوقت الحالي، لا يزال الوضع في سوريا خطيراً للغاية”.
كما حذرت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر، وهي عضو في الحزب الديمقراطي الاجتماعي الذي ينتمي إليه شولتز، من أن هجرة السوريين العكسية سيكون لها عواقب وخيمة على سوق العمل في ألمانيا، وخاصة قطاع الرعاية الصحية، الذي أصبح يعتمد على الممرضات والأطباء السوريين.
وقالت السياسية من الحزب الديمقراطي الاجتماعي: “بالنسبة لنا، من المهم أن نقدم للسوريين الموجودين هنا، والذين لديهم وظيفة، والذين اندمجوا، والذين لم يرتكبوا أي جرائم جنائية، والذين يذهب أطفالهم إلى المدرسة، الفرصة للبقاء هنا والتواجد هناك من أجل اقتصادنا”.
وكتب وزير الصحة كارل لاوترباخ على “إكس” أن حوالي 6000 طبيب سوري يعملون في ألمانيا. وأضاف أن المناقشة الانتخابية بشأن مستقبلهم في ألمانيا من شأنها أن “تخيب آمالهم وتزعجهم بشدة”.